لا نحتاج إلى أي وصفة طبّية لنُحسّن مزاجنا ونقوّي مناعتنا، ونعزز قُدراتنا الذهنية، ونحسّن صحتنا العامة. فالعقار الكفيل بكل ذلك طبيعي مئة في المئة، ومجاني ومتوافر للجميع.
لم يَعُد أحد منّا يجهل فوائد الرياضة في ما يعني الوقاية من أمراض خطيرة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري. كذلك، لا يمكننا إلا أن نلاحظ النتائج الإيجابية التي تظهر في قامتنا ووزننا عند ممارسة الرياضة، فعضلاتنا تصبح مفتولة وقوية ومتناسقة، وتختفي الترهلات، وتزداد لياقتنا البدنية. غير أنّ البحاثة يؤكدون أنّ للرياضة فوائد كثيرة أخرى قد لا تكون واضحة ومحسوسة تماماً، مثلما هي الحال بالنسبة إلى العضلات. فممارسة الرياضة بانتظام تُحسّن جوانب كثيرة من صحتنا النفسية والجسدية بدءاً من مزاجنا العام، وانتهاءً بقدرتنا على التذكر. وأبرز هذه الفوائد الإضافية للرياضة هي:
1- تقوية المناعة وخفض عدد أيام المرض السنوية:
جاء في دراسة نشرتها مجلة الطب الأميركية، أن ممارسة الرياضة لمدة نصف ساعة في اليوم، تخفض عدد الإصابات بالرشح إلى النصف سنوياً. ويعود السبب في ذلك، إلى أنّ الرياضة تزيد من عدد خلايا الدم البيضاء التي تدور في الأوعية الدموية، وهي خلايا تتولى مهمة القضاء على الأجسام الغازية التي تسبب الأمراض. فضلاً عن ذلك، فإنّ النشاط البدني يخفض مستويات هُرمون الـ"أستروجين" في أجسام النساء، وهو ما يفسّر تراجع خطر الإصابة بسرطان الثدي لدى النساء، اللواتي يمارسن الرياضة بانتظام بنسبة 30 في المئة، مقارنة بالأخريات اللواتي لا يفعلن ذلك. وينصح الخبراء كل مَن لا يتمكن من تخصيص ساعة أو نصف ساعة كاملة لممارسة الرياضة يومياً، بتقسيم هذه المدة إلى فترات عديدة صغيرة. يمكن مثلاً أن نمارس المشي السريع لمدة عشر دقائق، بمعدل 3 أو 4 مرات، مُوَزّعَة على ساعات النهار.
2- تحسين نوعية النوم:
يؤكد البروفيسور مارك ستيبيتش، مستشار الأبحاث الصحية في "جامعة كولومبيا" الأميركية، أن زيادة عدد الوحدات الحرارية التي نحرقها في النهار عن طريق الأنشطة البدنية، تساعدنا على النوم بشكل أعمَق ليلاً. فأنظمة الجسم المختلفة، تتوقف عن العمل بشكل أسرع، إذا كنّا قد مارسنا الرياضة نهاراً، لأنّها تحتاج إلى النوم لإعادة التزوّد بالطاقة، ولترميم الأضرار التي تلحق بالعضلات بفعل الرياضة. وتجدر الإشارة إلى أن عمليات الترميم هذه، هي التي تقوي العضلات. ويوصي المتخصصون في اللياقة البدنية، الناس بممارسة الرياضة بعد انتهاء دوام العمل (شرط ألا يكون ذلك في وقت متأخر مساءً). فممارسة تمارين الـ"آيروبيكس" وتمارين رفع الأوزان في فترة بعد الظهر، تساعد على خفض درجة حرارة الجسم بعد مرور 6 ساعات على التوقف عن الرياضة. وهو الانخفاض الذي يعتقد الكثير من الخبراء، أنّه يساعد على النوم. فضلاً عن ذلك، فإنّ التوجه إلى النادي الرياضي أو ممارسة المشي السريع في الهواء الطلق بعد العمل، يساعد على التخفيف من توترات العمل، ويمهّد لنا الطريق لتمضية أمسية مُريحة وهادئة.
3- تقوية العلاقات الاجتماعية:
يساعدنا الالتحاق بصفوف الرياضة، أو النوادي الرياضية على التواصل مع أشخاص، يميلون إلى التمتع بتوجّهاتنا الفكرية والنفسية نفسها. ويقول البروفيسور تيموثي تشيرش، الباحث الأميركي في "مركز بيننغتون للدراسات البيوكيميائية" في لويزيانا، إنّ الدراسات التي أجراها في هذا الموضوع، أظهرت أنّ النساء اللواتي يشتركن في الدراسات، غالباً ما يبقين في البرامج الرياضية حتى بعد انتهاء الدراسة، وذلك لأنهنّ يُقمن صداقات مع الأشخاص الذين يقابلنهم في البرنامج. وقد لاحظت الأندية الرياضية هذه الظاهرة، فأصبح العديد منها يُنظّم برامج خاصة بالتمارين والرياضات الجماعية، عوضاً عن البرامج الفردية.
4- رفع الأوزان يقوي العضلات ويُزيل ترهّلات الجسم:
ممارسة التمارين التي تتطلب رفع أثقال، أو تحمل وزن الجسم تساعد على تقوية العضلات، وإكسابها شكلاً متناسقاً ولائقاً، ما يُعزز ثقة الفرد بنفسه. وكان البحاثة الأميركيون في "جامعة ألاباما" الجنوبية، قد أجروا دراسة شملت عدداً كبيراً من النساء، طُلب منهنّ فيها تطبيق برنامج مدّته 12 أسبوعاً من تمارين تقوية العضلات. وبعد انتهاء الدراسة قالت المشاركات، إنّهنّ أصبحن يشعرن بشكل أفضل تجاه مظهرهنّ الخارجي، مقارنة بالأخريات اللواتي اكتفين بممارسة تمارين الـ"أيروبيكس". وينصح ستيبيتش بممارسة تمارين رفع الأوزان مرتين في الأسبوع على الأقل. ومن المفضل أن تشمل هذه التمارين معظم عضلات الجسم، بمعدل 8 أو 10 تمارين مختلفة يتم تنفيذ الواحد منها مرات عديدة من دون توقف، ثمّ يُعاد مرّة أو مرتين.
5- تنشيط الذاكرة:
من المعروف أن حجم الدماغ ينكمش مع التقدم في السن، ما يؤدي إلى إضعاف الذاكرة. غير أنّ العلماء في "جامعة إلينوي" الأميركية، وجدوا أن ممارسة الرياضة تزيد من حجم الـ"هيبوكامبوس"، وهي المنطقة الدماغية المسؤولة عن تصنيف وتخزين المعلومات الجديدة. ويقول الدكتور جو فيرغيز، الباحث الأميركي في كلية ألبرت آينشتاين، للطب إنّ القيام بنشاط بدني يتمكن في الوقت نفسه من أن يشغلنا جسدياً وذهنياً واجتماعياً يساعد في الحفاظ على صحة الدماغ. يضيف، إنّ الرقص يؤدي هذه المهمات جميعها في الوقت نفسه، وهو يعتبره نشاطاً مثالياً لتنشيط الذاكرة والحفاظ على التيقّظ.
6- تحسين المواج ورفع المعنويات:
كل مَن يمارس الرياضة، يلاحظ تحسناً في مزاجه العام بعد الانتهاء من التمارين الرياضية. وقد اكتشف البحاثة الألمان، أنّه بعد ساعة أو ساعتين من الركض، تشهد أجسام العدائين ارتفاعاً كبيراً في مستويات الـ"أندروفينات" (الهرمونات التي تحسن المزاج) في المناطق الدماغية المرتبطة بإحساس بالفرح. وتُبيّن أيضاً أن هذا الإحساس بالحُبور، يستمر لفترة طويلة بعد التوقف عن ممارسة النشاط البدني. وأظهرت الأبحاث، أن ممارسة الرياضة 3 مرات في الأسبوع، هي بفاعلية تناول الأدوية الشائعة نفسها، التي يصفها الأطباء في حالات الاكتئاب الخفيف والمتوسط. ومن المفيد هنا، أن نحاول إطالة مدة ممارستنا الرياضية كلما أمكن، مثل إطالة ركوبنا الدراجة أو الهرولة في عطلة نهاية الأسبوع، لتصل إلى ساعة أو أكثر. فسرعة إنتاج الـ"أندورفينات"، تختلف باختلاف الأشخاص، لكن معظم الأبحاث المتعلقة بتأثير الرياضة في المزاج، تمّت على أنشطة رياضية دامت ساعة على الأقل.
7- تخفيف التوتر والضغط النفسي:
عندما نشعر بالقلق تتزايد سرعة نبضات القلب وحركة التنفس، كما تزداد عملية التعرض، وهي المظاهر الفيزيولوجية نفسها، التي تظهر عند ممارسة الرياضة. لذلك، فإننا إذا مارسنا الرياضة بانتظام، فإنّ الجسم سيبدأ بالربط بين هذه المظاهر وأمر إيجابي (مثل جولة على متن الدراجة الهوائية، أو هرولة في المتنزه)، وتتراجع درجة توتره تجاهها. ويقول خبراء اللياقة البدنية، إنّ أفضل طريقة للحصول على أكبر قدر من فوائد الرياضية في تخفيف التوتر، هي اعتماد طريقة التواتر في قوة الجهد البدني المبذول. فيقولون إنّ علينا أن نبدأ بتمارين خفيفة لتدفئة الجسم، ثمّ نعمل شيئاً فشيئاً على زيادة قوة أو سرعة التمارين التي نقوم بها لمدة دقيقة، ثمّ نعود ونخفف سرعتها وقوتها لمدة دقيقة، وهكذا دواليك حتى تنتهي فترة التمرين.
من جهة ثانية، أظهرت دراسة أجراها البحاثة الأميركيون في "جامعة هارفرد"، أن حجم المادة الرمادية في أدمغة البالغين، الذين يمارسون رياضة "اليوغا" لمدة 27 دقيقة في اليوم، لمدة 8 أسابيع، يزداد بشكل ملحوظ، خاصة في أجزاء الدماغ التي تساعد على التعامل مع التوتر والانفعالات. وتعلّق البروفيسورة سارة لازار، المشرفة على الدراسة، فتقول إنّ هذه التغيّرات تعكس ازدياداً في نشاط الدماغ، ما يُساعد على تفسير سبب استمرار الفوائد طوال النهار، وليس فقط أثناء أداء تمارين "اليوغا". وهي تنصح كل مَن لا يتمكن من المشاركة في جلسة "يوغا" كاملة، بأن يلجأ إلى إغلاق عينيه والتنفس بعُمق وببطء لدقائق عديدة، حتى يشعر بتراجع درجة التوتر لديه.
8- تسهيل التخلص من عادة التدخين الضارة:
تَبيّن للبحّاثة، في دراسة أجريت في "جامعة إيكستر" البريطانية، أن ممارسة الرياضة تخفف من شدة الرغبات الملحّة في تدخين سيجارة. ويقول البروفيسور أدريان تايلور، الذي أشرف على الدراسة، إنّ الفرد منّا مُبَرمَج بشكل يربط فيه بين النشاط البدني والمكافآت والمتعة، لأنّ الإنسان القديم كان مضطراً إلى بذل جُهد بدني، للحصول على الطعام. ويُسهم الإحساس بالرضا والحُبور، الذي ينتج عن ممارسة الرياضة في التخفيف من الرغبة في تدخين سيجارة، وحتى في تناول السكاكر، لأنّه يُعوّض عن الإحساس بالسعادة الذي نحصل عليه من النيكوتين والسكر.
9- التخلص من آلام الظهر:
قامت مجموعة من خبراء اللياقة البدنية الأميركيين في مركز للرعاية الصحية في سياتل، بدراسة شملت 100 شخص يُعانون آلاماً مزمنة في الظهر. وتم في هذه الدراسة، تقسيم المشاركين إلى 3 مجموعات، طُلب من المجموعة الأولى ممارسة "اليوغا" يومياً، بينما خضعت المجموعة الثانية لعلاج فيزيائي، وطُلب من المجموعة الثالثة مُتابعة برنامج من التمارين الرياضية. وبعد مرور 12 أسبوعاً، أحرز أفراد المجموعة الأولى أفضل النتائج، في ما يعني التخفيف من ألم الظهر. وتُعلق متخصصة "اليوغا" الأميركية أليسون تروهيلا، التي شاركت في الدراسة، وأسهمت في أبحاث عيادية في "جامعة يورك" البريطانية، حول دور "اليوغا" في التخفيف من آلام الظهر، بأنّ "اليوغا" تقي التشنّجات والألم في الظهر، كما أنها تزيد في انتباهنا إلى الوضعيّات الجسدية التي نتخذها، ما يزيد من إمكانية جلوسنا ووقوفنا بطرق سليمة، لا تُعرّض ظهورنا للضغوط والاجهاد.
10- تعزيز القُدرات الذهنية:
تُسهم ممارسة الرياضة في ضخ المزيد من الدم إلى الدماغ، ما يُعزز قدرتنا على التركيز. وتقول البروفيسورة سيان بيلوك من "جامعة شيكاغو"، إنّ حصة واحدة من التمارين الرياضية التي تجعلنا نتعرّق، تؤدي إلى نتائج إيجابية فورية على مستوى التركيز والتيقّظ. وكانت الأبحاث التي قامت بها سيان، قد أظهرت أنّ الطلاب الذين كانوا يمارسون المشي السريع أو الهرولة لمدة نصف ساعة، قبل الخضوع لاختبارات في الذاكرة والقدرة على الاستنتاج، وخاصة القدرة على التركيز في ظروف محيطة مشتتة للانتباه، مثلما هي الحال في مراكز العمل، أحرزوا نتائج أفضل من تلك التي أحرزها الآخرون، الذين لم يبذلوا أي نشاط بدني. وتنصح الباحثة الأميركية البروفيسورة روث تايلور، بتبنّي الرياضات الشرقية مثل الـ"تاي تشي". فقد أظهرت التجارب، أنّ الأشخاص الذين يمارسون هذه الرياضات، يُحرزون نتائج أفضل في اختبارات الانتباه، مُقارنة بالآخرين الذين يكتفون بتمارين الـ"أيروبيكس"، وتمارين رفع الأوزان. وتُعلّق قائلة، إنّ رياضة الـ"تاي تشي" تتطلب منّا تذكّر تواتر مُعقّد ومُترابط من الحركات، ما يتطلب الكثير من التركيز، من هنا يأتي تأثير ممارسة هذه الرياضة في تعزيز القُدرات الذهنية.
ارسال التعليق