• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تحلي أفراد المجتمع المسلم بالخُلق الحسن

تحلي أفراد المجتمع المسلم بالخُلق الحسن

◄نتفق جميعاً على أن الأخلاق الحسنة لازمة المجتمع السعيد، وانّها بمنزلة القلب والضمير إلى جانب العقل والتفكير، وأن التطور التقني والفتوحات العلمية لن تعمّ الجميع إلّا من خلال منظومة القيم الأخلاقية، بيد أنّنا نختلف في كيفية وقوف هذه القيم على أرض الواقع، كما تقف القيم المادية اليوم وبقوة.

الباحثون في شأن السيرة النبوية، وأيضاً سيرة الأئمة المعصومين، والأولياء الصالحين، ليس فقط يكشفون الوجه الأبرز من حياتهم المليئة بالمكارم والفضائل بما يسع العالم، وليس فقط أبناء قومهم في فترات حياتهم، إنّما يسلطون الضوء أيضاً إلى الوجه الآخر لسيرتهم وكيف أوجدوا المصاديق العملية للأخلاق في مجتمعاتهم، بل وكيف شقوا طريق الأخلاق وسط جدب النفوس وتمردها على الأخلاق وكلّ ما يلزم الإنسان من أحكام وأخلاق وآداب.

إن الابتسامة مقابل جذب رداء النبي بعنف، ومعها المناداة بـ"اخرج الينا يا محمد..."! أو الابتسامة أمام من يكيل الشتم والاتهام لأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، أمام ولده الحسن، وهو يعيش الأيام الاولى لفقد أبيه، وغيرها من المواقف المماثلة، لم تكن عجزاً عن مواجهة الطرف المقابل بشكل حازم وقاطع، ومطالبته بتحسين الالفاظ واحترام الآخرين، كما قد يصدف للكثير منّا في موقف مماثل، انّما التسامي على الجراح وقدرة على الاستيعاب لتقديم الصورة المغايرة لما عليه الناس من السلوك غير الحسن، هو الذي وفر لنا كلّ هذا الإرث العظيم من مواقف أخلاقية نطالعها في الكتب ونقف أمامها بغير قليل من الإعجاب.

في دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد (ع)، يدعو الله سبحانه وتعالى بأن "سددني لأن اعارض من غشّني بالنصح، وأجزي من هجرني بالبر، وأثيب من حرمني بالبذل، وأكافئ من قطعني بالصِلة، وأخالف من اغتابني إلى حسن الذكر، وأن اشكر الحسنة وأغضّ عن السيئة". بما يعني أن التحلّي بالأخلاق الحميدة تحتاج لثمن باهض، وهو ليس بمستحيل قطعاً لطالبه، وهل عجز الإنسان يوماً أمام العلم والمعرفة؟ فالتوصل إلى الحقائق العلمية والمكتشفات والاختراعات لم تكلف أصحابها جهداً عضلياً وذهنياً خاصاً بهم بين جدران بيوتهم فقط، بل تعدّى في كثير من الاحيان إلى تحديات ماحقة تعرضوا لها من المحيط العلمي ثم الاجتماعي وحتى السياسي كما حصل للعلماء الذين اصطدموا بسلطة الكنيسة في سالف الزمان وما جرى عليهم من التنكيل والقتل بأبشع الصور.

وبما أن التحلّي بالأخلاق الحسنة هي مسألة نفسية، فإنّ اتخاذ الموقف الايجابي إزاء الموقف السلبي في العلاقات البينية والاجتماعية، يتطلب قدراً كبيراً من الاستيعاب والتفهّم، وإلّا لن يكون للأخلاق مكانة في العلاقات الاجتماعية مطلقاً، وهذا يعني -فيما يعنيه- أن يكون الإنسان متسلحاً بقوة النفس والشجاعة ليكون مؤهلاً للتحلّي بالاخلاق الحسنة، ومن الأمثلة على ذلك؛ مطالبة البعض بأن يكون الطرف الآخر هو المبادر للصلح والتنازل عما بدر من خطأ أو تجاوز يتهم الجانبان إن الآخر هو البادئ، وفي أبسط الامور؛ نلاحظ حالة سائدة بأنّ البعض يتوقع ممن يصادفه في الطريق أو مكان عمله، بأن يكون هو المبادر لأداء التحية والسلام!

هذه ربما من الأمور البسيطة في حياتنا اليومية، ولكنها تمثل -مع سلسلة من المفردات اليومية- المنظومة الأخلاقية التي تضمن أمن واستقرار المجتمع، وتضخ الدفء في العلاقات البينية والاجتماعية، انطلاقاً من داخل الاسرة ومروراً بالمجتمع، وحتى العلاقة بين عامة الناس والمسؤول في الدولة.

اذا اردنا للصفات الحسنة أن تسود في العلاقات فيما بيننا علينا الاستعداد أولاً؛ لتحمل ثمن سيادة هذه الأخلاق في تعاملاتنا اليومية، ثم تجاوز الإطار الذاتي المقدس لدى الكثير وأنّه يختلف عن الآخرين في فهمه وعلمه وثقافته، والتطلع إلى عامة الناس على أنّه جزء منهم، وهكذا كان الأنبياء والأئمة والمصلحون، مع الالتزام بالمبدأ الأساس الذي ثبته أمير المؤمنين (ع) بأن "كن في الناس ولا تكن منهم"، أي ليس بالضرورة أن يتبنى سلوكهم وافكارهم، بل يقدم لهم البديل الأفضل مهما كلفه ذلك من الصمت أمام الاستفزاز والنكران والخذلان، إلّا ان النتيجة تكون باهرة لأن (العاقبة للمتقين)، وهكذا فعل الأنبياء، لاسيما النبي الأكرم، والأئمة من بعده، والأولياء الصالحين، صبروا أياماً قلائل ثم زرعوا الأخلاق الحميدة ليخلفوا للأجيال على طول الزمن، إرثاً حضارياً راقياً.►

ارسال التعليق

Top