يقول سبحانه وتعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة/، 185). أيّ أن على من حضره وعاشه أن يصومه، فإنّ الله أراد للإنسان في شهر رمضان، أن يكون إنسان القوّة في الإرادة، والوعي في مضمون الإرادة، فليست المسألة فقط أن تكون إرادتك قويّة، بل أن تكون ذات مضمون ينفتح على الحقّ، وعلى ما يحبّه الله ويرضاه. ولذلك، فإنّه سبحانه وتعالى أراد الصوم تدريباً لإرادتك في خطِّ التقوى، وليس تدريباً لإرادتك لتكون امتيازاً شخصيّاً لك، فتحركها في خطّ الشّر، أو خطّ الضّلال، أو أيّ خطّ منحرف آخر، فالله في الوقت الذي يريد للإنسان أن يكون قويّ الإرادة، يريده أيضاً أن يكون واعي الإرادة، حتى لا تتحرك إرادته في مواقع الاهتزاز في خطوط الشرّ والباطل.
ولذلك، يريد الله لإنسانيّتك أن تكون في عناصرها الحيّة غنيّة بمبادئك، والكثير من الناس يحاولون إغناء شخصيّاتهم بالقوّة والبطولة والصحّة والعافية والموقع، ولكن من دون مضمون ينفتح على المبادئ، حيث يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): «واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن جميع نواحينا، حفظاً عاصماً من معصيتك، هادياً إلى طاعتك، مستعملاً لمحبّتك»، فلا أريد يا ربّ أن تحفظني حفظاً أستخدمه في معاصيك، أو أتحرّك به على خلاف طاعتك، أو أبتعد به عن مواقع محبّتك، بل أعطني الحفظ الذي يجعلني الإنسان الذي ينفتح عليك بمسؤوليّاته كلّها وبمحبّته كلّها. ونقرأ في الدُّعاء: «واجعل الحياة زيادة لي في كلّ خير، والوفاة راحة لي من كلّ شرّ»، فإذا أعطيتني ـ يا رب ـ الحياة، فلتكن حياتي في الخطِّ التصاعديّ باتجاه الجنّة، وإذا قضيت عليّ بالوفاة، فاجعل الوفاة نهاية الشّرور. وفي دعاء (مكارم الأخلاق)، يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): «وعمّرني ما كان عمري بذلة في طاعتك»، فعندما يكون عمري مبذولاً في عناصره كلّها في سبيل طاعتك، فامدد في عمري، «وإذا كان عمري مرتعاً للشيطان»، يذهب الشيطان به ويجيء، «فاقبضني إليك»، فأنّا لا أحبّ العمر الذي يكون في قبضة الشيطان وأجوائه، بل أحبّ الحياة في خدمتك. أما الحياة التي تكون في خدمة الشيطان، فهي موت يأخذ معنى الحياة، فلا أريدها، «قبل أن يسبق مقتك إليّ، أو يستحكم غضبك علي».
وفي (دعاء كميل): «لأنّه لا يكون إلّا عن غضبك وانتقامك وسخطك، وهذا ما لا تقوم له السموات والأرض. يا سيدي، فكيف وأنا عبدك الضّعيف الذليل المسكين المستكين!». ونقرأ كذلك في دعاء أبي حمزة الثّمالي في السحر: «واجعلني ممن أطلت عمره، وحسّنت عمله، وأحييته حياة طيبة في أدوم السرور، وأسبغ الكرامة، وأتم العيش». وقد ورد في الحديث: «لا تتمنّ الموت إلّا بشرط وثيق»، أي لا تتمنّاه من خلال أزمة نفسيّة، أو عاطفيّة، أو اقتصاديّة، أو ما أشبه ذلك، بل تمنّاه عندما تستكمل كلّ مسؤوليّاتك في الحياة، وعندما تشعر بأنّك عندما تلاقي وجه الله، فإنّك تلاقيه وأنت نقيّ الثوب من كلّ الذنوب. ومن هنا، فإنّ مسألة تربية الصوم للإرادة في مضمونها الإسلامي، هي معنى تقوى الله، وإذا عرفنا أن معنى تقوى الله هي أن لا يراك حيث نهاك، وأن لا يفقدك حيث أمرك، نعرف أن تقوى الله تجمع كلّ مفردات حياتك فيما تأخذ به وفيما تدع. وهكذا، كانت مسؤوليتنا في الصوم مسؤولية تشمل كلّ مواقعنا الإنسانية الداخلية والخارجية، وهي أن تكون لك إرادة البحث عن الحقيقة دون تعصّب، وإرادة كلّ الذين يتحركون في خطّ الحقّ دون خوف، وإرادة المواجهة لكلّ الذين يقفون في وجه الرسالات دون ضعف، ولذلك كان شهر رمضان شهر الإسلام في مواقع القوّة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق