• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

صعوبات يواجهها أشقاء الأطفال المعوقين

صعوبات يواجهها أشقاء الأطفال المعوقين

علاقتهم ليست كمثيلتها بين الإخوة الطبيعيّين

لاشكّ في أنّ أشقاء وشقيقات الأطفال من ذَوي الاحتياجات الخاصة، في حاجة هم أنفسهم إلى احتياجات خاصة. فشقيقهم أو شقيقتهم من ذَوي الاحتياجات ينال أو تنال القسط الأوْفَر من اهتمام الأم.

وهذا ما يُولّد المزيد من الصعوبات لهم ولأهلهم على حَدّ سَواء.

في حين يُشكّل وجود طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة تحدياً حقيقياً للإخوة والأخوات، إلا أنّه يوفر لهم فرصاً جَمَّة لاكتساب العديد من الصفات. إذ إنّ الطفل الذي ينشأ مع شقيق أو شقيقة من ذوي الاحتياجات الخاصة يكون قادراً على تطوير العديد من الصفات الجيدة، مثل: الصبر، العطف والمُساندة، القبول بالآخر المختلف، الرحمة المودة، التعاطف مع الآخرين، التبصُّر في التعامل مع التحديات، الثقة والإخلاص. ويكتسب الطفل هذه الصفات من خلال وقوفه إلى جانب شقيقه أو شقيقته المعوقة.

 

مُعاناة:

قد يُعاني الإخوة في بعض الأحيان، صعوبات في التأقلُم بسبب كونهم أشقاء طفل من ذَوي الاحتياجات الخاصة. وقد يكون لديهم العديد من المشاعر المختلفة وحتى المتناقضة، ومنها:

القلق على الشقيق أو الشقيقة. الغيرة من الاهتمام الذي يحظى به الشقيق أو الشقيقة. الخوف من خسارة الشقيق أو الشقيقة. الغضب، لأنّهم لا ينالون الاهتمام اللازم. الاستياء، لأنّه يتوجّب عليهم الشرح، وتقديم الدعم، و/ أو العناية بشقيقهم أو شقيقتهم المعوقة. الاستياء لعدم قدرتهم فعل أي شيء أو الذهاب إلى أي مكان بسبب شقيقهم أو شقيقتهم المعوقة. الحرج بسبب اختلاف شقيقهم أو شقيقتهم عن الأطفال العاديين. الضغط لأنهم مختلفون عن شقيقهم أو شقيقتهم، أو لأنهم يستطيعون فعل ما لا يستطيع فعله. الذنب بسبب المشاعر السلبية التي يكنّونها لشقيقهم أو شقيقتهم، أو بسبب اختلافهم عنه أو عنها. عندما تتجاوب الأُم مع الاحتياجات الفردية لكل طفل من أطفال العائلة، يمكن أن تستطيع التخفيف من هذه المشاعر الصعبة.

 

التأثر:

كيف يتأثر الإخوة بشقيقهم أو شقيقتهم من ذَوي الاحتياجات الخاصة، يتأثر الإخوة بأي طفل ينال القسط الأكبر من اهتمام أو وقت الأُم. فبعض الأُمّهات يغفلن عن احتياجات الأطفال الآخرين، أثناء محاولتهن مساعدة طفلهن من ذوي الاحتياجات الخاصة. في أحيان كثيرة، تسبب تصرفات الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة إحراج أشقائه أو شقيقاته. فيشعر هؤلاء بالذنب لأنهم شعروا بالحرَج، أو لأنهم يشعرون بمسؤوليتهم عنه وعن تصرفاته. لذا، من المهم أن تكون الأُم صريحة مع أطفالها الصغار منذ البداية، وتطُلعهم على وضع شقيقهم الصحي الذي يجعله يأتي بتصرفات تُحرجهم. كما من المهم أيضاً أن تتفهّم هموم ومخاوف الإخوة من شقيقهم أو شقيقتهم من ذوي الاحتياجات الخاصة. مثلاً، قد يعتقد البعض من الأشقاء أو الشقيقات أن مرض الشقيق مُعدٍ. لذا، يجب منح أشقاء أو شقيقات طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة فرصة للإعراب عن مخاوفهم التي يجب أن تأخذها الأُم بعين الاعتبار. إذا لاحظت الأم أنّ الشقيق، أو الشقيقة، لا يتفهّم وضع شقيقه من ذوي الاحتياجات الخاصة أو لا يتقبّله، ويبدو في أغلب الأحيان غاضباً أو منزعجاً أو قلقاً أو شاعراً بالغيرة أو مكتئباً، عليها استشارة طبيب مختص ليساعده على التعامل مع هذه المشاعر، قبل أن تؤثر في حياته وفي أفراد العائلة. إنّ كل طفل في كل عائلة هو طفل فريد من نوعه ومُهم وخاص. وكذلك هي العلاقات التي تربط ما بين الأطفال. ويؤثر الإخوة والأخوات في بعضهم بعضاً ويتأثرون ببعضهم بعضاً، ويلعبون أدواراً مهمة في حياة كل منهم. في الواقع، تُشكل علاقات الإخوة والأخوات أول شبكة اجتماعية في حياة أي طفل، وتُعتبر الأساس لتفاعله مع الأشخاص خارج نطاق العائلة.

يعتبر الإخوة والأخوات رفاق اللعب الأوائل. وعندما يكبرون وينضجون تتغيّر الأدوار وتختلف عن ما كانت عليه في السابق. وعلى مَرّ السنين، يمكن أن يعني واحدهم الكثير للآخر. إذ يمكن أن يعلب دور المعلم، الصديق، الرفيق، التابع، الحامي، العدو، المنافس، المؤتمن، النموذج. يمكن أن تتأثر هذه العلاقة إذا كان أحد الإخوة أو الأخوات يشكو إعاقة أو مرضاً مزمناً.

لقد دلّت الدراسات وتجارب العائلات التي لديها طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، أنّ لهذا الطفل تأثيراً قوياً في كل فرد في العائلة، ومن بينهم الأشقاء والشقيقات. وأنّ هذا التأثير يختلف اختلافاً  كبيراً من شخص إلى آخر. ومع ذلك هناك تشابه كبير في القصص التي يرويها الإخوة أو الأخوات، عن تجاربهم التي يعيشونها مع شقيق أو شقيقة من ذوي الاحتياجات الخاصة. إذ ينظُر العديد منهم إلى هذه التجارب على أنها إيجابية وغنية، تُعلّمهم قبول الآخرين على ما هم عليه. ونتيجة لهذه التجارب، أصبح البعض منهم مُلتزماً إلى حد كبير في مساعدة الأُم على رعاية طفلها المعوق. وأصبح مالوفاً أن يُشاهد أخ أو أخت يحمي بحماسة شقيقها أو شقيقتها من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو يشعر بفرح كبير أثناء مشاهدته أو مشاهدتها تُحقق الحد الأدنى من المكاسب في مجالي التعليم والنمو.

 

تجربة مُؤثرة:

من التجارب التي رُويت على لسان إحدى الشقيقات لطفل يُعاني مرض التوحُّد، تجربة مها، وهي فتاة في السابعة عشرة من عمرها. تقول مها: "كل يوم يمر يُعلّمني شقيقي ألا أستسلم. وهو يعلم أنّه مختلف، لكنه لا يركز على هذه الحقيقة. لا يستسلم أبداً، وكلما رأيته يواجه صعوبة في الحياة. ازداد إصراراً على مواصلة العمل بجد أكبر.. لا أعرف ما كان يمكن أن أفعل من دون شقيقي. لقد غيّر حياتي.. ولو لم أكبر معه، لكنت أقل تفهّماً وصبراً وتعاطفاً مع الأشخاص الآخرين. لقد علم كل أفراد العائلة أن في إمكان أي شخص فعل أي شيء".

 

مرارة واستياء:

في المقابل، يُعاني العديد من الأشقاء أو الشقيقات مشاعر المرارة والاستياء تجاه والديهم أو الأخ أو الأخت المصابة بالإعاقة. إذ قد يشعرون بالغيرة أو بأنهم مُهْمَلون أو مرفوضون، عندما يشاهدون الأُم تُخصص جلّ وقتها واهتمامها وطاقتها والمال والدعم النفسي، للشقيق أو الشقيقة من ذوي الاحتياجات الخاصة. فكما تقول سعاد، البالغة ثماني سنوات من العمر: "أحياناً كثيرة أجلس وأفكر في أنّ هذا ليس عدلاً".

كما أن هناك العديد من الأشقاء أو الشقيقات ممّن يتأرجحون بين المشاعر الإيجابية والسلبية. مثلاً، لدى عليا، طفلة في العاشرة من العمر، شقيقة تعاني إعاقة ذهنية حادة ونوبات الشقيقة أو الصداع النصفي، وتشعر السعادة لوجود أختها في حياتها. تقول عليا: "لقد جعلتني أختي أتعرف إلى عالم من الناس، ما كان ممكناً التعرف إليهم لولاها". وتضيف: "أحياناً، أتمنّى لو كنت من ذوي الاحتياجات الخاصة. فأنا أرى أنّ الكل في المنزل يُولون اهتماماً  كبيراً لشقيقتي، في حين لا أحد يشعر حتى بوجودي".

إنّ تأثير العمل في تفاعل الإخوة مع شقيقهم أو شقيقتهم المعوقة. إنّ تفاعُل وتكيُّف الإخوة مع الشقيق أو الشقيقة من ذوي الاحتياجات الخاصة، يمكن أن يختلف باختلاف أعمارهم ومستوى تطورهم ونموهم. فكلما  كان الطفل غير المعوق أصغر سناً، زادت صعوبة تفهمه لوضع شقيقه أو شقيقته المعوقة، وقلّت قدرته على تفسير الأحداث بواقعيّة. إذ يُمكن أن تكون صورة الإعاقة مُشوّشة في ذهن الأطفال الصغار، نتيجة عدم قدرتهم على فهم طبيعة الإعاقة وعدم معرفة سببها. وقد يشعرون بأنهم المسؤولون عن إعاقة شقيقهم أو شقيقتهم، أو قد يخافون من "التقاط" عَدْوَى الإعاقة. كلما نضج الإخوة، نضج فهمهم للإعاقة أيضاً، ولكن قد تظهر مخاوف جديدة. إذ قد يقلقون على مستقبل شقيقهم أو شقيقتهم، أو حول رَدّ فعل أقرانهم نحو الشقيق أو الشقيقة، أو حول احتمال تمرير الإعاقة لأطفالهم في المستقبل.

 

دعم الطفل الطبيعي:

يُواجه أهل وأشقاء وشقيقات الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة تحدياً كبيراً يتطلب تضافر الجهود للتغلب عليه. ولأن إعاقة الطفل تُحتّم على الأُم الاهتمام به أكثر من بقيّة أشقائه وشقيقاته، فإنها تشعر بالذنب لعدم تمكّنها من تلبية مطالب الطفل الطبيعي. إنّ العلاقة بين الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة وبين إخوته الطبيعيين، لا تُشبه العلاقة بين الإخوة الطبيعيّين. فهي علاقة لا تخلو من المعاناة، لأنّ الطفل الطبيعي يُصبح في أغلب الأحيان مسؤولاً عن الاهتمام بشقيقه أو شقيقته المعوقة في حال انشغال الأُم أو غيابها عن المنزل. ولضمان علاقة إيجابية بين الإخوة جميعاً من الضروري إعدادهم جيداً.

 

اقتراحات:

في ما يلي نُقدم بعض الاقتراحات التي يمكن أن تساعد في هذا المجال.

-         الحديث عن مشاعر الطفل الطبيعي: عندما تشجع الأُم طفلها على مشاركتها أفكاره ومشاعره، وعندما تستمع إليه من دون أن تحكم، أو تلومه على مشاعره، وعندما تستمع إليه من دون أن تحكم، أو تلومه على مشاعره، فهذا يعني أنها تبعث له برسالة مفادها أنها تتفهّم مشاعره وتقبلها. قد يطرح الطفل أسئلة على الأُم من مثل "هل أنا السبب في مرض شقيقي؟". أو "هل يمكن أن يُشْفَى من مرضه؟". أو "هل يمكن أن أصاب بالعدوى؟". على الأُم الإجابة عن أسئلة طفلها بصراحة وبلغة يستطيع فهمها. عليها أن تحدّثه عن المستقبل، وعمّا يمكن أن يحصل لشقيقه أو شقيقته، وأن تكون إيجابية وواقعيّة. في إمكان الأُم اصطحاب طفلها الطبيعي معها إلى المستشفى، ليرى البيئة التي يتلقّى فيها شقيقه أو شقيقته المعوقة، العلاج والتدريب، وليسمع من الطبيب المعالج شرحاً وافياً عن الوضع الصحّي لشقيقته أو شقيقه المعوق. يجب أن يشترك كل أفراد العائلة في مساعدة الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة.

-         الاحتفال بقُدرات الطفل الطبيعي: تستطيع الأُم مساعدة طفلها على تكوين صورة إيجابية عن ذاته، وعلى أن يكون واثقاً بنفسه، وذلك من خلال التركيز على ما يُجيد عمله ويستمتع به. إنّ التفكير الإيجابي والثقة بالنفس عاملان يساعدان الطفل على الشعور بأنّه جزء مهم في العائلة، حتى لو لم تُوله الأُم الأهمية الكافية، بسبب انشغالها بشقيقه أو شقيقته المعوقة.

-         العمل على حل المشكلة: لابدّ من أن تُواجه كلّ من الأُم والطفل مشاكل يومياً. من المهم أن تشارك الأُم طفلها في حل المشاكل والتغلب عليها. مثلاً، قد تُلاحظ الأم أن طفلها غاضب بسبب تصرفات شقيقه أو شقيقته المعوقة. في إمكانها في هذه الحالة، أن تقول له: "يبدو أنك غاضب لأن شقيقك المعوق لم يسمح لك بمشاهدة برنامجك التلفزيوني المفضَّل". إذا تمكنت الأم من تهدئة طفلها، يمكن أن يتعاونا معاً لحل المشكل. بالاعتماد على عمر الطفل، يمكن أن تحتاج الأُم إلى بذل جُهد أقل أو أكثر، للعمل على تهدئة طفلها والتوصُّل إلى حل لمشاكله.

-         إعداد برامج يشارك فيها جميع الإخوة والاخوات: على الأُم وضع برنامج للتسلية واللعب، يشارك فيه جميع الإخوة والأخوات، بمن فيهم الطفل المعوق. وإذا حصل جدال أثناء اللعب أو تقاتل، فعلى الأُم أن تنظر إلى الأمر على أنّه تفاعل نموذجي طبيعي، كما يحصل عادةً بين الإخوة الطبيعيّين، وأن تتصرف بشكل طبيعي عند محاولة حل النزاع بين الإخوة. إذا كان الطفل المعوق هو الذي تسبب في الإشكال، فعليها أن تُعاقبه تماماً كما تعاقب الطفل الطبيعي، حتى يشعر الجميع بالعدل والمساواة، الأمر الذي يُعزز من علاقة وتفاعُل الطفل الطبيعي بشقيقته أو شقيقه المعوق.

ارسال التعليق

Top