◄معظم الناس يتهيبون من فكرة المشاركة في حديث إذاعي أو لقاء تلفزيوني، لأنّ الشعور في داخلك بأنّك محط أنظار وأنّ كلّ شخص يراقبك ويستمع إليك يشعرك بنوع من الوجل، فإذا جاءت الصدفة وطُلب منك أن تكون ضيفاً إعلامياً "تحت الأضواء" ينبغي أن تحضّر نفسك قبل ذهابك وأثناء الاستضافة وبعد المقابلة.
أوّلاً: قبل المقابلة:
تعرف المقابلة على أنّها محادثة موجهة لغاية وهدف محدد، وتبرز أهميتها عندما تصبح وسيلة علمية للبحث والاستقصاء سواء كان ذلك في البحث الاجتماعي أو اللقاء الإعلامي أو التوظيف الإداري أو حتى للشأن القضائي والأمني، كونها تسمح باستنطاق الآخر حول محور من القضايا الذي يهم كلا الطرفين: المُستجوَب والمُستجوِب.
لذا عندما تكون مستجوَباً، انظر في المسائل التالية:
- تعرّف جيداً على الجهة/ الهيئة التي ستستضيفك (إذا كانت وسيلة إعلامية مرئية مثلاً، إسأل عن مكانها، توجهاتها، أسماء المعنيين، اسم البرنامج، اسم المذيع والمخرج أو المعد) وحاول أن تسأل عما تريد التكلم بشأنه بالضبط وما هي مدة المقابلة وهل ستكون مباشرة أم مسجلة؟ هل تُنقل هوائياً عبر راديو ما؟ كذلك عن نوع المقابلة هل هي: هاتفية، وجهاً لوجه بمفردك والمذيع، أم جماعية (مجموعة ضيوف ومذيع واحد) أم أنّها Scrum (مجموعة محاورين وضيف واحد)..
- ضع في اعتبارك أن ليس كلّ ما هو محضر في ذهنك ستقوله، أو أنّك ستجيب عن الأسئلة الموضوعة، بل توقّع بعض التعديل، إذ قد يفاجئك المذيع بشيء من أحداث اليوم ليعرف تعليقك بداية. وعند الإجابة لا تسترسل لأنّ المطلوب هنا رأي عابر كي يكن مدخلاً للحديث عن الموضوع الأصلي. والوقت لا يسمح بالإطالة لهذا انتبه لطريقة الإجابة بالإيجاز الممكن، باستثناء اللقاء الصحفي المكتوب حيث يمكنك عندها الاستفاضة ببعض التفاصيل.
- قدّر قيمة الوقت المعطى، أي إذا كان اللقاء مقتضباً (10-20 دقيقة) ركّز على النقاط المهمة التي تبيّن مرادك. أما إذا كان الوقت متاحاً فلا بأس ببعض الإيضاحات السريعة وليس المكررة من خلال ما يعرف بالكلمات – المفاتيح كقولك مثلاً: أود أن أضيف، شيء آخر تذكرته، ما نتكلّم عنه هنا يعني..، المهم قوله، دعنا لا ننسى ما أشرنا إليه، سؤال جيد ولكن دعني أوضح... إلخ.
- بعد الاتصال الأوّل يعاود المعنيون بالبرنامج الاتصال قبل الموعد بيوم أو يومين للتذكير، عندها يمكنك أن تستفسر وتستوضح عن شيء قبل الذهاب إلى الموعد: هل باستطاعتي أن أجلب مستندات معينة، أعرض معطيات، مشغولات، أن أكون برفقة أحدهم حيث يفيد وجوده. إلخ، ويوم المقابلة كن قبل الموعد المقرر كي يتسنى التعرف على المذيع وتهيئ نفسك لبعض المتطلبات (المكياج، إعداد الأستديو، تجهيز الميكروفون لديك..) قبل أن تصبحا على الهواء.
في المقابلات الإعلامية يتفاعل المستضيف مع الضيف، ولكن ضمن حدود خاصة إذا كانت المقابلة تستدعي استثارة معلومات وآراء ومعتقدات وتوجهات، وتلقي الضوء على معطيات غير معروفة، لذا في أي لقاء إعلامي، (مرئي أو مسموع)، مباشر أو مسجل، من المهم جدّاً الانتباه لاستخدام: الكلمات – المفاتيح، هذا ما يريد الإعلامي منك كضيف ويترك انطباعاً لدى مستمعيك بأنّك ملم. حاول أن تذهب إلى المقابلة وأنت في أناقة مميزة، ابتعد عن ارتداء الألوان البراقة، أو ارتداء المجوهرات (للسيدات) واظهر بمظهر الواثق المهتم دون أي تكلف أو تصنع.
ثانياً: أثناء الاستضافة:
"لحظات ونكون مع ضيفنا السيد/ السيدة.." عبارة تؤذن بأنّك أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الظهور على الشاشة، يعني أنّك ستُستضاف أمام المذيع سواء كان ذلك في الأستديو أم بنقل مباشر من خارجه. في حال كان الأمر في الأستديو حري بك أن تصل قبل الموعد المحدد بوقت متاح كي يتسنى لك أن تتعرف على الأستديو، تراجع أفكارك المكتوبة، تلتقي بالمقدم وتخفف من توترك بأن تفكر إيجابياً عن ذاتك هامساً: سأكون هادئاً، واثقاً، مشوقاً، مقنعاً. استرخِ وتخيل نفسك أنّك أمام مجموعة من البشر تتكلّم إليهم، اجعل هذا المشهد حقيقياً قدر الإمكان بطريقة جلوسك، تكلمك. وقبل البدء يمكنك:
- أن تشرب قليلاً من الماء كي لا يخرج صوتك متحشرجاً، علماً أن شرب الماء بكثرة وقبل كلّ عرض يساعد البشرة على التوهج ويرخي الحنجرة ويجعل الصوت رناناً ويمكّنك من إصدار نبرة أكثر غنى ومتعة للسمع.
- انتصب على الكرسي، اقبض يديك على صورة قبضة، تنفس بعمق، ثمّ أخرج الهواء بقوة عبر فمك من صدرك، أرخ وجهك كلياً. إذا كان هناك وقت – أي قبل أن تصبح على الهواء – كرر هذه المحاولة مرات أو أثناء التوقف الإعلاني.
- دندن لحناً ما قبل مباشرة الحديث مع المذيع، بعض المذيعين وقبل البدء بدقائق يجرون حديثاً قصيراً مع الضيف وهو مفيد لناحية التخفيف من التوتر ودوزنة الصوت وتمرين عضلات الحنجرة. تمرّن على لفظ الكلمات الصعبة أكثر من مرة وأحسن نطق المصطلحات، وقلها بهدوء فأي إرباك قد يؤثر على طريقة نطقها مما قد يُحرج أمام الكاميرا والجمهور.
- في حال توترت افرك بإصبع يدك اليمنى المنطقة التي تقع بين السبابة والإبهام من كف يدك الأيسر ثمّ كرر التجربة لليد الأخرى لعدة ثوانٍ.
- تكلّم بهدوء بدون تكلف، إذ عندما يسألك المذيع لا تبدد وقتك في الإعداد لإجابة محنكة بل عوضاً عن ذلك اسمع السؤال بهدوء ثمّ رد بعفوية. (تذكر: في المقابلات التلفزيونية، لا تستعن بملاحظات مدونة إلّا ما ندر، لأنّ مثلما تنظر إلى عيني الآخر عندما تكلمه، كذلك الحال أمام الكاميرا، فمشاهدوك هم الذين تحدثهم فانظر إليهم).
- حاول أن لا تكرر شيئاً قلته مراراً، بل يمكنك أن تجيب – وإن كان لابد – بشكل مختلف فهذا يساعد على إبقاء الإجابات حية وطبيعية. (أجر الاختبار على ذاتك بأن تتوقع سؤالاً وحضر إجابته ثمّ إلعب على الجواب بإعادة صياغته أكثر من مرة بالمفردات ذاتها التي وردت فيه!) مثل هذا التبديل سيجعلك أمام واقع جديد يفرضه وضعك المتوتر بضغط الأسئلة المحرجة ويظهرك كم أنت دبلوماسي في الرد.
- في حال وصل الكلام إلى طريق مسدود أو تفاجأت بسؤال لا ترغبه، اتبع طريقة السياسيين الذين يدخلون الموضوع أو يجيبون على سؤال وجه إليهم من خلال طرح سؤال مغاير كلياً لما يطرح، إذ تسمعهم مثلاً يقولون: أريد أن أسأل سؤالاً حول ما تطرقت إليه مفاده (كذا، يخترع سؤالاً ربما لم يطرحه أحد) وأريد هنا أن أجيب عليه! مثل هذه المراوغة تريحك من بعض الإحراج أو الصد أو النسيان. ولكن ينبغي هنا وكما تشير الكاتبة والإعلامية الأمريكية "دورثي سارنوف" في كتابها القيّم: (Speech Can Change Your Life): كن مستعداً ليس فقط لأن تُسأل، بل ولأن تُجيب أيضاً على ما تساءلت به، وعندما تحقق المقابلة هدفها، أنهها بكلّ احترام.
فأن تُختار للقاء إعلامي مؤشر هام على أن تبيّن ذاتك بأنّك مهم، لا تتوانَ ولا تردد بل اتخذ قراراً بأنّك تؤمن بنفسك، أنتَ شخص له حضوره ولا يمكن لأحد أن يكون أفضل مما أنتَ عليه، وربما لا أحد يمكنه القيام بما هو مطلوب في "المقابلة" بالطريقة الممكنة إلّا أنتَ، آمن بأنّك محدث لبق ومقدم بارع، وعندما تؤمن بنفسك تصبح أعمالك من أكثر الأمور التي لا لبس فيها ويراها الناس على محمل الجد، وبأنّك قادر على تقديم ما يتوقعونه. إنّ مجرد التفكير بذاتك على هذه الصورة الإيجابية تجعل الناس يؤمنون بك، بمواهبك، بقدراتك، باستدعائك للتحدث عما تتميز به، لهذا لا تستهن بما لديك وكي تنجح في مهمة التحاور تذكّر ما يلي:
1- فكِّر بأن ما تقوم به هام: وعندما ترفع مستوى التوقعات مما تريد أن تقوله أو تقوم به، فإنّ الناس سيهتمون بالمستوى الذي حددته.
2- فكِّر بأنّك شخص مهم: لا تقع في فخ "أنا مجرد..." أنتَ لست مجرد شخص ما، إنسَ أفكار مبسطة يكوّنها الناس عنك أو عن مهنتك.
3- فكِّر بأنّ ما تتميز به مهم: يُستضاف الناس في الوسائل الإعلامية لأنّهم يمتازون بواحدة من ثلاث: براعتهم (الرياضية أو الفنية أو الأدبية..) وجمالهم (عارضات، مقدمات، ممثلات، سيدات مجتمع) ونفوذهم (السياسي، الاقتصادي، المالي) فهؤلاء أنجزوا ما نتمنى لو أنجزناه فعلاً ولكن قد تمتلك صفات جديرة بالتنويه يتمنونها هم أيضاً.
4- فكِّر بأنّ هناك هدف مهم: عندما تتحدث بيّن أنّ حديثك ذو صوابية وتحديد، وأنّ ما تقوم به ستصل من خلاله إلى نتيجة ما، وكن صادقاً فيما تشير إليه من أهداف.
ومن الأهمية بمكان عند الحديث التلفزيوني أو الإذاعي توفير صيغة حوار منظم من خلال بنية عرض مشوقة، ويمكنك القيام بذلك، بأن تحدد النقاط الرئيسية التي ستتحدث عنها (أ، ب، ج...) ثمّ تُطلع الجمهور على ما تريد إخبارهم به، كقولك: سنناقش ثلاث نقاط رئيسية هي.. "ثمّ قم بسردها وتوضيحها بشكل بسيط كي يكون لها التأثير المتوقع. وأنتَ تتكلم لا تنسَ القواعد الذهبية التالية:
1- تجنب الألفاظ الملتبسة والمصطلحات العلمية الصعبة، فأنتَ في لقاء وليس في محاضرة جامعية، بسطِ المعلومات لأنّ مستمعيك متفاوتو المعرفة.
2- ترجم الألفاظ الأجنبية في حال استخدمتها أو فسر ما تعني المختصرات فيما لو أشرت إليه.
3- صغ تعابيرك وآراءك بطريقة إيجابية وليس بطريقة قطعية جازمة كأن تقول: أعتقد بأن/ أفضل لو أن.. بدلاً من قولك: لا.. أبداً/ قطعاً..
4- ابتعد عن الرد الصامت كقولك: لا تعليق.
5- تجنب قول أي كلمة مؤذية بحقّ أحدهم أو النيل من كرامته أو غمزه أو إهانته.
تقول "دوروثي سارنوف" في كتابها المشار إليه آنفاً، هناك ما يُعرف بالضيف الذهبي: The Golden Gust وهو الضيف الذي يعرف أسرار المحادثة العشرة: يحث الآخرين على التكلم والتعبير، يتفوه بوضوح كأنّه كتاب مفتوح، لا يدور حول نفسه بالتحدث عنها كثيراً، لا يقاطع بفظاظة، لا يبدو مملاً، أو سمجاً على مسامع الآخرين، لا يهين أو يجرح مشاعر الآخر، لا يشمت أو يغتاب، لا يتشاجر أو يتسافه بالكلام، يستوعب الآخر، يستمع ويصغي أكثر.
ثالثاً: بعد اللقاء:
يقول الرئيس الأمريكي الأسبق "إبراهام لنكولن": "عندما أتهيب للقاء شخص ما أقضي ثلث الوقت أفكر في نفسي وفيما سأقوله، وثلثا الوقت أفكر في هذا الشخص وماذا سيقول عني". وربما الحال نفسه يحدث مع أي منا قبل وبعد لقاء أشخاص مهمين، والحال ذاته أيضاً يحدث بعد أن تخرج من الأستديو: ستسأل أصحابك عن "صورتك المرئية" ويهمك أن تعرف كيف بدوت، وكثيراً ما ستسمع تعليقات وملاحظات عن طريقة أدائك، سيقولونها على سبيل المزاح، لا تضطرب فلعلّهم محقين، ولكن اعتبرها هفوة وعليك أن تتجنبها ثانية.
ويمكنك للغاية – بينك وبين نفسك – أن تجري اختباراً بسيطاً كي يأتي أداؤك أفضل في المرات التالية، عبر تقييم المسائل التالية:
· هل أجبت على كلّ الأسئلة وكنت واضحاً؟
· هل كانت إجاباتي مختصرة، هل كان صوتي مناسب النطق؟
· هل قدمت معطيات تبدو مهمة؟ وهل وصلت مثلما أريد؟
· هل أوصلت المعلومات بشكل سهل كي يستطيع الجميع فهمها؟
· هل بدوت عصبياً؟ متوتراً؟ متشنجاً؟ وهل أثر ذلك على صوتي؟
· هل قلت أشياء سلبية، وأخرى لا يجب أن تقال؟
· هل استخدمت الأمثلة بشكل موفق كي يسهل إيصال الفكرة؟
· هل كنت أقرأ الأوراق ولا أهتم للحضور أو الكاميرا؟
· هل صححت السؤال قبل أن أجيب؟
· هل قلت: "لا تعليق"؟
كلّ ملاحظة تردنا هي مهمة لنا كي نطور حضورنا وطلّتنا الإعلامية، وأي وضعية تقال فيما ينبغي أن نفعله أثناء اللقاء/ المقابلة لها فائدتها المقصودة، فمن المواصفات التي أشعر بأنّها تساعد شخصاً على أن يكون جذاباً في ظهوره الإعلامي: الحماس، الثقة بالنفس، الاقتناع، البراعة في مجال تخصصه، المهارة في فعل أو قول ما يرغب الآخرين معرفته.
استعدادات لابدّ منها:
1- كن محضراً: أن تعرف لماذا تحل ضيفاً، وما المطلوب أن تتكلم عنه.
2- احترم مذيعك، قدر عمله، وتحمل حشريته وفضوله، إنّها من طباع الإعلامي.
3- تكلّم – إذا لزم الأمر – عن تجارب شخصية، لا تسترسل.
4- أحضر وثائق تثبت صحّة ما تقول، البرهان خير دليل.
5- قدر قيمة الوقت وأجب عن المطلوب دون مراوغة.
6- تكلم بهدوء، واجلس مرتاحاً وانظر إلى مستضيفك، وجرب صوتك.
7- لا تتأفف أو تجبر ذاتك على إجراء اللقاء، خذ قرارك منذ البداية أتريد أو لا تريد فلك الحقّ بأن تقول "لا" إذا كنت لا ترغب، لا تفعل شيئاً دون رغبة.
8- أنهِ كلامك بشكل إيجابي واظهر بأنّك لائق ومهذب. ►
المصدر: كتاب الشخص المناسب/ هل تود أن تكون الشخص المناسب في المكان المناسب؟
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق