• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحب والعمل عدوان

يحيى جابر

الحب والعمل عدوان
هل الحُب والعمل عَدوّان لا يلتقيان؟ راقبوا سَيْر حياتكم وحياتنا، وكيف نَنهمكُ في أشغالنا اليومية، منذ الصباح حتى آخر قطرة من الليل، وننسى أنفسنا وقلوبنا، في زحمة هنا وعجقة هناك. نستسلم مع الوقت لشمس العمل التي تنشّفنا من ماء قلوبنا، فنتصحّر، ولا ننتبه إلا بعد فوات الأوان، أننا كنّا في حاجة إلى حُب يُنعشنا، حين نقع في إدمان العمل فتجف البئر الروحية في دواخلنا، لنكتشف أننا أصبحنا بلا ماء، فتخشّبت مشاعرنا، وتحولت قلوبنا إلى حديد وفولاذ، ونسينا أنّ القلب أغلى وأنفَس المعادن الثمينة النادرة.. القلب معدن من هواء وهوى. ولكن، من جهة أُخرى، هل الحب هو العدو الحقيقي للشغل ومشاغله، ويشغلنا عن أشغالنا؟ قد يخطفنا الحب بكامل إرادتنا، وننسى واجباتنا في الوظيفة، ونتلقّى توبيخات لسَهْونا عن عمل لم تُنجزه بسبب تخيّلاتنا العاطفية، ونتلقّى إنذارات على نومنا في العمل وإن كنّا ننظر بعيون مفتوحة، وهكذا يتم طردنا من العمل، أو نستقيل من الدنيا كلها ومشاغلها، ويقودنا أكثر من حب متهور إلى البطالة في العمل، والبطالة في العقل. ويتعطّل التفكير كساعة مُعطَّلة، وكل ثروتنا من الزمن نُبدّدها، نصرفها على الحب، ونستيقظ ذات صباح غادِر غدَّار، على حياة بلا رصيد، بعد كل نهاية لقصة حُب. الحب والعمل، لكل واحد منهما ساعة توقيت مختلفة، ولكل واحد منهما أيامه وساعاته ودقائقه وثوانيه المختلفة عن زمن الآخر. كم من لحظة حب تُنسينا عمراً بكامله قد مضى. ولا يعترف الحب طبعاً بالأعمار. وكم مِن مُدْمِن عمل لا ينتبه إلى حب أو شريك يثجاوره، ويُهمله ويتركه للمجهول، وحين يغادرهُ يكتشف أن إدمانه الشغل قضى على كل شرايين قلبه. كم من حالة طلاق وقعت بين زوجين بعد انشغال أحدهم أو إحداهنّ عن الآ×ر، سواء أكان في عمل خارج البيت، أم في عمل منزلي، كأنّ العمل هو القاتل السرّي للحب، قاتل نصنعه بأيدينا، ويُطلق علينا رصاصاته الكاتمة يوماً بعد يوم. وكم مِن حُب شغلنا بمشاغله المتعبة، من هموم الغيرة العمياء مثلاً. وهنا يتعطّل الشَّغف، ويُصبح التملُّك للحبيب مهنة، ويحاول قدر المستطاع إرضاء الشريك وطمأنته وإعطاءه كل الوقت. الغيرة في بيت الحب تجعل من الحب نفسه قاتلاً للعمل والمال، وحتى الأحلام تَفقدُ بريقها يوماً بعد يوم. الحب عدوّ العمل ويصرعه. كيف نُوَفّق بين الحب والعمل؟ تلك بطولة لإبطال، وشجاعة الشجعان.. هل تقدرون؟

ارسال التعليق

Top