• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العدل أساس التوحيد

عمار كاظم

العدل أساس التوحيد

العدل هو أساس كلّ الرسالات، وهو الذي يوحِّدها في كلّ مفاهيمها وشرائعها، حتى إنّ الإيمان بالتوحيد هو حركة عدل، لأنّ علينا أن نحفظ لله حقّه في أن نوحّده بالألوهية فلا إله غيره، ولا شريك له، وأن نوحّده بالعبادة فلا معبود غيره، وأن نوحّده بالطاعة فلا طاعة لغيره. يقول تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد/ 25). والعدل هو ما يربط الإنسان بالإنسان، سواء كان مسلماً أو غير مسلم، لأنّه لا دين للعدل، فالعدل للناس جميعاً، ولا دين للظلم فالظلم ليس ديناً مع الناس جميعاً، وقد ورد في تراث أهل البيت (عليهم السلام) أنّ «الله عزّوجلّ أوحى إلى نبيّ من أنبيائه في مملكة جبّار من الجبّارين، أن ائتِ هذا الجبّار وقل له إنّني لم أستعملك على سفك الدماء واتخاذ الأموال، وإنّما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فإنّي لن أدع ظلامتهم وإن كانوا كفاراً»، فالله لا يريد لنا أن نظلم الكافر، كما لا يريد لنا أن نظلم المسلم، بل أن نعطي كلّ ذي حقّ حقّه، قريباً كان أو بعيداً، ضعيفاً كان أو قوياً، وهذا هو معنى العدل. وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما من مظلمة أشدُّ من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عوناً إلّا الله»، وهي مظلمة الضعيف، فإنّ ظلم الضعيف هو أقسى الظلم وأشدّه وأفحشه. وورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «اتقوا الظلم فإنّه ظلمات يوم القيامة». يريد الله تعالى منّا أن نعمل على أن نقتلع الظلم من داخل نفوسنا، وأن نرفضه من ألسنتنا وفي سلوكنا، وقد ورد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم». وقد ورد في بعض الكلمات المأثورة: «مَن عَذَر ظالماً بظلمه، سلّط الله عليه مَن يظلمه، فإن دعا لم يُستجب له ولم يأجره الله على ظُلامته». وورد في الحديث: «مَن أكل من مال أخيه ظلماً ولم يردّه إليه، أكل جذوةً من النار يوم القيامة». وورد عن الإمام عليّ (عليه السلام): «الظلم ثلاثة: ظلم لا يُغفر، وظلم لا يترك، وظلم مغفور لا يطلب، فأما الظلم الذي لا يُغفر فالشرك بالله ـ وهذا ما عبّر عنه الله تعالى حكاية عن قول لقمان لابنه: (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، فالمشركون يظلمون الله في حقّه في التوحيد ـ أمّا الظلم الذي يُغفر، فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات، وأمّا الظلم الذي لا يُترك، فظلم العباد بعضهم بعضاً»، ويتابع الإمام عليّ (عليه السلام) كلامه: «القصاص هناك شديد، ليس هو جرحاً بالمدى، ولا ضرباً بالسياط، ولكنّه ما يُستصغر ذلك معه».

في ضوء ذلك كلّه، يأتي الصوم ليدفعنا إلى التخلي عن الظلم والنظر في مساوئه، والتعرّف إلى الحقّ والعدل، والسير بهما، فلا يعقل أن يمتنع الإنسان عن الطعام والشراب وأُمور أُخرى لمجرّد الامتناع، ويبقى في الوقت ذاته ظالماً لزوجته ولأولاده وجيرانه، وظالماً لنفسه، لا يعرف سبيل الله، ولا يكلّف نفسه التعرّف إلى الحقّ والتزامه في سلوكه ومواقفه.

علينا أن نربي أنفُسنا وأجيالنا على العدل، لأنّ الله أقام الإسلام على أساس العدل، وعلينا أن نعمل بكلّ ما عندنا من قوّة في أن نكون موقعاً واحداً في مواجهة الظالمين، أن نعطي الضعفاء حقوقهم، فلا يظلم الإنسان زوجته أو أولاده أو الموظفين عنده أو الضعفاء الذين يقعون في دائرة مسؤولياته. إنّ الله تعالى أراد للمسلمين أن يصنعوا مجتمع العدل، وأن يقدّموا الإسلام للناس على أنّه إسلام العدل الذي يعطي لكلّ ذي حقّ حقّه. فلنستفد من هذه الأوقات الفضيلة والمباركة، ولنراجع كلّ تصرّفاتنا، ولنقلع عن الافتراء والظلم والحقد والحسد والكذب، ولنجعل من هذه الأوقات فرصة ثمينة، حتى نتحرّر من أنانياتنا وأهوائنا المنحرفة، ونلتزم سبيل الهدى والصلاح، ونكون بحقّ من ضيوف الرحمن في هذا الشهر الكريم.

ارسال التعليق

Top