كان الإمام عليّ (ع) من الشخصيات البارزة في التاريخ الإسلامي، حيث كان (ع) معروفاً بالفضل والتقوى والرؤية الفقهية والقضائية والجهاد في سبيل الله تعالى وفي كافة الصفات الإنسانية العالية. وبسبب هذه الجدارة رُشِّح (ع) من قِبَل رسول الله (ص) وبأمر من الله تعالى في مناسبات عديدة لقيادة المسلمين وخلافة رسول الله (ص)، وأهمّها هو ما حدث في يوم الغدير، حيث تم تنصيب الإمام عليّ للولاية والخلافة.
إنّ ولاية أمير المؤمنين (ع) الثابتة له من الله تعالى وعلى لسان النبيّ (ص) بالنصوص المتكاثرة، هي ولاية ناجزة غير موقوفة على تحقيق وفاة النبيّ (ص) ولا على بيعة أحد من المسلمين، إذ هو مع البيعة ومن دونها ولي كامل الولاية، لأنّ الولاية التي تكون من الله تعالى هي ولاية إلهية وحقّ وتخويل إلهي لا دخل للناس في تحققه لا سلباً ولا إيجاباً، فلا إقبال الناس ينشأ ذلك الحقّ، ولا إعراضهم يسلب تلك الولاية عن صاحبها المعين من الله تعالى.
خلافاً لما قد يتوهمه البعض من أنّ الإمام (ع) بعد يوم الغدير هو إمام بالقوّة لا بالفعل، وإنّما يصبح إماماً فعليّاً وتتم له الولاية الفعلية، ببيعة الناس وتمكينهم له من رقابهم وخضوعهم لأوامره.
استلم الإمام علي (ع) الخلافة في الخامس والعشرين من شهر ذي الحجّة، واستقبل (ع) تخطيطه في ضوء الإسلام وبهدي القرآن وأضواء السُّنة بكثير من التقوى والورع، وكان جديراً بأن يختار الأمثل فالأمثل وقد فعل هذا بكلّ أمانة. وهكذا أصبح الإمام عليّ (ع) الخليفة الفعليّ للمسلمين، واجتمعت بيديه مقاليد الأمور، فثاب إلى المجتمع هدوء مشفوع بالأمل وارتقاب فجر جديد، وبدأ (ع) أوّل ما بدأ بإعطاء الحقّ إلى الشعب، فقد وجد أنّ مشاكلهم المعلقة أضحت مزمنة، لم يبت فيها بشيء، فعطف على آلام هذا الجمهور وواساه بنفسه وقلبه ما وجد إلى ذلك سبيلاً.
جعل الإمام (ع) في عهده رضا الأغلبية واحترامها أساساً في الحكم مادام هذا الرضا ينسجم مع العدل في منظوره الإسلامي، «وليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها في الحقّ، وأعمّها في العدل وأجمعها لرضا الرعية، فإنّ سخط العامّة يجحف برضا الخاصّة (أي يذهب به)، وإنّ سخط الخاصّة يُغتفر مع رضا العامّة وإنّما عماد الدين وجماع (جمع المسلمين)، والعدة للأعداء العامّة من الأُمة، فليكن صفوك لهم، وميلك معهم».
كانت الدولة في نظره مختلفة عنه شخصياً، على أساس أنّها سُلطة من الله تعالى، وشعب من البشر الذين هم إمّا أخٌ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخُلق، وأنّ أموالها هي أموال الله وأموال المسلمين، وليست أموال الخاصّة.
إنّ رؤية الإمام عليّ (ع) للحكم تتلخّص في أنّ الحكم والمنصب ليس إلّا وسيلة لخدمة الناس وإحقاق الحقّ ودحض الباطل وإجراء العدالة الاجتماعية في المجتمع على كافة المستويات لاسيما الاقتصادية، والاستفادة من الإمكانات العامّة، ومكافحة الفوارق الطبقية الكبيرة في المجتمع.. وقد التزم الإمام (ع) بهذا المنهج إلى أبعد الحدود.
لقد عاش الإمام عليّ أمير المؤمنين (ع) غاية الزهد والبساطة في الحياة، كما كان يوصي عمّاله بالاعتدال والعزوف عن زخارف الدنيا. وهذه الخصوصية أي عزوفه عن زخارف الدنيا هي من أبرز خصائصه الذاتية وسيرة حكمه. حكم كان يمتلك كلّ مقومات العدل والحقّ.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق