• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الطيبات في لغة الدين والقرآن

أسرة البلاغ

الطيبات في لغة الدين والقرآن

-            ما هي الطيِّبات؟

هي المباحات المذكورة في الكتاب الكريم والسنّة المطهّرة.. فالله تعالى قد أحلّ جميع الطيِّبات من المطاعم والمشارب، ولم يُحرِّم على البشر إلاّ الخبائث، كالميتة والدم ولحم الخنزير، أو ما تنفر منه العقول السليمة والفِطر المستقيمة كالقمار.

فالطيِّبات – في لغة الدِّين والشرع والقرآن – هي كلّ ما أحلّه الله أو ما عدا المنصوص على حرمته (جاء نصّ صريح بتحريمه)، أي أنّ الطيِّب ما شخّصته حكمةُ الله، لا ما استطابه الناس، أو ما استذوقه الإنسان بمزاجه.

الطيِّب طيِّبٌ في ذاته، أي فيه منفعة وهو خالٍ من الضرر، ثمّ يأتي التأكيد من خالق الطيِّب ومطيِّب الطيِّب ليقول لي مؤشراً عليه دون غيره: هذا هو الطيِّب، والتركيز على كلمة (طيِّب) التي تكرر ذكرها في القرآن تتضمّن الدعوة واجتناب ما خبث من الأطعمة.. ومن طبع الإنسان وذوقه إنّه ينفر ويقرف من الخبيث بصفة عامّة، حيث أنّ هناك استثناءات:

-  فلو قيل لك إنّ هذا الطعام (ملوّث) فقد لا تتناوله حتى ولو كان حلالاً.

-  ولو قيل لك إنّ هذا الطعام وَلَغَ فيه كلب، أو عاثت فيه فأرة، أو عبث فيه جرذ، أو تقاتل عليه الذباب، فإنّك لا تجد ميلاً للأكل منه.

-  هذا والطعام، في الأصل وقبل التلوّث والتسمّم والعبث من الحشرات والفئران، طيِّب، فما بالك بالذي خبث من أصله؟

ربّما يقول أحد الذين لم يراعوا تحريم أكل لحم الخنزير: ما به؟ لماذا تقولون إنّه من الخبائث؟ فلقد ذقته أو أكلت منه، فلم أجد فيه ما تقولون.

إنّنا لسنا بحاجة إلى محاضرة مفصّلة، أو شرح طويل لتبيان ما هي مضارّ لحم الخنزير، يكفي أنّ خالق هذا الحيوان والعارف – أكثر من كلّ أحد – بطبيعة لحمه، قد حرّمه لأُحرِّمه على نفسي، حتى ولو أجمع الناس على أنّ لحم الخنزير ليس فيه ضرر.

إنّ الشجرة التي حرِّمت على آدم وحواء (ع) قد لا تكون سامّة أو ضارّة أو خبيثة، ولكن لأنّها ممنوعة كان يجب اجتنابها.

وقد ينبري شخص آخر ليقول: إذا كانت الخبائث كما تقولون، فكيف جوّز دينكم تناول الأطعمة المحرّمة عند الضرورة؟

وهو سؤال وجيه، وجوابه بسيط:

إنّ الدِّين والشريعة لم تجوِّز تناول الأطعمة المحرَّمة ابتداءً، أي حينما تتوفّر الطيِّبات فلا يحق ولا يجوز لي تناول طعامٍ محرم، ولكن عندما تتعرّض حياتي للخطر نتيجة الجوع الشديد، وليس هناك من بديل، فيجوز لي أن أتناول شيئاً من المحرَّم بما يرفع شبح الخطورة عن حياتي المهدَّدة، فالرخصة ليست للتعدُّد أو الاستمتاع بطبق محرَّم، بل للنجاة من الموت، وقد يكون فيما أتناوله من محرّم ضرر صحّي، لكن الضرر الأكبر يُدفع – عقلاً وشرعاً – بالضرر الأصغر.

إنّ كثرة المتعاطين للحم الحرام، ومنه لحم الخنزير، ليس معياراً، ولا يعطيه صفة شرعية بأنّه حلال، فقد يُقبل كثير من الناس على عمل محرّم أو شائن أو مستهجن ويتعاطونه بشهيّة، لكنّ ذلك لن يجعل منه (طيِّباً)، أي أنّ (التصويت) على الحرام لن يجعله حلالاً.

فلو أجمع كلّ الناس على أنّ الكذب والخيانة خصلتان حميدتان، وأنّ فيهما منافع، فإنّ الكذب يبقى ضرره أكبر من نفعه، وتبقى الخيانة ممقوتة حتى ولو تظاهرت الجماهير بتأييدها، وارتفعت القبعات لتحيتها.

-  الطيِّب: ما يمدّني بعافية، أو ما يحافظ على ما لديّ من عافية.

- الطيِّب: ما يجمعُ العقلاء الأصحّاء على أنّه طيِّب.

- الطيِّب: ليس الذي مذاقه طيِّب فقط، بل يجب أن يكون طيِّباً في طبيعته ومضمونه.

- الطيِّب: ما قال الله لي إنّه طيِّب، لا ما يتحدّث به الشاذّون.

إنّ تجربة الناس مع الطيِّب طويلة وعريقة وضاربة بجذورها في عمق التأريخ، فليس (الطيِّب) اكتشافاً حديثاً.

ربّما نجد في التأريخ مَن يأكل لحم كلب ويستطيبه، لكن نسبة الذين يأكلون لحم الكلاب إلى نسبة مَن يأكلون لحم الضأن لا تقاس، ولن يأتي اليوم الذي تتبدّل فيه أذواق الناس لدرجة استبدال لحوم الأبقار بلحوم الأفاعي، ولن تدخل إلى المطابخ لحوم الفئران والجرذان كبدائل للحوم الطير والدجاج.

ارسال التعليق

Top