• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حرمة المؤمن وكرامته

حرمة المؤمن وكرامته

◄لا شكّ أنّ للمؤمن حرمة عظيمة جعلها الله تعالى له كرامة لإيمانه ولكلمة التوحيد التي نطق به، فميَّزته عن الكافرين بأصنافهم.

وكفى للمؤمن عزّاً أن يكون الله جلّ جلاله العظيم الجبّار وليَّه في تسديده وتأييده.‏ يقول سبحانه في محكم التنزيل:﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ (البقرة/ 257)‏.

وبعد ولاية الله للمؤمن، جعل المؤمنين جميعاً أولياء لبعضهم البعض، فهم كالجسد الواحد، قال تعالى:‏ ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾‏ (التوبة/ 71).

ومن فضله سبحانه، أن منَّ على المؤمن بأن جعل عزّته من عزّته عزّوجلّ، وليس وراء هذه الكرامة كرامة.‏ قال جلّ جلاله: (وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون/ 8).

وأمر سبحانه بالتواضع بين المؤمنين حبّاً لهم، فقال: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الشعراء/ 215).

الكرامات الخاصّة بالمؤمنين

كما أنّ المؤمن ليس كغيره في عزّته وكرامته وحرمته وآخرته، كذلك كانت له مزايا وكرامات يختصّ بها دون غيره من البشر، والمتأمِّل في شريعة الله تعالى وتفاصيل الأحكام الفقهية يرى أنّ للمؤمن أحكاماً تخصُّه في سائر المجالات في الطهارة والزواج والدفن والسلام والمال والحدود وحرمة المال والنفس وقضاء الحاجة، وهذا فضلٌ من الله تعالى.‏

فهو الذي له شأنٌ عند خالقه، وعند أهلِ السموات والأرض وتُجلِّله الرحمة بمجرَّد أن يتعامل مع الآخرين بصفته الإيمانية.‏

رُوِي عن أبي عبدالله الصادق (ع) قولُه: «إنّ المؤمن ليزهر نورُهُ لأهل السماء كما تَزهر نجومُ السماءِ لأهل الأرض».‏ وفي نصٍ أنّه (ع) سُمِع يقول: «ليس لأحدٍ على الله ثوابٌ على عمل، إلّا للمؤمنين».‏ وفي فضل المؤمنين يقول (ع): «إذا التقى المؤمنان كان بينهما مائةُ رحمة، تسعُ وتسعون لأشدِّهما حبّاً لصاحبه».‏ ويقول (ع): «إنّ المؤمنَيْن ليلتقيان فيتصافحان، فلا يزال الله عليهما مقبلاً بوجهه، والذنوب تتحات عن وجوههما حتى يفترق».‏

فضح المؤمن وأذيَّته يقرب من الكفر

من جملة الكرامات المجعولة للمؤمن عدم جواز التجسُّس عليه وأذيَّته أو فضحه في خصوصياته التي لا يُريد لأحدٍ أن يطَّلع عليه، لذلك كان الدخول إلى بيت المؤمن أو التصرُّف بماله أو أغراضه أو الاطّلاع على حاله بحاجة إلى إذنٍ صريح منه، وإلّا حَرُمَ ذلك.‏ قال الله العزيز الحكيم: ﴿وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ (الحجرات/ 12)، وفي النصِّ الشريف: «أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يكون الرجل مواخياً للرجل على الدِّين، ثمّ يحفظ زلّاته وعثراته ليضعه بها يوماً ما».‏ عن سيِّدنا المصطفى (ص) قولُه: «ومَن عيَّر مؤمناً بشيءٍ لم يمتْ حتى يركبه».‏

التبرُّؤ من المؤمن يؤدِّي إلى الكفر

قضى الله تعالى المحبّة والولاية بين المؤمنين، وهذا يبقى ويستمر مهما وقع بينهما من سوء تفاهم أو خلاف... وعلى كُلِّ حال لا يجوز لمؤمن أن يتبرَّأ من رباط الأخوّة الذي جعله الله بينهما.‏

فالمؤمنون أخوةٌ متحابون، أمّا مَن اتّهم أخاه بالعداوة، نعوذ بالله تعالى، فهذا معرَّضٌ لذهاب إيمانه.‏ يقول الله عزّ ذكره: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ (الأنفال/ 63).‏ ويقول سبحانه: ﴿فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران/ 103).

وفي الحديث الشريف: «ما من مؤمنَيْن إلّا وبينهما حجاب، فإن قال له: لستَ لي بولي فقد كفر، فإن اتّهمه فقد انماث الإيمانُ في قلبه، كما ينماث الملحُ في الماء».‏ وعن أبي عبدالله الصادق (ع): «لو قال الرجل لأخيه أُفٍّ لك، انقطع ما بينهم، قال: فإذا قال له: أنت عدوّي فقد كفر أحدهم، فإن اتّهمه انماث الإيمانُ في قلبه، كما ينماث الملح في الماء».‏

من حقّ المؤمن على أخيه النصحية والنصرة

من الواجب الشرعي نصرةُ المؤمن عند حاجته لذلك، وعنده، لا يجوز خذلانه أو التغاضي على ما هو فيه وتركه يُواجِهُ وحيد، كذلك تجب النصيحة، ومَن أهمل ذلك، تصدَّى الله تعالى للانتقام منه جزاءً لإهماله أخيه.‏

ورد في الحديث الشريف أنّ النبيّ (ص) سأل ربَّه، قال: «يا ربِّ ما حالُ المؤمن عندك؟ قال: يا محمّد، مَن أهان لي ولي، فقد بارزني بالمحاربة، وأنا أسرع شيءٍ إلى نُصرة أوليائي».‏

عن الإمام الصادق (ع)، قال: «ما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا خذله الله عزّوجلّ في الدُّنيا والآخرة».‏ وقال (ع): «أيُّما مؤمن مشى مع أخيه في حاجة ولم يُناصِحه، فقد خان الله ورسوله».‏

حرمة المؤمن لا توصف

إنّنا ونحن في هذه الدُّنيا نُقارن آلاء وآلام الآخرة مع المحيط الذي نعيش، فنظن أنّ عطايا الله مثلاً كعطايا ملوك الدُّنيا أو أكثر بقليل، مع أنّ شيئاً من لذّات الآخرة لا يُقاس بكلِّ لذّات الدُّنْي.‏

ومن هذا الباب لا يُمكن أن يُقاس ما ذُكر عن كرامة المؤمن في هذا الحديث وفي غيره بأيِّ مقياس أو ميزان.

فالعناية الربّانية هي التي تُحكِّمُ الودّ والمحبّة بين المؤمنين، وتُجدِّد عهد الأخوّة فيه سبحانه وتعالى.‏ انتهى كلامه، رُفع في الجنّة مقامه.‏

وفي حرمة المؤمن التي لا توصف ولا يعرفُ قَدْرها أحدٌ من البشر، ورد في الحديث الشريف:‏  «إنّ لله عزّوجلّ في الأرض حرماتٍ، حرمة كتاب الله، وحرمةَ رسول الله، وحرمةَ أهل البيت، وحرمةَ الكعبة، وحرمةَ المسلم».‏

ومضات: الحرمة هي الحقّ الواجب المراعاة والتعظيم، وهي التحرُّج عن المخالفة والمجاسرة.‏

قال الله جلّ جلاله: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ (الحجّ/ 30).

‏نصوص مباركة

نظر النبيّ (ص) إلى الكعبة فقال:‏

«مرحباً بالبيت ما أعظمك وأعظم حرمتك على الله والله للمؤمن أعظم حرمةً منك لأنَّ الله حرَّم منك واحدة ومن المؤمن ثلاثة: ماله ودمه وأن يُظنَّ به ظنُ السّوء».‏

وعنه أيضاً (ص):‏

«ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد فائدة الإسلام مثل أخ يستفيده في الله».‏

«إنّ المؤمن يُعرف في السماء، كما يَعرف الرجلُ أهلَه ووُلده، وإنّه لأكرم على الله عزّوجلّ من مَلَك مقرَّب».‏

«إنّ الله جلّ ثناؤه يقول: وعزّتي وجلالي ما خلقتُ من خلقي خلقاً أحبَّ إليَّ من عبدي المؤمن».

«النظر إلى الأخ تودّه في الله عزّوجلّ عبادة».‏

وعن الإمام الصادق (ع):‏

«مَن أتاه أخوه المؤمن فأكرمه فإنّما أكرم الله عزّوجلّ».‏

«مَن قال لأخيه مرحباً كتبَ اللهُ له مرحباً إلى يوم القيامة».‏

«إنّ المؤمن يخضع له كلّ شيء، ويهابه كلّ شيء، ثمّ قال: إذا كان مخلصاً لله أخاف الله منه كلّ شيء حتى هوامّ الأرض وسباعها وطير السماء، وحيتان البحر».‏

«المؤمن أعظم حرمة من الكعبة». ►

ارسال التعليق

Top