◄هذا العنوان مأخوذ من قول علماء الاجتماع إنّ التصرف الحسن في مقابلة أزمات الحياة، ومعاملة مختلف الشخصيات، يعتبر من أرقى الفنون التي لا يدركها سوى الحكماء والفقهاء. أيّها القارئ إنّ حياتك في يديك تشكّلها كما تشاء. حياتك هي "بيانو" إذا كنت ماهراً في العزف تخرج ألحاناً مطربة تلعب بالقلب وتؤثر في النفس وتطرب الأذن. أما إذا كنت جاهلاً لا تعرف العزف فإنّك تخرج أصواتاً مشوشة خشنة تصم أذن السامع. حياتك في يدك. إمّا أن تجعلها حفلة عرس أو جنازة، إمّا أن تكون ابتسامة حلوة أو دمعة مؤلمة. إنّ الحياة مزيج من الحلو والمرّ، من الرخاء والشدة، وما على الناس إلّا أن يكيفوا أوضاعهم لمثل هذه الظروف المتقلبة المتبدلة، وأحكمهم أولئك الذين يعرفون كيف يتخطون العقبات دون أن تخور عزائمهم، ويستطيعون وهم وسط الشدائد والصعوبات أن يعملوا بهدوء وتعقّل ورزانة.. إنّ الأمور السيئة تحتاج لمواجهتها إلى شيء من سعة الصدر والاحتمال، وبذلك يزول ما بها من سوء وتصبح مدعاة للارتياح والاغتباط إنّ الذي يحسن التصرف كصاعد إلى قمة جبل، إذا رأى حجراً يتدحرج عليه لا يقف أمامه حتى يحطمه، بل يخلي له الطريق فيمرّ إلى حال سبيله. إنّ الجاهل هو الذي يحاول أن يكيّف ظروفه وفق نفسه. أما الحكيم الذي يحسن التصرف فهو الذي يكيّف نفسه وفق ظروفه. يقول أحد العلماء: أعرف كيف تتصرف في الحياة، وكيف تستمتع بالحياة لأنّ الاستمتاع بالحياة فن عظيم. لا تفشل مطلقاً في الحياة وإن فشلت فلا تيأس، بل استلهم معونتك من الله واستأنف عملك بروح أشجع وبإيمان أقوى وثق أنّك تستطيع بنعمة الله أن تستخرج الربح من صفقة خاسرة. قال أحد المختبرين: كنت أسير في طرقات الحديثة (منطقة في العراق) فرأيت على الأرض عشاً ساقطاً، متهدماً، وفوق ذلك العش رأيت عصفوراً وهو لا يشكو، إنّه جاد في بناء عش جديد، فتعلمت درساً جديداً في فن الحياة.. قال أحدهم: راقبت مرة ولدين صغيرين يبنيان بناء على شاطئ البحر بأسوار عالية حوله، وكان البحر في مده فجاءت موجة قوية وصدمت ذلك البناء الذي صرفا فيه وقتاً طويلاً وهما يتعبان في تشييده. فنظر الغلامان أحدهما إلى الآخر بدهشة. ثمّ جاءت موجة أخرى ولاشت البيت من الوجود، فانتظرت أن أرى الغلامين الصغيرين يصرخان ويبكيان، ولكنهما لم يفعلا هكذا: بل نظر أحدهما إلى الآخر وإلى البيت المدمر. وقال بكلّ سكون وهدوء: "لنبني بيتاً آخر في مكان آخر" فأجابه الثاني: "نعم هَلَّمَ لنبني" هذه هي الروح المطلوبة أمام مفاجآت وصدمات الحياة.
ومن أجمل ما ذكره أحد رجال الاجتماع قوله: تعلم أن تنحني أمام العاصفة، إنّ العاصفة تمرّ بسلام على الشجيرات الضعيفة التي تنحني أمامها، بينما تقصف الأشجار العاتية التي تقاوم هبوبها. إنّه جيد أن تثبت وأن تقف موقف الشجاع على مبادئك، وفي مركزك الحسن مهما كلفك ذلك، ولكن في ذات الوقت جيد أن تتعلم أن تنحني أمام العاصفة! لا يوجد إنسان في مأمن من المعاكسات والصدمات والضائقات، ولكن وجد بالاختبار أنّ الذين ينحنون أمام العاصفة هم أسعد حالاً وأهنأ بالاً من أولئك الأنانيين الذين بصلابة رأيهم يرغبون أن ينفذوا إرادتهم ولو بتكسير إرادات الآخرين. إنّ الملاطفة والملاينة تمكناننا من المرور في دروب الحياة بسهولة، فما أحوجنا أن نربي أنفسنا على المرونة، والانحناء أمام العاصفة!.
كتب أحد الأشخاص رسالة إلى صديق له أوضح فيها فلسفة حياته بالقول: إنّي لا أفتش البتة عن الأشواك ولكني أتمسك بما هو حولي من البهجة، وإذا كانت الأبواب أخفض من اللازم انحني وإذا أمكن أن أرفع حجراً من طريق أرفعه، أما إذا كان أثقل مما استطيع، فأدور حوله، وبهذه الطريقة لا يمرّ يوم إلّا وأجد فيه ما يلذ لي وبه اتمتع. وأعظم من هذا كلّه، الإيمان بالله الذي يحفظ النور في قلبي والبهجة على وجهي، وليس فقط أنّ فن الحياة يدعونا أن ننحني أمام العاصفة، أو أن نكيّف نفوسنا وفق ظروفنا، بل أنّ فلسفة الحياة تبعث فينا روح الإلهام وروح الابتكار فنستطيع بقوة الإيمان بالله أن نُخرج من الظلام نوراً، ومن المرارة حلاوة! أليس هذا هو وعد الله الصريح لنا.
يحدثنا الدكتور ستانلي جونس عن نسر رآه وقد هاجمته عاصفة مخيفة، وأيقن الدكتور أنّها ستمزّقه أرباً لا محالة، لكن النسر وضع جناحيه بشكل معين، وعوضاً عن أن يهوي إلى الأرض أو أن يرضخ لقوة العاصفة اتخذ من لفاتها ودوراتها سلماً يرتقي به إلى أعلى، وعوضاً عن أن تسقطه وتمزّقه استخدمها النسر بطريقة مدهشة ليصعد بها إلى الجوّ العالي!. أيّها الحبيب لماذا تتهرب من صعوبات الحياة، ولماذا تستسلم لها؟ ليتنا نتعلم من هذا النسر درساً في فن الحياة فنستغل كلّ الضائقات والمقاومات كسلم نرتقي به إلى جوّ سماوي وإلى اختبار روحي!.
يجب أن نتعلم أنّ الأحجار التي تتساقط علينا، من أحجار الصعوبات، وأحجار المصادمات، أن نحولها كلّها للنفع والخير والبركة، هذا هو معنى الحكمة القائلة: أن نستخرج الربح من صفقة خاسرة! فالمؤمن المتصل بالله يستطيع أن يحوّل كلّ العقبات إلى نعم وبركات، إن لم يكن لنفسه فللآخرين! هذه هي فلسفة الحياة، التي تجعلنا نحوّل الظروف السيئة إلى ظروف نافعة مبهجة مفرحة!.
وأختم بكلمة رائعة للدكتور أمير بقطر عنوانها: "كيف نستمتع بالحياة!"... إذا لم تجد الظروف وفق ما تهوى فكيف تكيّف نفسك بما يلائم هذه الظروف، ابن كوخاً من أغصان الشجر إذا لم تستطع بناء قصر من الحجر، نم على فراش من القش إذا لم تجد سريراً من النحاس، كُل قليلاً من الحب والتمر، إذا لم تجد الزبد واللحم، أشرب في كوب من الخزف إذا لم تجد طاساً من الفضة أو كأساً من البلور، وإذا لم تدنُ لك التفاحة، فادنُ أنت منها، وإذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون، تنم مستريح الضمير خالي البال... لا تحاول الهرب من عقبات الحياة أو الفرار من مسؤولياتها، لا تخشَ آلام الحياة وأحزانها، فإنّها الهواء الذي تداوي به النفوس الضعيفة، وراحة البال الدائمة والاطمئنان المستمر مسكنات تستوي بها الأجسام العليلة والنفوس السقيمة. إياك أن تلهيك ذكريات الماضي وأحلام المستقبل عن حقائق الحاضر، فالتغلغل في الماضي ضرب من ضروب الموت، والعيش في المستقبل سنة من سنن النوم، تنسل إلى أجفانك وأنت عنها غافل..
إياك أن تمعن العزلة وتكثر من الانطواء على نفسك، بل أنزل إلى المعمعة، واتصل بالناس والمجتمع فأنت منه وله، اعلم أنّه من أنجح الوسائل التي تجنب المرء العلل النفسية وتؤدي به إلى طريق السعادة، خدمة الغير وتمهيد سبل السعادة لهم.
إنّ الكراهية من ألد أعداء الإنسان فهي كالجرثومة تتكاثر وتنمو ولا تلبث أن تملأ كلّ مكان وكلّ جارحة فيك وحولك، والرجل الذي يعطى العنان للكراهية سرعان ما تنهار صحته ونفسيته.. أعلم أنّه حسن جدّاً أن تكون محباً، وأحسن منه أن تكون محبوباً، ولكن أحسن من كليهما أن تكون محباً محبوباً. ►
المصدر: كتاب فن التعامل مع الناس
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق