جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تدخلوا الجنّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، افشوا السلام بينكم». هكذا تكلّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وثبّت قاعدة ومنهجاً أخلاقياً للتعامل مع الآخر. وروى الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إنّ أعرابياً، من بني تميم أتى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: أوصني، فكان ممّا أوصاه: تحبّب إلى الناس يحبّوك»، وروى الإمام الصادق عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «التودّدُ إلى الناس نصفُ العقل». الحبّ المتبادل والقلب المتواصل، لتتواصل روابط المجتمع ومشاعر الإنسان، فيسلك السلوك الذي يجلب له حبّ الآخرين ومودتهم، ولا شيء أكبر أثراً في العلاقات الإنسانية والتواصل الاجتماعي من علاقة الحبّ والمودة، وذلك ما اعتمده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بناء المجتمع الإسلامي. وهكذا نجد الدعوة إلى نشر المحبة والتواصل بالحبّ بين أفراد المجتمع البشري، وحينما يسود الحبّ ويتعامل الناس بالمحبة تترسخ أبنية المجتمع وعلاقات الناس بعضهم ببعض. وفي دراسات علم الأخلاق الإسلامي يرجّح علماء الأخلاق: «الحبّ على العدل»، ذلك لأنّ الإنسان إذا أحب أعطى وعفا وتسامح وتنازل عن حقّه، وتعامل بود وتقارب مع الآخرين. في حين يتعامل العدل بالموازين والقوانين الصارمة، ولأهمية الحبّ في بناء الحياة بنى القرآن، الأسرة على أساس المودة والمحبة، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الرُّوم/ 21).
إنّ من عظيم ما تشعّ به عقيدة التوحيد والإيمان بالله، هو أنّ الله سبحانه وصف نفسه بالودود، فكان ذلك من أسمائه الحُسنى، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ (هود/ 90). وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾ (البروج/ 13-14). وفي آية أخرى نقرأ أنّ الله سبحانه يحبّ مَن يتبع الهدى ويعمل الخير: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (آل عمران/ 31). إنّ القرآن يُفهِّمنا أنّ العلاقة بين الله سبحانه والإنسان المهتدي هي علاقة حبّ ومودة وواجب على الإنسان أن يحبّ ما أحب الله. روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «أوثق عُرى الإيمان: الحبّ في الله، والبُغض في الله»، وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير الآية أنفة الذكر قوله: «وهل الدِّين إلّا الحبّ»، يعني الحبّ في الله، والحبّ لكلّ خير في هذا الوجود.
تشكّل القوانين والقيم الأخلاقية منظومة متكاملة، تؤدي وظيفة بنائية في هيكلية المجتمع القرآني وعناصر بنائه، ومَن يتابع دعوة القرآن الأخلاقية والتشريعية، وما آثر عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الهُداة (عليهم السلام) من توجيه وتعاليم يجدها دعوة إلى التعاون بين أفراد المجتمع ومؤسساته، قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (المائدة/ 2).
إنّ التعاون الذي أمر به القرآن في هذه الآية: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ لهو مفهوم عام وشامل لكلّ عمل خير ومباح، أو واجب، أو منع للفساد والتخريب والانحراف.. إلخ. التعاون المادّي والعلمي والخدمي والإنساني العام.. إلخ، وكما يعتبر التعاون من أهم عناصر بناء المجتمع وحمايته من التخريب والانحلال، والمجتمع القرآني الذي يستجيب فيه الناس لدعوة القرآن هذه، لهو مجتمع تعاوني.. تتظافر فيه الجهود والطاقات والإمكانات في مشروع البناء والتحصين والدفاع والإصلاح. وللتعاون انعكاسات وآثار نفسية إيجابية على أفراد المجتمع الذين يتعاون معهم الآخرون لحل مشاكلهم وحمايتهم. ورد عن الرسول الكريم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يغني المجتمع ويحشِّد الطاقات ويوحِّدها في مجال التعاون على البر والتقوى، قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص؛ يشدُّ بعضه بعضاً»، وقوله أيضاً (صلى الله عليه وآله وسلم): «مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». ويُشدِّد القرآن والسنة النبويّة على كلّ ذلك ليتعارف الناس ويتواصلوا ويتفاعلوا تفاعل خير بينهم؛ لبناء مجتمع متحاب متماسك متفاهم. كلّ ذلك ليتعامل الناس في الأسرة ومؤسسات الدولة والعمل والأسواق وقاعات الدرس.. إلخ، ليتعاملوا بالكلمة الطيبة والقول الحسن.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق