يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات/ 13).
على ضوء هذه الآية الكريمة، يوحي الإسلام بأنّ الأُمّة المسلمة كيان واحد، فعلى أفرادها أن يعيشوا متحابين، فيركز النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا التوحيد الفكري في مشاعرهم قائلاً: «مثل المؤمنين كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». ومضى النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم ص) إلى أكثر من ذلك، فشرط في إيمان الفرد أن تشترك عواطفه ومشاعره واتجاهاته الباطنة في التوفر على مصلحة الغير وإيثاره فقال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لها». فعلى الفرد الإخلاص في التفكير والقول والعمل، حتى يوجه نشاطاته إلى الخير العام لا إلى المصالح الخاصة فيقول الحقّ للحقّ، ويصدق إيماناً بالصدق، ويتعاون مع الآخرين ثقة بالتعاون، حتى يعيش عضواً نابضاً، يتعاون معه الناس باطمئنان وارتياح. وهذا ما أرشد إليه القرآن الكريم قائلاً: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة/ 5). وهذا ما أكّد عليه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: «إنّما الأعمال بالنيات» و«كلّ امرىء ما نوى».
المساواة والمحبة والإخلاص، ركائز الأخلاق العامّة، التي يشيد الإسلام عليها الحياة الاجتماعية والتي تنبع منها بقية الأخلاق الفاضلة، كالوفاء، والكرم، والشجاعة، والعدل، والتواضع والعفو، والغيرة والصبر، والإحسان. لذلك ينبغي الحرص على الأخوة الإسلامية التي تمثل تأسيساً للجوّ العاطفي الذي ينبغي أن يحكم المسلمين تجاه بعضهم البعض، حتى يكون تلاقيهم على القاعدة الفكرية الواحدة والقيادة الواحدة والعاطفة الواحدة التي تشدّ كيانهم وتؤازره، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات/ 10)، حيث دعا إلى تثبيت مشاعر الأخوة بين المسلمين وإصلاحها كلما تعرضت لهزات داخلية، والحرص الدائم على التذكير بها، وينبغي أن تتحرك في الحاضر من خلال قواعدها المتينة المبنية على حبّ الله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) (آل عمران/ 103). أيضاً يجب التحذير من الاختلاف الذي يؤدي إلى التمزق والتخريب وهذا ما أشار إليه الله سبحانه وتعالى بقوله: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ* فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (المؤمنون/ 52-53)، (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران/ 105)، (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال/ 46).
وبذلك يمكن تحقيق الغاية الكبرى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء/ 92). فوحدة القرآن هي وحدة قائمة على المحبة والمودة والأخلاق والعدالة ولا يمكن لرابط كالدين أن يبعث على وحدة من هذا القبيل فالوحدة القائمة على الدين هي وحدة نابعة من القلب وهي ليست وحدة مصالح ووحدة إرغام بل هي وحدة نابعة من قلوب واعية مدركة داعية لله تعالى تبتغي رضاه. والإسلام حينما يدعو الناس إلى الوحدة فيما بينهم يراعي في ذلك الواقع الإنساني فيوفر له المساحة التي يتحرك بها بطاقاته وإبداعاته المتوازنة فهو بذلك يضمن عدم حدوث خلل في صميم الكيان الاجتماعي.
الصلاة.. م
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق