• ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصلاة.. ثروة خُلقية

الصلاة.. ثروة خُلقية
◄منكنونات الصلاة كالآتي:

1-  تحديد معنى كلمة "الصلاة":

في اللغة، كلمة الصلاة تعني: "الدعاء بالخير والبركة والتزكية". ويؤيد القرآن الكريم هذا المعنى بالآيتين:

(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة/ 103).

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب/ 56).

وفي الفقه، تعني كلمة الصلاة: العبادة الإسلامية الواجبة التي أمر بها الله تعالى، وحدّد صيغتها وشروطها رسوله (ص).

(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (النور/ 56).

 

2-     الصلاة في الرسالات السماوية:

يقول الله تعالى:

(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء/ 73).

فالصلاة فريضة رافقت رسالات الأنبياء، فدعوا إلى أدائها، والالتزام بأوقتها وشروطها، والتي قد تختلف شكلاً ومضموناً من زمن إلى زمن، ومن نبي إلى آخر، ولكنّها في كلّ الحالات: وقفة بين يدي الله، يستشعر فيها الإنسان رحمة ربّه وعطفه ورضوانه.

-         فالنبي إبراهيم (ع) كان يحرص على أداء الصلاة، فيناجي ربّه: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) (إبراهيم/ 40).

-         والله تعالى أوحى لموسى (ع) وأخيه هارون (ع) وقومهما بإقامة الصلاة: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس/ 87).

-         والنبي عيسى (ع) يقدم نفسه للناس بالقول: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) (مريم/ 30-31).

والنبيّ محمّد (ص) يشدد على أهمية الصلاة فيقول: "الصلاة عمود الدِّين، إن قُبلت قُبِل ما سواها، وإن رُدّت رُدَّ ما سواها".

"ما بين الكفر والإيمان إلّا ترك الصلاة".

 

3-  من أهداف الصلاة:

 

وقد يُطرح السؤال:

لماذا التركيز على أداء الصلاة في رسالات الأنبياء، ورسالة الإسلام خاصة؟... وما الحكمة من ذلك؟...

والجواب: إنّ المؤمن الذي التزم الإسلام بقناعة ووعي، لا يطرح مثل هذا السؤال على نفسه، لأنّه يؤمن بأن ربّه عليم وحكيم ورحيم، لا يُكلّف عباده بأمور عبثية لا فائدة منها، لذا فحين يقول الله تعالى: (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النساء/ 103).

نجده يبادر إلى إقامتها امتثالاً لأمر الله، الذي فيه المصلحة والخير للفرد والمجتمع، والإنسان، بحكم أفقه الضيق وعلمه المحدود، لا يستطيع معرفة كلّ الحِكم من العبادات، بل قد يستنتج بعض أسرارها من خلال النصوص الدينية، والآثار الإيجابية التي يعيشها المصلي وغيرها.

من هذه الحكم والأسرار والفوائد نذكر:

أ) إيحاءات الصلاة:

1- الروحية: إنّ الصلاة بكلماتها وقيامها وركوعها وقنوتها وسجودها... تدفع الإنسان إلى الإحساس بهجرة روحية إلى ربّه، فيناجيه كما لو كان قريباً منه، ويحمده ويتضرع إليه وهو يشعر بعطفه ومحبته، معلناً عن تصاغره وحاجته وعبوديته المطلقة له.. إنّه يردد في كلّ صلاة:

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة/ 2-4).

إنّه يعظّم الله ويسبّحه في قيامه وركوعه وسجوده:

"سبحان ربي العظيم وبحمده... سبحان ربي الأعلى وبحمده... الله أكبر".

2- العقائدية: والصلاة بتعابيرها الموحية، ترمز إلى الأصول العقيدية التي تبني الإطار الفكري لشخصية المؤمن، فتؤكد على:

-         الإيمان بالله الواحد الذي لا شريك له ولا مثيل:

"أشهد أن لا إله إلا الله...".

"سبحان الله، والحمد، ولا إله إلا الله، والله أكبر".

-         الإيمان بنبوة النبيّ محمّد (ص) وعبوديته لله:

"وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله".

-         الإيمان بالنبيّ (ص) وآل بيته الأطهار (عليهم السلام):

"اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد".

-         تذكّر اليوم الآخر، يوم المسؤولية والحساب، فالله هو "مالك يوم الدين"، يوم القيامة حيث يُجازي الإنسان على أعماله.

3- السلوكية: ثمّ توحي لنا الصلاة بصياغة نظام حياتنا وفق "الصراط المستقيم" الذي رسمه الله تعالى في القرآن والسنّة، والذي التزم به المؤمنون الصالحون، وابتعد عنه الكافرون والضالون:

(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة/ 6-7).

ب) تزكية النفس:

ورد في الحديث أنّ رسول الله (ص) قال لبعض أصحابه: أيسرّ أحدكم أن يكون على باب داره حمّة، يغتسل منها كلّ يوم خمس مرات، فلا يبقى من درنه شيء؟...

قالوا: نعم... يا رسول الله.

قال (ص): إنّها الصلوات الخمس.

فالإنسان في معترك الحياة، قد تنتابه حالات من الضعف، يستسلم فيها لبعض رغباته، فيغفل، ويتجاوز حدود ربّه، فيسيء إلى نفسه وإلى الناس... وحتى لا يسترسل في طغيانه وانحرافه، تأتي الصلاة لتكون المحطة اليومية التي يقف فيها بين يدي الله، فيتذكّر ذنبه، ويندم، ويستغفر، ويعلن رغبته الصادقة بالعودة إلى رحاب الله.. وهو أصفى وأطهر عقيدة وسلوكاً، وأشد إقبالاً وعزيمة على ارتياد سبل الخير والصلاح: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران/ 135).

ج) الصلاة ثروة خلقية واجتماعية:

والصلاة لا يقف دورها التربوي في حدود دائرة المصلي الفردية، بل يتعداها إلى ساحة الحياة العامة، لتكون هذه على الصيغة التي أرادها الله تعالى.

فالصلاة ثروة روحية وخلقية واجتماعية... تثير في النفس كلّ معاني الحبّ والخير والإيثار والتعاون والصلاح والإصلاح... فقد جاء ذكر الصلاة في القرآن مقروناً بمفردات الأخلاق والقيم، مثل:

-         القول الحسن: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) (البقرة/ 83).

-         العدل وكف الأذى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) (النساء/ 77).

-         فعل الخيرات: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء/ 73).

-         النهي عن الفحشاء والمنكر: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت/ 45).

بالإضافة إلى ذلك شجّع الإسلام على صلاة الجماعة، وبالأخص الجمعة، لما تحمل من معاني الوحدة في الهدف والمشاعر، وما تساهم في زيادة تماسك المؤمنين وشعورهم بقوتهم تّجاه كلّ ما يهدد كيانهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة/ 9).

د) الصلاة والصحة:

إنّ بعض الدراسات الطبية أثبتت أهمية حركات الصلاة في تنمية البدن ووقايته من الأمراض، فمن فوائدها:

-         وقاية الجسم من الأمراض من خلال شرط الطهارة في الجسم واللباس.

-         تنشيط جميع عضلات ومفاصل الجسم، من خلال حركات الركوع والقيام والسجود.

-         الهدوء النفسي الذي تثيره الصلاة، مما ينعكس إيجاباً على صحة البدن، فالأطباء يعتبرون أنّ التوتر والقلق هما من أسباب انتشار أمراض القلب والمعدة والكبد والأعصاب..

 

4-     من شروط الصلاة الصحيحة والمقبولة:

وحتى نحصل على رضا الله في أداء الصلاة، ونحقق إيجابياتها على صعيد الجسم والنفس والمجتمع... وضع الإسلام لها مقدمات وشروطاً لصحتها وقبولها، نذكر منها:

أ) الوقت: حدد القرآن أوقاتاً محددة للصلاة لا يجوز تجاوزها: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (الإسراء/ 78).

ب) الطهارة: وتعني طهارة البدن واللباس وموضع السجود.

ج) الوضوء: بالماء المطلق، أو التيمم إذا تعذّر عليه الوضوء، وكيفية الوضوء تحدده الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة/ 6).

د) القبلة: وهي موضع التوجه في الصلاة، والكعبة الشريفة في مكة المكرمة هي قبلة كلّ المسلمين في أقطار العالم، وهذا ما يثير فيهم وحدة العقيدة والهدف: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (البقرة/ 150).

هـ) الإباحة: ويُقصد بها: "تحقيق جواز التصرف بكلّ ما يلزم المصلي لأداء الصلاة"، وبتفصيل أوضح:

-         يبطل الوضوء في الماء المغصوب، أو الإناء المغصوب الذي يحتويه.

-         وتبطل الصلاة في الثوب المغصوب أو على الأرض المغصوبة، فبالإباحة يقف الإنسان بين يدي ربه وهو في تمام الطهارة والنقاء والالتزام بحدود الله، فلا ظلم ولا غصب، ولا تعدٍّ على حقوق الآخرين.

 

5-     أهمية الوعي والاطمئنان:

يقول الله تعالى: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون/ 2).

فالصلاة لا تؤدي أغراضها إذا كان المصلي حاضراً بجسده وغائباً بروحه ووعيه، فلابدّ من حضور نفسي حقيقي يعرف فيه قيمة الموقف، وعظمة المعبود، ليتحقق انفعال النفس بالألفاظ والحركات العبادية، فإذا ركع أو سجد عاش معنى الخضوع والخشوع لله تعالى، وإذا رفع يديه بالدعاء شعر بالمحبة والرحمة والرجاء.

فالإنسان في صلاته قد تتنازعه أفكار دنيوية عديدة، فعليه أن يطردها من ذهنه، ليستحضر مكانها عظمة الله ولذة مناجاته، حيث تستريح النفس المثقلة، فتتنفس عبير القرب من الله، والراحة في جنبه. ولقد صدق رسول الله (ص) وهو يقول لبلال الحبشي: "أرحنا يا بلال".

وقال أيضاً:

"مَن صلّى ركعتين لم يحدّث فيها نفسه بشيء من الدنيا، غُفر له ما تقدم من ذنبه".

ورُوي عنه (ص): أنّه كان جالساً في المسجد، فدخل رجل، فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده، فقال (ص): "نقرٌ كنقر الغراب، لئن مات هذا... وهكذا صلاته، ليموتن على غير ديني".

فالطمأنينة تضعنا في طريق الاستفادة من أهداف الصلاة، والتوجه يساعدنا على استحضار نتائجها العظيمة.►

 

المصدر: كتاب الإسلام رسالتنا

ارسال التعليق

Top