◄ما هو تعريف الصواب والخطأ عند البشرية عبر التاريخ؟ هل هناك مقياس لدرجة الصواب والخطأ، أم أنّه شيء نسبي غير ثابت؟ ما هو "الترمومتر" الذي نعرف من خلاله ما هو صواب وما عكسه؟
المقياس الوحيد الذي نستطيع به معرفة الصواب والخطأ هو الأخلاق الإنسانية التي يعيشها كلّ البشر، في كلّ زمان ومكان، وبغض النظر عن الأديان التي يؤمنون بها، والتي فُطروا عليها. إنّها مسطرة ومقياس الصواب من الخطأ، لذلك، فإن قيمة الأخلاق رهيبة.
تخيّل لو انعدمت الأخلاق أو لم تكن موجود، ماذا كان يحدث؟
الجبال هي سرُّ ثبات الأرض، وهي التي تحفظ التوازن. فكذلك الأخلاق، هي جبال العلاقات البشرية، وهي التي تحفظ ثبات المعايير، وإلا اختلّت الموازين وانهارت ثوابت المجتمع.
ونحنّ في هذا الموضوع نتحدث عن خُلق من الأخلاق التي تساعد على ثبات واستقرار الحياة إذا فُهم بالصورة الصحيحة التي جاءت في تعاليم الإسلام، وكما هي في كلّ الأديان. فبدون هذا الخلق لا يستطيع الإنسان أن يُبدع في الحياة. فهذا الخُلق سر من أسرار النهضة في التاريخ، وهو بمثابة مُحرّك النهضة، نحنُ مع خُلق الحرِّية.
فمن دون هذا الخُلق لا تتحرك النهضة ولا تُبنى، لأنّ الشخص الذي لا يملك الحرية لن تتفتّح في رأسه الأفكار المبدعة التي تساعد على نهضة الأُمّة. وكلما كان الإنسان تابعاً لأحد أو أسيراً لشهوة أو ذَنْب، يفقد عقله القدرة على الإبداع والانطلاق الفكري، فحرِّية النفس لها علاقة رهيبة بحرِّية الفكر.
فهل أنتَ حُرّ؟ أم أنت عبد للمال؟
جعل الإسلام الحرِّية حقاً من الحقوق الطبيعية للإنسان، فلا قيمة لحياة الإنسان من دون الحرِّية. وحين يفقد المرء حرِّيته، يموت داخلياً، وإن كان في الظاهر يعيش ويأكل ويشرب، ويعمل ويسعى في الأرض.
تعالوا نستمع معاً لصور من حرص الإسلام على الحريات وضرورة وجودها، وحرص الإسلام على حريتك.
لقد بلغ من تعظيم الإسلام شأن الحرِّية، أن جعل السبيل إلى إدراك وجود الله تعالى، هو العقل الحر المهتدي بهدى الشرع، الذي لا ينتظر الإيمان بوجوده بتأثير قوى خارجية، كالخوارق والمعجزات ونحوها. قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ...) (البقرة/ 256)، فنفي الإكراه في الدين، الذي هو أعز شيء يملكه الإنسان، للدلالة على نفيه في ما سواه، وأنّ الإنسان مستقل في ما يملكه ويقدر عليه، لا يفرض عليه أحد سيطرته، بل يأتي هذه الأمور، راضياً غير مُجبَر، مُختاراً غير مُكرَه.
وحَفَظ الإسلام الحرية للبشر جميعاً، بتكريم الله عزّ وجلّ لهم، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) (الإسراء/ 70). فهو له الحرية، لكونه إنساناً، بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه.
ومن صُور الحريات التي أمر بها الإسلام، ضرورة الحفاظ على سلامة الفرد وأمنه في نفسه وعرضه وماله، فلا يجوز التعرض له بقتل أو جرح، أو أي شكل من أشكال الاعتداء، سواء أكان على البدن كالضرب والسجن ونحوهما، أو على النفس والضمير، كالسَّب أو الشتم والازدراء والانتقاص وسوء الظن ونحوها. ولهذا، قرّر الإسلام زَوَاجر وعُقوبات، تكفَل حماية الإنسان ووقايته من كلّ ضرر أو اعتداء يقع عليه، ليسهل عليه ممارسة حقه في الحرية الشخصية. ففي الاعتداء على النفس بالقتل وَجَبَ القصاص، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) (البقرة/ 178). أو كان الاعتداء على الجوارح بالقطع وجب القصاص أيضاً كما قال تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأنْفَ بِالأنْفِ وَالأذُنَ بِالأذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ...) (المائدة/ 45).
ولذلك، جاء الإسلام بكل الوسائل التي تُحارب الرِّق والعبودية، ليصبح الإنسان حُرّاً من كلّ قيد، ويتحقق له معنى العبودية المطلقة لله تعالى.
فالعبودية لله حرِّية، بل وتُعينك على أن تكون حُراً، لأنّ الله هو الحق الكامل المطلق، فيه ومعه سبحانه وتعالى تكون قابلاً للحرية، لأنك عبدٌ للملك الذي يملك كلّ ما في الأرض والسماوات. فالذي يسجد لله لا يمكن أن ينحني لأي إنسان أو أي شيء، فكلما عبدته سبحانه أكثر، تحررت أكثر، لأنّ العبودية هي التي تجعلك ترى الحياة بمنظورها الصحيح، وتعطي كلّ ذي قدر قدره. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ) (التوبة/ 38).
وبعد هذا العرض لهذا الخلق يأتي السؤال: كيف أكون حراً؟
أطلق لعقلك العنان في الأفكار، فمن الحرية ينطلق الإبداع. حرّر تفكيرك حتى إن كان هذا يعني أنك تفكر في بعض الأفكار الخاطئة، وتُعيد تقييمها وعلاجها.
حَرّر نفسك: تأمّل ذاتك وراقبها وارصد عاداتك، السلبي والإيجابي، وأوقف العادات السيئة، وأبْقِ الإيجابية وطوّرها.
حرر نفسك إذن من هموم الحياة.
حرر نفسك من المشاعر السلبية وآثارها.
حرر نفسك من كلّ ما يُقيّد حرّيتك.
حرر نفسك من الخوف وتخلّص منه.
حرر حلمك، واجعل لحياتك معنى، اكتب حلمك وحاول أن تُحقّقه، فليس هنالك شيء مستحيل مع العزم والإصرار والصبر والثبات. سهلٌ عليك أن تصل إلى حلمك مادمت تُؤمن بقدراتك، وبأنك قادر وأقوى وأهل له.
كنّ حُرّاً: حرّر نفسك من كلّ ما يُقيّدك، اكسر العادات السيئة وتحرر منها، حرر نفسك من كلّ عادة أو رغبة ولا تكن عبداً لها.
فهيّا مَعَاً لنحيي خُلقاً عظيماً من أخلاق الإسلام، ولنُجاهد أنفسنا عليه، لننال عظيم الأجر من الله تعالى.
وأخيراً، أكثِر مِن دُعاء النبي (ص): "واهدِني لأحسَن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصْرِف عنّي سيّئها، لا يَصْرِف عنّي سيئها إلا أنت".►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق