في تلك الليلة.. كانت الرياح تأتي من النافذة المشرعة، محملة بندى منعش، وبقايا عبير معطر، ونسيم عليل يصافح وجهي وشعري، متسللاً بخفة إلى صدري وقلبي وروحي، ليزيدني صفاءً وهدوءاً وسكينةً.. وكانت نجاة الصغيرة تغني بصوت بالغ التحنان: متى ستعرف كم أهواك يا رجلاً*****أبيع من أجله الدنيا وما فيها في تلك الليلة... لم أستطع النوم من فرط تفكيري فيك، فماذا فعلت بقلبي؟ وأنا تلك المرأة العملية التي نشأت جامدة الحس، كافرة بالعواطف، هازئة بما يُسمّى الحب، لا ترى فيه سوى داء عضال يفتك بإرادة الإنسان، يسلبه رشده، ويحرمه القدرة على التفكير السليم.. حاولت أن أقنع نفسي بأنك كغيرك من الرجال، الذي لا يمثلون شيئاً في حياتي، ولا يعنيني إن وُجدوا أم اختفوا، فخسرت الجولة، خذلني عقلي، وانتصر قلبي.. حاولت أن أبني أسواراً منيعة بيني وبين الفكير فيك، ذاك التفكير الذي اجتاحني بقوة، هز كياني بعنف لم أعهده، ففشلت فشلاً ذريعاً.. حاولت أن أُظهر التجاهل وعدم الاكتراث واللامبالاة، لكن قلبي خذلني في هذه المحاولة أيضاً، وكأن مَسَّاً من السحر أصابه، فأيقظه من سباته، وبدأ يدق يعنف، ويصفق بين الضلوع فرحاً منتشياً.. وشهرتُ رايتي البيضاء إعلاناً بالاستسلام، واستسلمت ورحبت بالنار.. وكيف لا؟ وأنت مَن اقتحم حياتي بلا تردد، فتحت لنفسك الأبواب بكل ثقة، وأيقظت إنساناً جديداً داخلي، طال انطواؤه، طالت عزلته، حتى كادت أنفاسه تخمد وتذوي.. إنساناً يخفي رقّة وحساسية مبطّنة، يريد حباً وحناناً وأماناً بحث عنه كثيراً ولم يجده.. وبدأت أضحك وأمرح بطبيعية من دون قيود، بدأت أنظر إلى الحياة بمنظار جميل، وأنتظر منها أشياء جميلة.. وأصبحت تغنيني عن كل شيء، وكنت أنتظر تلك اللحظة التي أفرُّ فيها من العالم بأسره لأرتمي في أحضانك، وأنكمش بين ذراعيك كطفل صغير ينام بين أحضان أُمّه لينعَم بالاستقرار والدّعة والهدوء.. أجل.. كنت أنتظر لقاءك، فبضع ساعات في غيابك تترك في نفسي وحشة قاتلة، وغربة مريرة، وتبعث في نفسي أسى لا يُطاق. تُشعرني ببرودة تتسلل إلى قلبي وجسدي، وتُسيل دموعي بغزارة... أنا أنتظر لقاءك دائماً في لهفة الطفل، وظمأ العطشان، فأنا أريدك، وأتلهّف لسماع صوتك، وأحنّ إليك باستمرار، وأنصاع لطلباتك بلا اعتراض، بلا تذمر، على غير عادتي، ولا أريد لحكايتك معي أن تكون مجرد ذكريات وصور، تذكرنا بأننا عشنا يوماً فيها.. ولن أسمح لغدر الأيام بأن يقف بيني وبينك، فيبعدك عني، ويبعدني عنك... فأنت لست رجلاً عادياً بالنسبة إليَّ.. بل أنت العالم الذي ليس فيه إلا أنت وأنا.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق