قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف/ 103-104).
- الحلّ في اللجوء إلى الله تعالى:
أهمّ ما في الدِّين هو أنّه يعطينا، حتى في أشدّ الظروف والأوضاع الصعبة، الطمأنينة وهدوء النفس والاستقرار والسكينة والأمل والرجاء. ولا يوجد شيء في هذا الوجود يمكنه أن يمنح الإنسان هذا المستوى في مواجهة المشاكل والصعوبات والمآسي والأحزان غير الدين. يقول الله سبحانه وتعالى: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28). أيّاً تكن المأساة والأحزان والمعاناة التي تعيشها بسبب ظروف شخصيّة أو اجتماعية أو سياسية أو أمنية أو تهديدات أو جوع أو فقر، وغير ذلك.. عندما تلجأ إلى الله سبحانه وتعالى، عندما تذكر الله سبحانه وتعالى وتعود إلى الله عزّ وجلّ، عندما تجلس بين يدي الله سبحانه وتعالى لمناجاته ولدعائه، يمكنك أن تشكي له كلّ آلامك ومعاناتك وصعوباتك وأحزانك ومآسيك. وهنا، أنت لا تتكلّم مع فقير مثلك، حين تقول له أنا فقير، فيجيبك: أنا فقير مثلك،.. أنت لا تشكو إلى مثيل لك ولا حتى إلى قادر أو غني محدود القدرة ومحدود الغنى، أنت تشكو إلى الله سبحانه وتعالى، وتتحدّث مع الله سبحانه وتعالى، وتلجأ إلى الله سبحانه وتعالى الغني القادر العالم الذي يعلم ما في أنفسنا، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، والقادر الكريم؛ لأنّه يوجد قادر من الممكن ألّا يساعدك، والغني الجواد؛ لأنّه ممكن أن يكون هناك غني ولا يمدّ لك يد العون. يقول تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/ 186). وعن النبي (ص): لا تعجزوا عن الدعاء، فإنّه لم يهلك مع الدعاء أحد. وليسأل أحدكم ربّه؛ حتى يسأله شسعَ نعله إذا انقطع. واسألوا الله من فضله فإنّه يحبّ أن يُسأل. وما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثمٌ ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله تعالى بها إحدى ثلاث: "إمّا أن يعجّل له دعوته، وإما أن يدّخرها له في الآخرة، وإمّا أن يكفّ عنه من الشر مثلها، قالوا: يا رسول الله إذن نكثر، قال: الله أكثر". أنت تتكلّم مع من بيده ملكوت السماوات والأرض، تناجيه وتلجأ إليه. هذا اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، أولى نتائجه السريعة الهدوء والطمأنينة والسكينة. مهما فتّشتم في علم النفس التربوي والاجتماعي ولدى أطباء النفس وغيرهم فلن تجدوا هذا العلاج عند أحد، ولكنّكم ستجدون العلاج عند محمد بن عبدالله (ص) وفي آيات الله التي أنزلت على قلبه الشريف، وفي الآيات الكريمة: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 155-156)، كيف نواجه هذا النقص وهذا البلاء وهذه المحنة في الأموال، في الأنفس، في الثروات؟! "إنا لله" ليست مجرد كلمة تقال؛ "إنا لله" تعني نحن مُلك له، ونحن عبيده؛ نواصينا بيده، يفعل بنا ما يشاء. "إنا لله وإنا إليه راجعون" فعندما نكون عبيداً له، نرضى بما يرضاه لنا، نرضى ونهدأ ونطلب منه أن يُعيننا، وأن يدفع عنّا البلاء، وأن يرفع عنا الامتحان، وأن يُعطينا الصبر والثبات والنجاح والنصر والعزّة. "وإنا إليه راجعون" عبارة تقول لنا إنّ هذه الحياة التي نعيشها هي حياة محدودة، وبالتالي، لا تستحقّ أن تضيّع آخرتك من أجل بعض المحن وبعض الصعوبات وبعض الأحزان في الدنيا، فترتكب المعاصي والذنوب وتفرّ من الشيطان. - الدواء في بيوت الله: يقول تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (الأعراف/ 31). المساجد، هذه المؤسّسات العباديّة الإيمانيّة التربوية هي شفاء للناس وهي حاجة روحيّة ونفسيّة واجتماعيّة وأخلاقيّة، هي حاجة جهاديّة وسياسيّة وأمنيّة أيضاً؛ في بيوت الله عزّ وجلّ، نقرأ القرآن ونستمع إلى الوعظ والإرشاد ونتعرّف على حقائق الوجود، فنفهم معنى الدنيا ومعنى الآخرة، ومعنى الامتحان ومعنى البلاء، ومعنى الصبر ومعنى تحمّل المسؤولية. في بيوت الله عزّ وجلّ، نشحذ الهمم والعزائم والإرادات؛ في بيوت الله عزّ وجلّ، نحمل روح الإنسانية ونجسِّدها ونعمِّقها في أرواحنا وفي أنفسنا. في بيوت الله عزّ وجلّ، نداوي قلوبنا وجروح أنفسنا التي تطالها السهام من كل حدب وصوب، وبالدرجة الأولى نحصل على هذا الهدوء وعلى هذه الطمأنينة. في الدِّين وفي بيوت الله يتحصّل لنا الأمل. المصدر: كتاب (سلسلة الدروس الثقافية (37)/ مواعظ شافية)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق