• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التمييز بين الأبناء

التمييز بين الأبناء

تفضيل شخص على آخر أمر موجود في كلّ مجتمع أو بيئة أو عائلة وبالتالي يقع الأهل في مأزق التمييز بين أولادهم، خصوصاً أنّهم ليسوا أبطالاً خارقين مترفعين عن الأخطاء، ما يؤدي إلى دفع الأولاد لأن يميزوا هم بدورهم بين شخص وآخر، وربما في المستقبل عندما يصبحون هم آباء وأُمّهات بين أولادهم. التمييز له أشكال عدة وكذلك له أسباب عدة، وفي مختلف أشكاله ينعكس على الطفل الذي يقع ضحية أزمات نفسية بسبب اختلاف أشكال التمييز وبحسب حجمه أو قدرة الطفل على التفاعل مع هذا النوع من التمييز أو استيعابه.

فقلائل هم الأطفال الذين يعبرون لأهلهم عن انزعاجهم أو يستطيعون إيجاد اسم أو فكرة لهذا التمييز، وبالتالي هم يكافحون للبقاء في المنزل حيث يتعرضون لحالة لا يعرفون تحديدها أو إعطاءها اسماً معيناً. فيعيشون بقلق مستمر ويشعرون بالتهديد المتواصل جراء وجود أخ أو أخت تشاركهم المنزل له أو لها "مميزات مختلفة" هي سبب التمييز ما يدخلهم أحياناً في حرب مع أشقائهم الذين يعدون هم بدورهم ضحية لأنّهم لم يقوموا بأي مجهود لدفع أهلهم إلى تفضيله على الأخ الآخر.

معظم هذه الحالات يحملها الطفل معه حتى بلوغ سن الرشد وهي تتفاقم مع الأيام وتؤدي إلى تعطيل محطات عدة في مسيرة حياته أو تكون عنصراً أساسياً للتعديل في شخصيته.

وفي خلاصة الأمر لا أحد يشعر بالألم سوى هذا الطفل وقد يتعرض جراء ذلك للملامة وربما للتوبيخ من قبل الأهل بسبب بعض التصرفات التي يقوم بها وقد لا تكون مرضية.

ثمّة نوع آخر من الأطفال نراه يعبر عن غيرة كبيرة من أخية أو أخته تكون نتيجة شعوره بالتمييز ولعل هذه الحالة هي أقل خطورة لأنّ الطفل يكون بذلك ومن حيث لا يدري يعمل على إطفاء المشكلة إلى السطح وإظهارها على طريقته وعدم كبتها في داخله وبالتالي تكون الأزمات النفسية أخف وطأة على هذا النوع من الأطفال.

في الحالة الأولى قد تتأزم العلاقة مع الأهل بسبب سلوك الابن الدفاعي الذي يخلق نفوراً من قبلهم تجاهه وبالتالي تباعداً يترك هوة تدفع بالطفل إلى الانطواء على ذاته وفقدان الثقة بينه وبين والديه.

أما في الحالة الثانية فأداء الولد وتعبيره عما يشعر به قد يساعد الأهل على إدراك التمييز، وبالتالي الوعي لوجوب العمل على إصلاح الخلل الناتج عنه، مع الإشارة إلى أنّ هؤلاء الأهل يكونون في غالبية الأحيان غير مدركين لأسباب التمييز والتي يمكن أن تعود إلى:

تشبيه الابن لشخص لا يحبونه.

إنجاب ابن غير مرغوب به إما من حيث التوقيت أو الجنس أو إنجابه قبل الاستعداد النفسي اللازم لهذه الخطوة.

الخلافات الزوجية التي تدفع بأحد الطرفين للعمل على إزعاج شريكه لكونه يشعر بتعلقه بهذا الطفل وبالتالي ربما يقوم بفعل انتقام منه مستغلاً الولد.

انطلاقاً من كلّ ما تقدم لا يدرك الأهل فظاعة التأثيرات التي يتركونها في أنفس أولادهم علماً أنّ الأثر النفسي المؤذي لا يكون على المدى القصير بل على المدى البعيد.

لذلك عزيزي القارئ.. الوعي حول مفهوم التربية هو شق أساسي لصناعة جيل مستقبل سليم وبمجرد تنبه الأهل إلى الدور الذي يلعبونه في تأسيس شخصية أبنائهم بقدر ما يتنبهون إلى كيفية التعاطي الصحيح معهم ويتحلون بالوعي الأكبر بأنّ كلّ سلوك أو تصرف أو خطوة يقومون بها تجاه أحد أبنائهم هو سطر يخطونه في كتاب حياة هذا الابن وبالتالي لهم دور كبير في تحديد شخصية الابن عندما يكبر ومذا سيكون عليه. إذا أردت عزيزي القارئ أن يحب أبناؤك بعضهم بعضاً ويشكلون أسرة حقيقية يهتم أفرادها بعضهم ببعض يجب ألا تنمي لديهم روح المنافسة والتمييز من خلال المواقف التي تتخذها تجاه الفعل نفسه الذي قد يقوم به ولدان من أولادك وبالتالي يجب ألا تكون ردة فعلك مختلفة بين ابن وآخر.

من هنا يجب التنبه إلى أنّ خلافات الأهل مع شخص آخر يشبهه ابنهم لا يمكن لهذا الابن أن يكون الشخص المناسب لتصفية حسابهم مع الآخر من خلاله على حساب صحته النفسية. ففي حال اضطر الأهل في مكان ما إلى اتخاذ موقف فيه تمييز عليهم شرحه لابنهم والتأكيد له على أنّه مؤقت وبالتالي يجب أن يكون سببه قوياً والدافع له مقنعاً وعلى الأزواج لفت انتباه بعضهم البعض إلى أدائهم مع الأولاد خصوصاً إذا كان هذا الأداء الذي يحتوي على التمييز فاضحاً وإذا تعذر عليهم القيام بذلك يجب استشارة اختصاصي للحفاظ على سلامة ابنهم.

ارسال التعليق

Top