• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصوم.. مدرسة للمحبّة والتآزر والألفة

عمار كاظم

الصوم.. مدرسة للمحبّة والتآزر والألفة

إنّ لشهر رمضان المبارك ارتباطاً وثيقاً بحياة الفرد والمجتمع المسلم، فهو الذي يعطيه الحيوية البالغة في بناء شخصيته، ويحفظها من الضياع والتلاشي في متاهات الشهوة والغريزة بشتّى أنواعها، فمن فيوضات هذا الشهر المبارك أنّه يثري الإنسان بأساليب وسُبل عبادية خالصة تجعله قريباً من الله تعالى، كما أنّها وسيلة لتهذيب النفس، وواسطة في كبح جماحها ومسك عنانها، وإنقاذها من الانقياد وراء صيحات الشيطان وإغراءاته وأهدافه. فكما أنّ الصوم في هذا الشهر الفضيل يقوي هذه الرابطة الإيمانية بين العبد وربّه، فيحس الفرد المسلم بأنّه قريب من الله تعالى، روحاً وجسداً وفكراً وعقلاً، فإنّ الصوم يعتبر إحدى الروابط المهمّة في حياة المجتمع الإسلامي، ووسيلة لإيضاح انتماء الفرد المسلم إلى بيضة الإسلام وإلى بلده وموطنه المسلم، وأنّه جزء من مجتمع إسلامي كبير يشعره بهذا الانتماء الحقيقي الرصين، وبالتالي يسهم في الحفاظ على هويته الإسلامية العريقة وإن عاش في بلاد الغربة والاغتراب، زيادة على ذلك فالصوم لا يخلو من أثر تربوي في حياة الفرد كفرد وحياته كفرد داخل المجتمع المسلم، فهو من أهم وسائل الاتصال الروحي التي تجعل من الفرد يعيش في جوٍّ إيمانيٍّ صادرٍ من جماعة تنتمي بوجودها إلى الله تعالى وتؤمن به.

وعلى هذا الأساس اعتنى المسلمون بهذا الشهر العظيم عناية كبيرة لأنّه فرض من الله تعالى أوّلاً ولكونه جزءاً من شخصيتهم ونموذجهم الديني وفخرهم بما يحويه من أجواء الرحمة والبركة والإيمان والأجر ثانياً، وكما لا نغفل عن كون شهر رمضان ليس شهراً عبادياً محضاً فقط، وإنّما هو وسيلة تربوية أخلاقية نفسية بنائية عقلائية تسهم في صياغة وتكامل الفرد الإنساني وتسعى به نحو تحقيق الكمال وإكسابه السعادة في الدُّنيا والآخرة، فالصوم هو الأداة التي يستطيع الفرد من خلالها السيطرة على حركاته وسكناته وميوله واتجاهاته وغرائزه وسلوكه ورغباته حتى المشروعة منها، وبمقدار نموه في هذه الجوانب يتوقف قربه وابتعاده عن الله جلّت قدرته.

إنّ قصة شهر رمضان هي قصة أن ننمو أكثر وأن ننفتح أكثر، وأن نتحرك في إسلامنا أكثر وأن نحب الناس أكثر وأن تكون مسؤوليتنا في الحياة أكثر ليحبّنا الله أكثر. وبذلك نلتقي بالعيد في مفهومه الإسلامي «إنّما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكره وقيامه» قبله لأنّه صيام الوعي ولأنّه قيام العبودية، قبله لأنّه الصيام الذي يعيش الإنسان فيه مع الله والقيام الذي يعرج الإنسان فيه بروحه إلى الله، وعندما نعيش مع الله فأين كلّ تلك الوحول الأخلاقية والنفسية والمادّية في حياتنا، إنّنا نعيش مع الصفاء ومع النقاء ومع كلّ الينابيع المتدفقة من الله سبحانه وتعالى وهي ينابيع الفكر والروح والحركة والحياة، فليكون العيش بكامل السنة رمضاناً في معنى رمضان وإن ابتعد عنا زمان رمضان.

فالصوم مدرسة للمحبّة والتعاون والعطف لتسود الأُلفة وتتحقّق السعادة لأبناء المجتمع. فالصوم يخرج المسلم من البغضاء والأحقاد ليطهِّر نفسه من الأرجاس، فبالصوم تُصقل الروح وتبرز شفافيتها لتسمو بالمجتمع عن عالم المادّة إلى عالم القيم السامية والمعاني الرفيعة. وهكذا جميع العبادات تبني الإنسان البناء الحقيقي، ليتكوّن من خلاله ذلك المجتمع الذي تسوده روح الأُخوّة والأُلفة والتعاون والتحابب والمودّة والإخلاص والتآزر والأمانة، خالياً من الأحقاد والبغضاء والحسد والغيبة والنميمة والفرقة والتباعد. فلو تحقّقنا كثيراً في مجتمع تجتمع فيه هذه الصفات كيف سيكون ذلك المجتمع وكم تتوفّر فيه السعادة؟ إنّه لمجتمع آمِن مطمئن وغيور متكاتف متعاون قوي متماسك مؤمن تتنزّل عليه البركات من السماء والأرض: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) (الأعراف/ 96). فمن الغايات السامية للصوم هي إعداد القلوب للتقوى والشفافية والخشية من الله تعالى.

ارسال التعليق

Top