• ٢١ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الدعوة إلى الخير

علي حسن غلوم

الدعوة إلى الخير

◄يقول الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 104).

تُخاطب هذه الآية الواقع الإسلامي كلّه، ومَن هم في واقع الدعوة إلى الخير، بحيث تطلق جماعة من هذه الأُمّة ممّن يملكون الوعي والثقافة والمعرفة والشجاعة والإرادة الصلبة، ليقوموا بمهمّة الدعوة إلى الخير. والخير كلمةٌ تتسع لكلِّ ما أحبَّه الله ورضي به، ولكلِّ ما يرفع مستوى الإنسان في دنياه وآخرته، ولكلِّ ما يُمثِّل القيم الروحية والأخلاقية، هذا الخير لابدّ من أن تحمل الأُمّة مسؤولية الدعوة إليه، وأن تنطلق كلّ الأُمّة بملايينها لتدعو العالم كلّه إلى الخير. والدعوة إلى الإسلام تختصر الخير كلّه، لأنّ الإسلام في عقائده ومفاهيمه وتشريعاته يُمثِّل الخير الذي يُؤصِّل للإنسان إنسانيته، ويرفع مستواه، وربما يحتاج إلى أقلِّ من الأُمّة، بحسب الحاجة.

والدعوة إلى الخير مسؤولية أساسية في الإسلام تطال كلّ مسلم، ذكراً كان أو أنثى، ولا يكفي في الإنسان المسلم الالتزام بإسلامه في مسؤوليته الخاصّة بالنسبة إلى نفسه، بل لابدّ أن يحمل الإسلام كمسؤولية من مسؤولياته العامّة، بأن يدعو غيره إلى الإسلام.

وقد انتشر الإسلام بهذه الطريقة، فعندما بعث الله رسوله بالإسلام، كان يأتيه الرجل أو الرجلان، أو المرأة أو المرأتان ليدخلوا في الإسلام، ثمّ يأتون في اليوم الآخر وقد اصطحبوا معهم بعض الناس الذين أقنعوهم بالإسلام، فكان المسلم عندما يدخل بالإسلام، يشعر أنّ مسؤوليته هي إقناع الآخرين به، سواء كانوا من أقاربه أو من كلِّ معارفه، باعتبار أنّ الإسلام دين على الجميع تحمُّل مسؤولية الدعوة إليه، وليس مسألةً تكليفية فردية تخصّ الإنسان وحده؛ ولكنها مسؤوليةٌ تدفع الإنسان إلى أن يهدي غيره ليضم إلى المجتمع الإسلامي مسلمين جدداً.

 

-            مسؤولية الأمر والنهي:

وهناك دعوةٌ أخرى في داخل المجتمع الإسلامي، وهي الأمر بالمعروف، أي الأمرُ بكلِّ ما يحبّه الله ويرضاه من الأعمال التي فيها مصلحة للناس، بحيث ترفع مستواهم في كلِّ مواقع حياتهم، في القضايا الخاصّة والعامّة.. والمنكر هو كلُّ أمرٍ يبغضه الله، ويغضب على مَن فعله، مما يفسد للإنسان إنسانيته وحياته ويحطّ من موقعه في الحياة.

فالأُمّة مسؤولةٌ عن التحرُّك في داخل المجتمع، ولا سيما في المجتمع الإسلامي، فإذا رأت أحداً فعل منكراً، فإنّها تبادر إلى نهيه عنه، وهو أمرٌ يتسع للمسائل المتصلة بالسلوك الفردي أو السلوك الاجتماعي أو السلوك السياسي.. فنحن كمجتمع إسلامي أو كأُمّة إسلامية، نواجه الظلم في المجتمع، سواء كان ظلماً فردياً، كظلم الإنسان للإنسان الآخر، مثل ظلم الزوج لزوجته، أو العكس، أو ظلم الأولاد لآبائهم وأُمّهاتهم، أو ظلم الآباء والأُمّهات لأبنائهم... وهكذا، أو ظلماً عامّاً، كما في الناس الذين يظلمون غيرهم ويبغون في الأرض بغير الحقّ.

 

-            الحرّية في خط العدل:

وقد حَمَّل الله سبحانه وتعالى هذه المسؤولية للمؤمنين والمؤمنات معاً، لأنّه لابدّ من إيجاد جبهة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبل المؤمنين والمؤمنات، بحيث يتوزّعون الأدوار، ويتكاملون في مواضعهم من أجل الوقوف ضدَّ كلِّ منكر سياسي أو اقتصادي أو أمني أو اجتماعي، في داخل الواقع الإسلامي أو خارجه، وهذا هو قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) يتعاونون ويتناصرون ويُنسِّقون ويُخطِّطون (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة/ 71)، بحيث لا تنحصر المسؤوليات العامّة بالمؤمنين، بل إنّها تشمل المؤمنين والمؤمنات.

إنّ مسألة السياسة ليست كما يتصوّرها الناس مسألة تتحرك في خط اللعبة، كما يُعبِّر البعض باللعبة السياسية، أو اللعب على الحبال، فالسياسة ليست خداعاً وليست حيلةً في تأكيد السلبيات، وإنما هي تدبير أُمور الناس في خط العدالة وفي خط الحماية والرعاية والحرّية، وهذه من المسائل التي شَجَّع عليها الإسلام. ►

 

المصدر: كتاب بساتين الإيمان

ارسال التعليق

Top