• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

القضية الحسينية.. آفاقها وأبعادها

عمار كاظم

القضية الحسينية.. آفاقها وأبعادها

إنّ القضية الحسينية في خطابها الحماسي، وفي خطابها الولائي، استطاعت أن تعبّئ الناس بحبّ أهل البيت (عليهم السلام)، ولكن ما هو مضمون هذا الحبّ، هل يكفي أن نقول إنّ الحق لهم، أو إنّ علينا أن نفهم ما هو الحقّ عندهم، ما هو فكرهم، ما هو خطّهم، ما هي القضايا التي أثاروها في مرحلتهم، ما هي القضايا التي تبقى لتعالج مشاكلنا، لا يكفي أن تحبّ أهل البيت (عليهم السلام) أو تحبّ رسول الله، إذا لم تعرف ما معنى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حركة الإنسان، وما معنى أهل البيت في حركة الإنسان. إنّ الحبّ الضبابيّ سرعان ما يزول عندما يزول الضّباب، ولكنّ الحب المرتكز على قواعد فكرية وعقليّة، هو حبّ يبقى مهما انطلقت العواصف من أجل أن تجتثّ جذورها، لأنّها كالشجرة الطيبة «أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ» (إبراهيم/ 24). لقد استطاعت عاشوراء من خلال كلّ هذا الحبّ للحسين (عليه السلام)، في كلّ هذا الحماس ضدّ الأعداء، أن تحرّك شيئاً في الجهاد. فهي الثورة التي عبأت الناس ودفعت بهم في طريق النضال، وهي أغنى ثورة بالعزم والتصميم على المضي في النضال الدامي إلى نهايته أو النصر، فقد عُرضت على الثائرين أمتع حياة، ولكنهم أبوا هذا الحياة التي سيسكتون معها عن الظلم والعسف وإرهاب الأُمّة. وهي ثورة امتُحن أبطالها بأقسى ما امتُحن به الثائرون على مدى التاريخ. فلم يهنوا، ولم ينكلوا بل ثبتوا -رغم كلّ شيء- ثائرين إلى اللحظة التي توّجوا فيها عملهم العظيم بسقوطهم صرعى في سبيل مبدئهم الحقّ.
نحن بحاجة إلى أن نخطّط للمستقبل فالنجاح هو عمليّة تخطيطٍ مستمرّ، ما إن تنتهي حلقة منه، حتى يفترض أن يتم التخطيط للمرحلة القادمة، وهكذا دواليك، للاستفادة من عناصر النجاح للمستقبل، والبحث عن العناصر الجديدة التي تخطّط له، ليقفز من نجاحٍ إلى آخر، وما إلى ذلك. وبعبارة أخرى، ألا نهزم أمام القضايا، بل أن نفكّر في النصر على أنقاض الهزيمة، والاستفادة من دروس الهزيمة.
إنّ ثورة أبي الأحرار أعظم ثورة عملاقة سجّلها التاريخ، فقد أيقظت المسلمين من سباتهم وحطّمت عنه سياج الذلّ والعبودية، فانطلقت الثورات يتبع بعضها بعضاً في معظم أنحاء العالم الإسلامي، وهي تحمل شعار الثورة الحسينية، وتطالب بعزّتها وكرامتها وأمنها ورخائها. بقيت صرخات الحسين (عليه السلام) في كربلاء تدوي مدى التاريخ وبقيت شرارتها أزلية دائمة تمد الأُمّة دوماً بكواكب الثائرين والمجاهدين المحافظين على حريم الأُمّة الإسلامية. وبقي زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار يومض في ليالي الخوف والظلمات ليكون مصباحاً للهدى يلتمسه الغافلون والحيارى والذابون عن دينهم ورسالتهم.
كانت حياة الحسين (عليه السلام) كلّها عبر ودروس، فانطلق وضحى بأغلى ما يملك من أجل الآخرين، من أجل أن يرسم للأُمّة خطاً لهداية الحائرين، وأن يوقد شعلة تنير درب المظلومين. ثورة الحسين (عليه السلام) ثورة حيّة تحركت في عقل الأُمّة قبل عاطفتها، فكانت ثورة غنية بشعاراتها الصادقة وأهدافها النبيلة، ولهذا لم تكن كباقي الثورات، والتاريخ الإسلامي غني بالثورات، إلّا أنّ هذه الثورة هي الوحيدة التي لا يزال ذكرها يتجدد ويتقدم فكتب لها الخلود على مرّ الزمان. إنّها ثورة نعيش أيامها في كلّ حين، فأينما يوجد ظلم في العالم تكون ثورة الحسين (عليه السلام) تقارع ذلك الظلم، وأينما يوجد محتل معتد في أي بقعة من العالم تكون ثورة الحسين (عليه السلام) الرمز الذي يقاوم ذلك الاحتلال، فكلّ يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء.

ارسال التعليق

Top