• ٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الوظيفة الاجتماعية للأسرة في الإسلام

الوظيفة الاجتماعية للأسرة في الإسلام

تلعب الأسرة دوراً مركزياً في المجتمع الإسلامي، حتى أنّ بعضهم ذهب إلى أنّ "الإسلام دين الأسرة"؛ لأنّ البيت المسلم هو نواة الجماعة الإسلامية وهو الخلايا التي يتألف منها. والأسرة هي مجموعة من العلاقات التي تبنى على نظام دقيق من الحقوق والواجبات، إذا اختلت اختل نظام الأسرة، وبالتالي نظام المجتمع ككل، وهذا النظام هو أحد تجليات العدل الإلهي في التشريع، فكانت الأحكام التي شرعتها – الشريعة الإسلامية -  للعائلة أعدل الأحكام وأوثقها وأجلها.

شرّع الله لكلّ طرف من أطراف الأسرة حقوقاً وواجبات تتلاءم مع طبيعته البيولوجية ودوره في هذا الكون، فقد قال الله تعالى عن حقوق الزوجين: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة/ 228). أي: "وللنساء حقوق على الأزواج، مثل التي عليهنّ، على الوجه المعروف، وللرجال على النساء منزلة زائدة من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف والقِوامة على البيت وملك الطلاق. والله عزيز له العزة القاهرة، حكيم يضع كلّ شيء في موضعه المناسب، وهذا هو العدل.

 

حقوق الأبناء:

وكذلك للأبناء حقوق على الأبوين كما في قوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة/ 233).

غير انّ الالتزام بالواجبات والحقوق في العلاقات الأسرية في الإسلام غير مبني على الفرض والإجبار، وإنما أضفى عليه التشريع الإسلامي لمسة من الرحمة والمودة والإحسان. فكلّ طرف من أطراف الأسرة يؤدي الواجب عليه وزيادة من باب الإحسان والفضل. قال الله تعالى: (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة/ 237). أي: "لا تنسوا – أيّها الناس – الفضل والإحسان بينكم، وهو إعطاء ما ليس بواجب عليكم، والتسامح في الحقوق". إنّ الله بما تعملون بصير، يُرغّبكم في المعروف، ويحثّكم على الفضل. وإذا كان هذا الأمر مطلوباً في الطلاق فمن باب أولى أن يكون مطلوباً أثناء العلاقة الزوجية، ذلك أنّ العلاقة الزوجية تتجاوز منطق الشراكة العادية في باقي العقود إلى منطق التكامل، بل والتماهي التام بين الزوجين حتى يصبح كلّ منهما لباساً وستراً للآخر.. (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) (البقرة/ 187).

ولتقوية هذا التفضل والإحسان بين الطرفين اعتبر الإسلام أنّ كلاً منهما مأجور على ما يقوم به من واجبات تجاه الآخر، فقد قال رسول الله (ص): "إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة".

وها هو النبيّ (ص) يدعو ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى الاستعانة بالدعاء والذكر على خدمة بيت زوجها؛ لأنّه من باب العبادة التي تتقرب بها إلى ربها، فعن عليّ بن أبي طالب (ع) أنّ فاطمة أتت النبيّ (ص) تسأله خادماً، فقال: "ألا أخبرك ما هو خير لك منه؟ تسبحين الله عند منامك ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين ثلاثاً وثلاثين، وتكبرين الله أربعاً وثلاثين".

 

التكافل الاجتماعي:

ومن هنا، فالإسلام يعتبر أداء الواجبات الزوجية والحقوق الأسرية عموماً من باب العمل الإحساني، وانّ العلاقات الأسرية نموذج متميز للتكافل الاجتماعي، فهناك تكافل بين الفرد وأسرته. وقيمة هذا التكافل في محيط الأسرة أنّه قوامها الذي يمسكها، والأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، ولا مفر من الاعتراف بقيمتها، وهي تقوم على الميول الثابتة في الفطرة الإنسانية، وعلى عواطف الرحمة والمودة، ومقتضيات الضرورة والمصلحة، كما أنّها العش الذي تنشأ فيه وحوله مجموعة الآداب والأخلاق الخاصة بالجنس، وهي في صميمها آداب المجتمع الذي ارتفع عن الإباحية الحيوانية والفوضى الهمجية.

ويتبين  هنا أمر مهم، هو أنّ العلاقات الأسرية قائمة أساساً على نظام التكافل بين أفراده، ويمكن أن أضيف أنّ نظام الأسرة يقدم خدمة اجتماعية جليلة لأفرادها؛ لأنّ فيه تلبية لحاجياتهم الطبيعية والعاطفية بشكل مدني وحضري، بعيداً عن الطابع الغرائزي والحيواني، وتوفير حضن تربوي للأطفال باعتبارهم أهم ثمرة لهذا العلاقة المحصنة بالشرع والقانون، وهذا يثمر براً متبادلاً بين الآباء والأبناء.

وبالتالي فإنّ الأسرة مؤسسة اجتماعية بامتياز، تمارس العمل الاجتماعي من خلال قيام كلّ عنصر منها بواجباته الأطراف الأخرى، فيتجلى بذلك العدل الإلهي: سواء التشريعي من خلال حفظ الحقوق بشكل طوعي، أو الاجتماعي من خلال الموازنة بين الحاجيات الغريزية لكلّ من الذكر والأنثى، وبين النظام الأخلاقي العام للمجتمع.

 

الكاتب: يوسف لوكيلي

ارسال التعليق

Top