«الميسيو ماربين» فيلسوف ألماني أظهر إعجابه الشديد بثورة الإمام الحسين (ع) ونهضته وكتب في ذلك كتاب (السياسة الإسلامية) وقد ترجم إلى اللغة الفارسية والعربية والأردية ونال كتابه تقدير المسلمين كافة ويدل كتابه على تعمق في التاريخ والدقة في ذكر الروايات، وانَّه كاتب مُنصف ويذكر الدين الإسلامي دون تحيز، بل يبدي حبه وعطفه على العالم الإسلامي، وينتقد أفعال الأمويين ونحن نقتطف هنا أيضاً موجزاً من أقواله في الحسين (ع) يقول: قبل الحسين قُتل كثير من زعماء العالم ظلماً وعدواناً، وكذلك قتل الكثير من أصحاب الديانات ورؤساء المذاهب، كما وقع في بني إسرائيل وقصة يحيى بن زكريا من أعظم الحوادث التاريخية. ومعاملة اليهود مع المسيح لم يُر نظيرها إلى ذلك العهد. ولكن واقعة الحسين فاقت الجميع. لم يدلنا التاريخ على أحد من قادة الشعوب ورؤساء الأديان انَّه أقدم على القتل وطلب الموت لبلوغ أهداف عظيمة ومقاصد عالية لا تنجح إلّا بقتله. فإنّ كلّ واحد من أرباب الديانات الذين قُتلوا ثار عليهم أعداؤهم وقتلوهم ظلماً، وبمقدار مظلوميتهم قامت الثورة بعدهم. وأهداف الحسين ومقاصده كانت عن علم وحكمة وسياسة وليس لها نظير في التاريخ، فإنَّه لم يزل يسعى إلى القتل والشهادة لتحقيق ذلك المقصد العالي، ولم نجد في التاريخ رجلاً ضحى بحياته عالماً عامداً لترويج ديانته من بعده إلّا الحسين. المصائب التي تحملها ثورة الحسين (ع) في طريق إحياء دين جده تفوق كثيراً على مصائب أرباب الديانات السابقين، ولم ترد على أحد منهم. صحيح إنّ هناكَ رجالاً قُتلوا في طريق إحياء الدين ولكنهم لم يكونوا كالحسين، فإنَّه ضحى بنفسه العزيزة في طريق إحياء دين جده وفداه بأولاده، وأخوانه، وأقربائه، وأحبابه، وأمواله، وعياله ولم تقع هذه المصائب دفعة واحدة حتى تكون في حكم مصيبة واحدة بل وقعت متتالية الواحدة بعد الأخرى، ويختص الحسين دون غيره بتواتر أمثال هذه المصائب كما يشهد له التاريخ. وقال: ولما كان الحسين يعلم أنّ بني أمية لا يرحمون له صغيراً رفع طفله الصغير أمام القوم وقال اسقوه ماءً، ما ذنب هذا الطفل الرضيع؟ فلم يجيبوه إلّا بالسَهَم الذي أصاب الطفل من الوريد إلى الوريد وأصبح يرفرف كالطير المذبوح بين يدي أبيه، وفتح يديه وابتسم في وجه أبيه ابتسامة الوداع، فرجع الحسين (ع) إلى الخيام فقالت له إحدى نساء الرسول هل جئت له بالماء؟ قال خذيه مذبوحاً، ثم حفر حُفرة ودفنه فيها. ولا يظن أحد أن يزيد كان مُجبراً على تلك الأعمال الفجيعة لأجل الدفاع عن نفسه، لأنّ قتل الطفل الرضيع في ذلك اليوم بتلك الكيفية ليس إلّا توحش وعداوة سبعية منافية لقواعد كلّ دين وشريعة. ويمكن أن تكون هذه الفاجعة كافية في فضح بني أمية وكشف المخبوء عن نواياهم الفاسدة بين الأمم والشعوب في العالم لاسيما المسلمين وانَّهم يخالفون خط الإسلام في حركاتهم بل يسعون بعصبية جاهلية إلى القضاء على آل محمد ودفن آثارهم، ومحو ذكرهم. ولأنّ أهداف الحسين كانت عالية وكان بعيد النظر إضافة إلى وفور علمه وسياسته وانَّه مع ذلك النفوذ والاقتدار الذي كان له في ذلك العصر لم يسعَ في تسخير البلاد الإسلامية وضمها إليه ولا هاجم ولاية من الولايات إلى أن حاصروه في وادٍ غير ذي زرع قبل أن تبدو منه أقل حركة عدائية. لم يقل الحسين يوماً: سأكون ملكاً أو سلطاناً، أو صاحب رئاسة نعم كان يبث روح الثورة في المسلمين بنشره فضائح بني أمية واضمحلال الدين إن دام ذلك الحال، وكان يخبر بقتله ومظلوميته وهو مسرور، ولما حوصر في تلك الأرض القفراء أظهر لهم من باب إتمام الحجة بأنَّهم لو تركوه لوصل بعياله وأطفاله وخرج من سلطة يزيد ولقد كان لهذا الإظهار والدال على سلامة نفس الحسين (ع) تأثيراً قوياً في النفوس. قال الأستاذ محمد عبدالباقي سرور، وهو من علماء الأزهر وله كتاب «الثائر الأول في الإسلام» في الصفحة 79. «فلو بايع الحسين يزيداً الفاسق المستهتر والذي أباح الخمر والزنا وحط بكرامة الخلافة إلى مجالسة الغانيات وعقد حلقات الشراب في مجلس الحكم. والذي ألبس الكلاب والقرود جلاجل الذهب ومتات الألوف من المسلمين صرعى الجوع والحرمان، لو بايع الحسين يزيداً أن يكون خليفة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- على هذا الوضع لكانت بمثابة فتوى من الحسين بإباحة هذا للمسلمين. وكان سكوته على هذا أيضاً رِضى، والرضى عن إرتكاب الموبقات ولو بالسكوت إثم وجريمة في الشريعة الإسلامية.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق