«المجتمع الذي يقع فريسة للإدمان هو لا مجتمع لأنّه سيكون بلا كيان.. وبلا وعي.. وبلا إبداع». إنّ الحديث عن المخدرات، هو حديث المآسي والحوادث المؤسفة والآثار المترتبة آنياً ومستقبلياً على صحّة المتعاطي للمخدرات، وعلى مَن حوله من ذويه وأرحامه وأصدقائه. إنّ تعاطي المواد المخدرة، أيّاً كان نوعها أو وضعها الاجتماعي أو القانوني، هي مواد ذات خطورة كبيرة وأضرارها المباشرة وغير المباشرة تشل حركة المجتمع الإنساني وتضرّ بأخلاقه واستقراره وأمنه ومصادر عيشه. لذلك تعتبر مشكلة تعاطي المخدرات من المشكلات التي تؤثر في بناء المجتمع وأفراده لما يترتبُ عليها من آثار اجتماعية واقتصادية سيِّئة تؤثر على الفرد والمجتمع، كما أنّها ظاهرة اجتماعية مرَضية تدفع إليها عوامل عديدة، بعضها يتعلق بالفرد والبعض الآخر بالأُسرة والثالث بالبناء الاجتماعي ككلّ ممّا يشكّل تهديداً لكيان المجتمع وأفراده.
إنّ قضية تعاطي المخدرات والإدمان عليها، قضية معقّدة وليست مفهومة بالشكل الدقيق، ولذلك فقد تعدّدت على مرّ التاريخ نظريات وأبحاث كثيرة حول أسباب الإدمان، وبالأخص إدمان المخدرات، فأرجع البعض نظرياتهم إلى أنّها قضية وراثية، والآخر إلى أنّها قضية عقلية، وآخرين إلى أنّها قضية اجتماعية ونفسية، وأنّها ترجع إلى الاعتمادية النفسية التي تنشأ عند الشخص للسلوك الإدماني الذى يمارسه، سواء كان باستخدام المخدرات، أو غيرها من أنواع السلوكيات الإدمانية. أمّا عن الأسباب فهي كثيرة، منها، ضعف الوازع الديني الذي يتمثّل ذلك بعدم التمسّك بتعاليم الإسلام، مع انعدام التوجيه كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر/ 19). والتفكك الأُسري المتمثّل بغياب الرقابة عن الأبناء بطلاق الوالدين، أو افتقار الوسط الأُسري لسُبل الحوار، والتشتت الأُسري، من أبرز الأسباب المؤدِّية للإدمان على المخدرات. كذلك العوامل والمشكلات الاجتماعية من خلال الأزمات والصدمات الشديدة التي تؤدِّي إلى المرض والانهيار، قد تدفع البعض إلى تعاطي المخدرات، محاولة منهم للتخلّص والهروب منها. وكما الشعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس من العوامل المهمّة للتعاطي حيث يكون الشخص يعاني من إحساس داخلي بالنقص في التعامل مع أصدقائه، أو حتى فى تقبّل نفسه، فيقوم بالتعاطي، ويرى نفسه عكس ما كان يحس، فيجد نفسه متقبّلاً لشكله، بل عنده الجرأة والشجاعة الوهمية التي كان يفتقدها.
من وجهة نظر الإسلام، يقوم الوجود الإنساني في الإسلام على عقيدة ثابتة وهي أنّ الإنسان هو خليفة الله على الأرض، حيث استخلفه الله عليها لبنائها وعمارتها، وهو استخلاف لا سبيل للقيام بأعبائه إلّا بالعقل، لأنّ العقل هو أداة الإنسان في استقبال تكاليف الله وفهمها، ومن ثمّ القيام بأداء دوره على أكمل وجه في بناء وعمارة الكون. ومن هنا فإنّ كلّ تدمير أو تخريب للعقل أو تغييب له وكلّ إهدار لسلامة وصحّة الإنسان هو نقض لشريعة الله، وبناء على ذلك فإنّ الإسلام يحرّم تعاطي المخدرات والمسكرات. يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة/ 90-91). ويقول الحديث النبوي الشريف: «لا ضرر ولا ضرار».
إنّ القرآن الكريم، حين يتحدّث عن الإنسان، يتحدّث عنه كقيمة إنسانية، يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُم فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُم عَلَى كَثِير مِمَّن خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (الإسراء/ 70). فهو تعامل مع الإنسان بإنسانيته، الإنسان العاقل المُدرِك، الإنسان المُريد المختار، الإنسان الأخلاقي الذي يستحسن الخير، ويستقبح الشرّ في سلوكه وأفعاله، ويستشعر قيمتها في وعيه ووجدانه. إنّ الشريعة الإسلامية جاءت رحمة للناس، اتجهت في أحكامها إلى إقامة مجتمع فاضل تسوده المودّة والعدالة والمُثل العليا في الأخلاق والتعامل بين أفراد المجتمع، ومن أجل هذا كانت غايتها الأولى تهذيب الفرد وتربيته ليكون مصدر خير.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق