إنّ القلب حين يعمر بالإيمان يتصل دائماً بالله، فيطمئن الإنسان فيه إلى قدر الله ويشعر برحمته، ويرضى بابتلائه ويتطلّع دائماً إلى فرجه. فإذا رُزق بالخير علم أنّ هذا الخير من الله، وأنّه إذا أنفق فإنّما ينفق ممّا رزقه الله وإنّه مجزي على ما انفق في سبيل الله معوَّض عنه في الدُّنيا والآخرة. فالإيمان كسب في الدُّنيا يتحقّق قبل جزاء الآخرة، يتحقّق بالراحة والطمأنينة والثبات والاستقرار طوال رحلة الحياة الدُّنيا. (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) (المعارج/ 19-23).
والصلاة فوق أنّها ركنُ الإسلام وعلامة الإيمان هي وسيلة الاتصال بالله ومظهر العبودية الخالصة التي يتّجه فيها العبد لله سبحانه وتعالى. وهي صلاة لا يقطعها الترك والإهمال والكسل هي صلة بالله غير منقطعة. وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا عمل شيئاً من العبادة اثبته أي داوم عليه وكان يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «وإنّ أحبّ الأعمال إلى الله تعالى ما دام وإن قل». فليست الصلاة لعبة توصل أو تقطع حسب المزاج. قال تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (المعارج/ 24-25). هؤلاء المؤمنون الذين يداومون على صلواتهم ويطمئنون فيها. يعلمون أنّ الله سبحانه وتعالى حقّاً معلوماً قدره الله سبحانه وتعالى إنّهم يجعلون في أموالهم نصيباً معلوماً يشعرون أنّه حقّ للسائل والمحروم. والسائل هو الذي يسأل، والمحروم هو الذي لا يسأل ولا يعبّر عن حاجته فيحرم وهو الذي نزلت به النوازل فحرم الخير الذي كان عنده وعف عن السؤال.
كما إنّ الإنسان العادي خُلق هلوعاً، جزوعاً عندما يمسه الشرّ، يتألم للذعته، ويجزع لوقعه، ويحسب أنّ الشر دائمٌ لا كاشف له، فلا يتصوّر إنّ هناك فرجاً ولا يتوقع من الله تغييراً. ومن ثمّ يأكله الجزع ويمزِّقه الهلع لأنّه يشعر أنّه لا يأوي إلى ركن ركين يشدُّ من عزمه ويعلّق به رجاءه وأمله. وإذا أصابه الخير من مال وجاه وسلطان يمنع هذا الخير عن الناس. يحسب أنّ هذا الخير من كدّه وكسبه، فيحتجز هذا الخير لنفسه ويصبح مع الأيّام أسير ما ملك. فهو هلوعٌ في الحالتين: هلوعٌ في الشرّ، هلوعٌ في الخير خوفاً من أن يفقده.. هذه هي صورة الإنسان الذي يخلو قلبه من الإيمان. إنّ الإيمان مسألةٌ ضخمة في حياة الإنسان لا كلمة تُقال باللسان ولا شعائر تعبِّدية تُقام.
لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - وهو مَن هو عند الله، وهو يعرف أنّ الله قد اصطفاه ورعاه - دائم الشُّكر لله دائم الخوف من عذاب الله. كان على يقين إنّ عمله لا يعصمه ولا يدخله الجنّة إلّا بفضل من الله ورحمة منه. قال (صلى الله عليه وآله وسلم) مرّة لأصحابه: «لن يدخل الجنّة أحداً عمله»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلّا أن يتغمَّدني الله برحمته».
إذن الصلاة باب من أبواب التواصل مع ربّ العباد وعمل يوصل إلى الجنّة، فالصلاة هي التي تبثّ في روح الإنسان دواعي الإيثار والصفح والتوكلّ والتعبّد، باعتبارها السند الحتمي للواجبات الخطيرة والمهام الخطيرة والصعبة، كالجهاد والنهي عن المنكر والزكاة، وتدفعه لتقحّم تلك الميادين بكلّ بسالة. وإنّ الحاجة إلى الارتباط المعنوي بالربّ الرحيم والكريم، بالنسبة إلى جميع بني الإنسان من هذه الجهة اليوم، أكثر أهميّة وجدّية من أي وقت مضى؛ وتبرز الصلاة هنا كأفضل أداة وأجداها لتأمين هذه الحاجة. البشرية اليوم أكثر حاجةً من أي وقت مضى إلى الصلاة الخالصة والكاملة.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق