◄العقيدة الصحيحة في الإسلام هي قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان. والعقيدة هي أصل الدين وأساس الملة، وهي ذلك المنهاج الشامل الذي يجيب عن كلّ تساؤلات الإنسان، بإجابات تقنع عقله، وتشبع نفسه التواقة إلى المعرفة، وتهديه إلى النور المبين.
العقيدة في الإسلام هي رباط يوثق صلة الإنسان بدينه، الذي يقوم على عبادة الله الواحد الأحد، ومن المعلوم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنّة أنّ الأعمال والأقوال إنّما تصح وتُقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة، فإن كانت العقيدة غير صحيحة بطل ما يتفرع عنها من أعمال وأقوال. ويمكن تلخيص العقيدة الصحيحة في الإيمان بالله تعالى وملائكته وكُتُبه ورُسُله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه. فهذه الأمور الستة هي أصول العقيدة الصحيحة، التي نزل بها كتاب الله العزيز، وبعث الله بها رسوله (ص)، ويتفرّع عن هذه الأصول كلّ ما يجب الإيمان به من أمور الغيب، وجميع ما أخبر الله تعالى به ورسوله (ص).
وفي بيان أهمية العقيدة في الإسلام، وأثرها في النفس، وطُرُق تمكين العقيدة وتثبيتها لدى المسلم، يتحدّث الدكتور محمد سليمان فرج، مستشار الفتوى والتوجيه الأسري، الذي يوضح في بداية حديثه أنّ العقيدة هي أساس الدين وقوامه والدعامة الكبرى لبنائه. والعقيدة هي انعقاد القلب عقداً مؤكداً عن يقين صادق بحقيقة ما، ولا يكفي في الإيمان مجرد النطق باللسان والاقتناع بالعقل، بل لابدّ من أن يكون عقيدة في القلب تظهر آثارها على الجوارح، وتسري في حياة المؤمن وسلوكه. ومن هنا تشرق الحقيقة الواضحة الجلية أنّ مبادئ الإسلام تقوم على العقيدة الحقّة والعبادة الخالصة والأخلاق السامية.
- العقيدة هي الفطرة:
جعل الله سبحانه وتعالى الدين هو الفطرة الإنسانية، قال تعالى في (الآية 30 من سورة الروم): (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا). فالإنسانية في حاجة ماسة إلى العقيدة الصحيحة للإيمان بالله تعالى ورحمته، والإيمان باليوم الآخر، وانتظار الجزاء العادل، ونوال الثواب في دار الخلود، ليكتمل للإنسان استقراره الروحي واتزانه النفسي، فيستقبل مشاكل الحياة بنظرة متفائلة وصبر جميل.
- عقيدة واحدة:
إنّ العقيدة التي أنزل الله بها كُتُبه، وأرسل بها جميع رسله، وجعلها باقية أبد الآبدين من بداية البشرية إلى نهايتها، هي عقيدة واحدة لا تتغير بتغير الزمان ولا المكان، ولا تختلف باختلاف الأنبياء والأُمم، بل هي ثابتة محكمة، لأنّها تشمل الإيمان بالله وملائكته وكُتُبه ورُسُله واليوم الآخر، قال الله تعالى في (سورة الأنبياء الآية 25): (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ).
وقال تعالى في (الآية 13 من سورة الشورى): (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)، أي ما شرّعه الله لنا من الدين ووصانا به، كما وصى رُسُله السابقين، مثل: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وذلك في جوهر العقيدة وأصول الدين، لا فروعه وتشريعاته الخاصّة، لأنّ لكلّ أُمّة منهجاً يتفق مع ظروفها وأحوالها، وشريعة تتلاءم مع مستواها الفكري وحياتها الراهنة واستعدادها الروحي، قال سبحانه وتعالى في (الآية 48 من سورة المائدة): (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً).
- أهمية العقيدة:
إنّ حاجة الإنسان إلى العقيدة حاجة ماسة وملحة لمعرفة نفسه ومعرفة ما يحيط به من هذا الوجود. فالإنسان منذ نشأته تثور في نفسه أسئلة يريد أن يعرف الجواب عنها، ومن تلك الأسئلة على سبيل المثال: "من أين جئت وجاء هذا الوجود المتناسق المحكم؟ وإلى أين المصير بعد هذه الحياة المليئة بالخير والشرّ وبعد الموت؟ ولماذا وجدت في هذه الحياة ومُيزت بالعقل والإرادة عن سائر الكائنات؟"
فهذه الأسئلة لابدّ منها للإنسان في كلّ عصر، وهو يتطلّع إلى الجواب الذي يطمئن الوجدان ويقنع العقل، ولا سبيل إلى ذلك إلّا بالعقيدة الخالصة. لأنّ العقيدة هي التي تكشف للإنسان عن حقيقة نفسه فيعرفها، فإذا عرف الإنسان نفسه عرف ربّه، وعندها يوقن أنّه لم يظهر من العدم صدفة، ولا وجد في هذا الكون عبثاً، وإنما هو عبد لإله خالق عظيم، هو الذي خلقه فسواه وأحسن خلقه، ونفخ فيه من روحه ووهبه السمع والبصر والفؤاد، وأحاطه بنعمه التي لا تعد ولا تحصى ظاهرة وباطنة، وأنّ هذا الوجود كلّه بما يحويه من أرض وسماء وحيوانات ونباتات وأفلاك وجمادات، إنما هو مخلوق مقهور لله تعالى، لا يسير عبثاً ولم يُترك سدىً، بل كلّ شيء فيه بتقدير إلهي وتسخير دقيق وفق إرادة الخالق جلّ جلاله.
فالعقيدة هي التي توقف الإنسان على سرّ الحياة بعد الموت، وهي التي تعرفه أنّ الموت ليس عدماً وفناءً، وإنما هو مرحلة أخرى بعد الحياة الدنيوية إلى حياة برزخية، ثمّ بعدها النشأة الأخرى التي تجزى فيها كلّ نفس ما كسبت، فلا يُظلم أحد شيئاً، ولا تنتهي من دون عدل كامل، ليوفي كلّ إنسان عمله.
وكذلك ليستطيع الإنسان أن يدرك لماذا خُلق، وأنّه جاء لحكمة عالية ليعبد ربّه ويعرفه، وأنّه جُعل خليفة في الأرض ليعمرها ويسخرها وفق نظام معيّن ومنهاج شرعه الله سبحانه وتعالى، وهيأ له أسباباً ليكتشف ما في الأرض من أسرار ويتمتع بطيباتها، مؤدياً حقّ الله تعالى وحقوق العباد والكائنات من حوله. وبذلك يدرك سرّ وجوده ويقف على حقيقة أمره في هذه الحياة.
- علم العقيدة الإسلامية:
إنّ علم هذه العقيدة هو أعظم العلوم على الإطلاق وأكثرها أهمية للمسلم، لأنّ العقيدة هي الأصل الذي تُبنى عليه فروع الدين، والأساس الذي يقوم عليه بنيانه والحصن الحصين لحماية المسلم من عواصف الشك وأخطار الضلال والشرك، ويجب أن يعرف المسلم أنّ جميع الأعمال الصالحة التي يعملها لا يقبلها الله تعالى إلّا إذا صحت العقيدة والإيمان الصادق. ولا يتم ذلك إلّا عن طريق القرآن المجيد وخبر الرسول (ص)، ولهذا فإنّ مصادر العقيدة الإسلامية هي كتاب الله تعالى والسنّة النبويّة الصحيحة.
ومن المباحث التي تشملها العقيدة الإسلامية، علم التوحيد الذي هو رأسمال المؤمن ومصدر سعادته الأبدية. قال تعالى في (سورة النساء الآية 48): (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا). كما تشمل العقيدة معرفة ما يجب لله تعالى، وما يستحيل وما يجوز في حقه تعالى، وهذا يسمى بالإلهيات، ومعرفة ما يجب للرُسُل – عليهم الصلاة والسلام – وما يستحيل وما يجوز في حقّهم، وصدق معجزاتهم ورسالاتهم، وهذا يسمى بالنبوات. وجميع الأمور الغيبية، التي جاءت عن طريق كتاب الله تعالى، أو سُمعت من رسوله (ص)، وتشمل الإيمان بالملائكة والكتب السماوية واليوم الآخر، والجنة والنار والصراط المستقيم، والميزان والحوض، وهذا يسمى السمعيات.
إنّ معرفة أمور العقيدة معرفة جازمة يقينية فرض عين على كلّ مسلم مُكلف، والمكلف هو البالغ العاقل، وهذه المعرفة وإن كانت لا تجب على الصبي، لكن يجب على والده أو ولي أمره أن يقوم بتعليمه العقيدة متدرجاً معه حسب ما يسمح إدراكه، لينشأ نشأة إسلامية، سليم العقيدة، ولتحميه من الزيغ والانحراف إذا كبر وبلغ سن التكليف.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق