• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التصرف مع الطفل ذو السلوك المضطرب

التصرف مع الطفل ذو السلوك المضطرب
 من الطبيعي جدّاً أن يتصرف كل الأطفال الصغار بجرأة وشقاوة وتهور من حين إلى آخر. ولكن هناك أطفال يتصرفون بطريقة مدمرة وبلا مبالة معظم الوقت. وهو أمر غير طبيعي بالنظر إلى سنهم. هناك طفل واحد من بين كل عشرة أطفال يقوم بتصرفات شائنة وصعبة وتخريبية. ويفوق عدد الأطفال الأولاد عدد البنات بنسبة اثنين إلى واحد في هذا الشأن. هناك أنماط عدة من التصرفات التي يقوم بها الطفل المضطرب، أكثرها شيوعاً: السلوك المعارض بجرأة، والسلوك الفوضوي، والسلوك اللامبالي بإفراط. تتشارك هذه الأنماط الثلاثة من التصرفات في بعض الأعراض الشائعة. وقد يَجمع الطفل بين نمطين من السلوك في الوقت نفسه. غالباً ما يُظهر الطفل الذي يعاني اضطراباً في السلوك، تصرفات غير اجتماعية مثل الغضب الشديد واستخدام لغة الشتم دائماً، وتصرفات عدوانية مثل البصق على الناس وعدم احترام مشاعر وحقوق الآخرين بشكل متكرر. معظم الأطفال الذين يوصفون بسوء التصرف يكذبون، خاصة عندما يكونون خائفين من مواجهة مشاكل، أو يرغبون في الحصول على شيء بشدة. والبعض منهم يكذب مراراً وتكراراً حتى عندما لا يكون هناك داعٍ للكذب. ومن المحتمل أن تكون غرف معظم الأطفال الذين يعانون اضطراب في السلوك غير مرتبة، كما أنّهم لا يحبون المساعدة في ترتيبها، ولا يراعون شروط النظافة الصحية.   - سلوك المعارض الجريء: هناك اعتقاد سائد أنّه من بين كل عشرة أطفال تقل أعمارهم عن اثنتي عشرة سنة، يوجد طفل واحد يسلك سلوك المعارض الجريء. ويفوق عدد الأولاد عدد البنات بنسبة اثنين إلى واحد. من بين موصفات هذا الطفل: ·       يغضب وينزعج ويثور بسهولة. ·       تتكرر نوبات غضبة باستمرار. ·   يعصي الأوامر دائماً، ويدخل في جدال مع البالغين، خاصة القريبين منه مثل الأم، الأب، الأشقاء... إلخ، ويعظم الأمور فيجعل القضايا الصغيرة تبدو أكبر مما هي عليه. ·       يرفض إطاعة القوانين. ·       يسعى عامداً إلى إزعاج وإثارة الآخرين. ·       ثقته بنفسه محدودة. ·       سريع الشعور بالإحباط. ·       يرفض دائماً تقديم يد المساعدة على أي عمل ويهمل الأساسيات.  

- سلوك الفوضوي: غالباً ما تُطلق على الطفل الفوضوي صفة "الطفل السيئ" نظراً لتصرفاته المتهورة ولرفضه إطاعة القوانين. يُعتقد أن ما يقارب 10 في المئة من الأطفال في عمر عشر سنوات هم من ذوي السلوك الفوضوي المتمرد. ويفوق عدد الأولاد عدد البنات بنسبة أربعة إلى واحد. من مواصفات الطفل ذي السلوك الفوضوي: ·       رفضه الدائم إطاعة قوانين الأم والأشخاص الآخرين في موقع السلطة. ·       التغيب المتكرر عن المدرسة بغير إذن، والتهرب من أداء الواجب. ·       التصرف بعدوانية مع الأشخاص والحيوانات، أو الكشف عن تصرفات سادية، بما فيها الاعتداء الجسدي والجنسي. ·       الحماسة لدخول معارك قتالية. ·       استخدام السلاح في القتال. ·       الكذب مراراً وتكراراً. ·   القيام بتصرّفات يجرّمها القانون مثل السرقة، وإشعال الحرائق عمداً، ودخول منازل الآخرين عنوة، وتخريب الممتلكات العامة والخاصة. ·       الميل إلى الهروب من المنزل. ·       الإصرار على أن تكون الكلمة الفصل له هو. ·       الميل إلى الانتحار – إلا أن هذه الصفة نادرة جدّاً.   - سلوك اللامبالي بإفراط: هناك اعتقاد يقول إن نحو 5 في المئة من الأطفال هم من ذوي السلوك اللامبالي. يفوق عدد الأولاد عدد البنات بنسبة ثلاث إلى واحد. ومن مواصفات الطفل اللامبالي: ·       قلة الانتباه، الصعوبة في التركيز، نسيان التعليمات، الانتقال من عمل إلى آخر من دون إنجاز أيٍّ منها. ·       التهور. عدم احترام الآخرين عند الكلام، قِصر النفس، التعرض لحوادث مفاجئة نتيجة تهوره. ·       النشاط المفرط – دائم الضجر والقلق والتململ.   - عوامل خطيرة: إنّ الأسباب التي تدفع الطفل إلى أن يسلك سلوكاً معارضاً أو فوضوياً أو لامبالياً غير معروفة، ولكن قد تتضمن بعض العوامل الخطيرة التالية: ·   الجنس: إنّ نسبة الأطفال الأولاد الذين يعانون التصرفات المضطربة والشائنة تزيد على نسبة الأطفال البنات: سبب ذلك غير معروف. إذ قد يكون للأمر علاقة بالجين أو بالخبرة في مجال إقامة العلاقات الاجتماعية. ·       الحمل والولادة: يمكن أن تلعب صعوبات الحمل والولادة المبتسرة ونقص الوزن عند الولادة دوراً في بعض الحالات، فتتسبب في معاناة الطفل اضطرابات في السلوك في ما بعد. ·       المزاج: من المحتمل أن يسلك الطفل صعب المراس منذ الصغر، أو المزاجي، أو العدواني، سلوكاً مدمراً عندما يكبر. ·   الحياة الأسرية: من المحتمل أن تزيد نسبة الأطفال الذين يعانون سلوكاً مدمراً عند الأسر المفككة. مثلاً، الطفل الذي يكبر وسط عائلة تعاني العنف المنزلي أو الفقر، أو عدم امتلاك الأم خبرة كافية لتربية الأولاد، لابدّ أن يكون سلوكه مضطرباً في المستقبل. ·       صعوبات التعلم: المشاكل التي يواجهها الطفل في القراءة والكتابة، تكون في الغالب مقرونة مع مشاكل في السلوك. ·       الافتقار إلى الذكاء: احتمال أن يسلك الطفل محدود الذكاء سلوكاً شائناً، يزيد مرتين على الحالات الأخرى. ·   تطور الدماغ: دلت الدراسات أنّ المناطق التي تنظم الاهتمام في الدماغ تبدو أقل نشاطاً عند الطفل الذيب يعاني السلوك اللامبالي بإفراط.   - نصائح: يحتاج الطفل ذو السلوك المضطرب إلى مستوى من الرقابة والاهتمام يفوق المستوى الذي يحتاج إليه الأطفال الآخرون الذين هم في مثل سنه. ولكن يجب ألا يقتصر ذلك على الأهل أو المدرسات فقط. إذ قد تكون هناك حاجة إلى طرف ثالث أكثر قدرة على بناء علاقة جيِّدة مع الطفل، تساعده على تعلم تطوير علاقته الاجتماعية مع الأهل وبقية الأطفال وكل المحيطين به، ويوفر للأهل وقتاً للراحة. إنّ الأهل في حاجة ماسة إلى الراحة، كي يتمكنوا من السيطرة على عواطفهم وانتفعالاتهم ومعاناتهم بعد قضاء أوقات صعبة مع الطفل. فالطفل ذو السلوك المضطرب القاتل، يستمتع بأن يدفع بأمه إلى الجنون، وهو قادر على ذلك. فإذا لم تتعلم الأُم كيف تسيطر على انفعالاتها أثناء الاعتناء بالطفل، تكون النتيجة بالتأكيد ارتفاع وتيرة العنف، ويزداد سلوك الطفل اضطراباً. على الوالدين أو يحاولا إيجاد طرق يستطيعان من خلالها بناء علاقة إيجابية مع طفلهما. عليهما لفت انتباهه إلى النواحي الإيجابي في شخصيته، والاستمتاع بالوقت الذي يمضيانه معه، وأن يحاولا تجنب كل ما يثيره ويدفعه إلى الإتيان بتصرفات قاتلة ويزيد من تفاقم المشكلة.   - البحث في الأسباب: عندما يكون لدى الطفل مشاكل في السلوك، يستحسن أن يفكر الأهل في الأسباب التي تثيرها. ومنها: المشاكل العائلية، مثل: ·       إثارة المشاكل في ما بينهما، ليتمكنا من التركيز على مشاكل طفلهما. ·       الاختلاف حول طرق مساعدة طفلهما في السيطرة على تصرفاته. ·       الدخول في جدال حاد في وجود الطفل. ·       إقحام الطفل في نزاعاتهما. ·       القيام بتصرفات تقلق الطفل وتثير خوفه عليهما. ·   الضغوط المدرسية. ومنها: تكليف كل معلمة الطفل بالكثير من الواجبات من دون الأخذ في الاعتبار الواجبات التي تكلفه بها المعلمات الأخريات. ·       توقع الأهل الكثير من الطفل من دون الأخذ في الاعتبار ما يسببه توقعهم من قلق للطفل. ·       تعرض الطفل لمضايقات من الأطفال الآخرين، أو مواجهته صعوبة في التعامل مع أنداده. ·   ضغوط الطفل نفسه: عندما يكون الطفل حساساً، على الأُم أن تعلمه كيف يحمي نفسه من المشاكل. فبعض الأطفال الحساسين جدّاً، يحاولون التصرف بفظاظة وأحياناً كثيرة بشراسة، ليحموا أنفسهم. يمكن أن يتصرف الطفل بعدائية عندما يكون محبَطاً. ·   اعتماد أسلوب العقاب: إن لجوء الأُم إلى عقاب طفلها بالضرب أو الصراخ في وجهه أو بالصفع أو التهديد، يزيد من اضطرابه وخوفه. وقد دلت الدراسات أن هناك رابطاً قوياً بين خوف الطفل وسلوكه المضطرب.   - أفكار وخطوات: يصعب على الأُم، خاصة المبتدئة، التعامل مع طفل لديه مشاكل في السلوك. قد تكون راغبة في بذل أقصى ما تستطيع من جهد لمساعدة طفلها لكنها لا تعرف ما الذي يجب عمله. يمكن أن تفيدها الأفكار التالية في هذا المجال: 1- اعتماد روتين معين: يساعد الروتين الطفل على الشعور بالأمان. إنّ الطفل الذي يشعر بالقلق والارتباك بسبب المشاكل العائلية، يمكن أن يسلك سلوكاً شائناً في المدرسة، أو في الشارع، أو مع الأطفال الآخرين، أو مع الأهل، يدل على اضطرابه. إن مساعدة هذا الطفل، تتوقف على تمكينه من معرفة ما يمكن أن يحصل خلال النهار. والروتين هو الذي يمكّنه من ذلك. لذا، يجب أن تضع الأُم جدولاً بسيطاً بما تتوقع من طفلها عمله، ووضعه في مكان ظاهر. أو إطلاع طفلها على البرنامج منذ بداية اليوم، وأن تحاول تطبيقه بحذافيره. 2- معرفة السبب وراء تصرف الطفل: على الأُم أن تبحث عن سبب سلوك طفلها الشائن لتتمكن من التقرب منه وتقديم يد المساعدة له. لنأخذ مثلاً الطفل الذي يواجه مشكلة طلاق والديه. فهذا الطفل يكتشف فجأة ان أحد الوالدين غاب عن المنزل، وأن خللاً طرأ على الروتين اليومي، وأنّ الجو العائلي الذي كان يوفر له الأمان في يوم من الأيام انتهى وتلاشى. في هذه الحالة، يمكن أن يشعر الطفل بالعجز وعدم الأمان، ونتيجة لعدم قدرته على التعبير عن استيائه، قد ينعكس شعوره على تصرفاته. إن لم تكن المشكلة الطلاق فقد تكون هناك أوضاع مقلقة أخرى مثل حالة وفاة في العائلة، النبذ، التعرض لعنف جسدي أو جنسي، فقدان الأب عمله، مواجهة الأهل ضائقة مالية. ولأنّ الطفل لا يعرف التعبير عن مشاعره، يُعبر عنها بسلوك تخريبي مدمر. 3- التركيز على التصرف الجيِّد: على الأُم ألا تشكر طفلها أو تمدحه على عمل يفترض أن يقوم به. بل عليها اكتشاف تصرفاته الجيِّدة والحديث عنها. مثلاً، إذا اكتشفت أن تصرف طفلها كان جيِّداً أثناء لعبه مع طفل آخر، يمكنها القول له بابتسامة: "لقد رأيتك وأنت تلعب مع صديقك بهدوء، وتسمح له بأن يلعب بألعابك". 4- تأجيل الحديث عن تصرف الطفل: إذا أتى الطفل بتصرف سيئ، بصق على طفل آخر أو شتمه، على الأُم أن تنتظر مرور يوم أو يومين على الحادث، ثمّ تتحدث إلى طفلها عن تصرفه السيئ. عليها أن توضح له أنها مستعدة لمساعدته حتى لا يكرر فعلته السيئة مرة أخرى. مثل هذا الموقف يعرّف الطفل أنّه عزيز على أمه، وأن أمامه فرصة لتغيير تصرفه، وأنّه ليس وحيداً في صراعه لتغيير تصرفاته. 5- إدراك الأُم أنّ الطفل نفسه يتأذى من التصرف الشائن: يجب أن لا يغيب عن بال الأُم أن هناك احتمالاً بأن يشعر الطفل نفسه بالأذى من تصرفه. لذا، فهو في حاجة إلى المساعدة، وفي حاجة إلى انتباه، وفي حاجة إلى أن تسير الأمور على خير ما يرام، وفي حاجة إلى الشعور بالأمان، وإلى الشعور بأنّه قوي عندما يفقد سيطرته على نفسه، وفي حاجة إلى أن يختبر أمه، ليتأكد من أنها جديرة بالثقة وأنها تقلق عليه فعلاً. خلاصة القول، بدلاً من أن تشعر الأُم بالغضب والإحباط وبالقهر، كلما سلك طفلها سلوكاً شائناً، عليها كأُم مسؤولة عن تربيته وتعليمه أن تتعاطف معه وتحبه وتتفهم وضعه. فهي تحب طفلها لا تصرفاته القاتلة. إن أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الطفل يسلك سلوكاً شائناً، هو افتقاره إلى أهداف وحدود تضعها الأُم بنفسها. فإذا لم تكن القوانين متماسكة وواضحة منذ البداية، يؤدي الأمر إلى سلوك الطفل مسلكاً مدمراً داخل المنزل وخارجه. يجب أن تركز الأُم وأن تحدد ما الذي تريده من طفلها في المنزل وفي الخارج وفي المدرسة. يجب أن توضح لطفلها ما هي التصرفات الجيدة والمقبولة ثمّ تطلب منه تطبيقها. عندما تتحدث الأُم لطفلها عن التصرفات الجيدة، عليها أن تحدد ما تريد. مثلاً، عليها ألا تكتفي بالقول له "كن مهذباً"، بل أن توضح ما تعني. فتقول له مثلاً "كن مهذباً بالإصغاء إلى المدرسة وبعدم القيام بتصرفات سيئة". على الأُم أن تتحدث عن هذه الأهداف والموضوعات يومياً إلى طفلها. فإذا تحسن سلوكه، عليها مكافأته على حسن تصرفه حالاً، إما بالشكر والثناء على شجاعته، أو باصطحابه لزيارة مكان يحبه أو بالسماح له بتناول قطعة أخرى من الحلوى. عندما تطلب الأُم من طفلها أي شيء، عليها أن تحرص على النظر في عينيه مباشرة، وأن تجعله يكرر ما طلبت منه لتتأكد من أنّه بالفعل فهم ما هو مطلوب منه. يجب أن تكون الأهداف واقعية وقابلة للتنفيذ، وأن يعرف الطفل نتائج تطبيقها بالشكل الصحيح، قبل أن يبدأ التنفيذ حتى يُحسن التصرف. فهذا يسمح للطفل بأن يتريث ويفكر قبل الإقدام على أي تصرف. يجب ألا يكون سقف توقعات الأُم مرتفعاً جدّاً حتى لا يفشل الطفل. فالفشل يدفعه إلى الشعور بالإحباط، وهذا الشعور يدفعه إلى القيام بتصرف شائن. يجب أن تأخذ الأُم قدرات طفلها وإمكاناته وأسلوبه الفريد في الاعتبار. ومن المهم أيضاً ألا تركز على تحصيله السابق، بل على التقدم الذي أحرزه.

ارسال التعليق

Top