• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حقيقة الإسلام ومراتبه

جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

حقيقة الإسلام ومراتبه

◄حقيقة الإسلام:

لا شكّ في أنّ الكثير منّا يفتخر بأنّه من المسلمين ويشكر الله على نعمة الهداية إلى الإسلام، ولكن هل تأملنا في حقيقة الإسلام الذي نؤمن به؟ إنّ حقيقة الإسلام على ما ورد في الروايات هو أن يخضع الإنسان خضوعاً تامّاً لهذا الدين في كلّ ما يتعلق به من قريب أو بعيد، دون رفض لشيء ورضاً بشيء آخر، ففي الرواية عن الإمام الصادق (ع): وأما معنى صفة الإسلام فهو الإقرار بجميع الطاعة الظاهر الحكم والأداء له، فإذا أقر المقر بجميع الطاعة في الظاهر من غير العقد عليه بالقلوب فقد استحق اسم الإسلام ومعناه، واستوجب الولاية الظاهرة، وإجازة شهادته، والمواريث، وصار له ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين.

إذاً الإسلام ليس قولاً باللسان، كما أنّه ليس بالقلب فقط كما يسعى بعض الناس لتصوير ذلك بترديده لكلمة (المهم في ما القلب)، لأنّ الإسلام القلبي الذي لا يلحقه العمل لا يكون إسلاماً حقيقياً، وفي الحديث عن الإمام علي (ع): "لأنسبن الإسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحد بعدي": الإسلام هو التسليم، والتسليم هو التصديق، والتصديق هو اليقين، واليقين هو الأداء، والأداء هو العمل.

فإسلام الإنسان له تعالى هو وصف الانقياد والقبول منه لما يرد عليه من الله سبحانه من حكم تكويني، من قدر وقضاء، أو تشريعي من أمر أو نهى أو غير ذلك.

فالمسلم الحقيقي الذي يحق له أن يفتخر بإسلامه هو الذي يخضع في حياته كلّها لهذا الدين، سواء في علاقته بالله عزّ وجلّ، أو في علاقته بسائر الناس، ولذا ورد في الرواية عن رسول الله (ص): "المسلم مَن سلم المسلمون من لسانه ويده"، وفي رواية أخرى: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يشتمه"، وفي رواية ثالثة: "المسلم أخو المسلم، لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله".

 

مراتب الإسلام:

انطلاقاً من كون الإسلام هو الخضوع والانقياد التام لله عزّ وجلّ، والشامل للأمور كافة من تكوينية وتشريعية، فإنّ هذا الإسلام له مراتب:

المرتبة الأولى: من مراتب الإسلام، القبول لظواهر الأوامر والنواهي بتلقي الشهادتين لساناً، سواءً وافقه القلب، أو خالفه، قال تعالى: (قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات/ 14).

المرتبة الثانية: التسليم والانقياد القلبي للاعتقادات الحقة التفصيلية وما يتبعها من الأعمال الصالحة، قال الله تعالى في وصف المتقين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) (البقرة/ 208)، فمن الإسلام ما يتأخر عن الإيمان محققاً فهو غير المرتبة الأولى من الإسلام، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات/ 15)، وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الصف/ 10-11).

المرتبة الثالثة: هي المرتبة التي يصل فيها الإنسان إلى مرحلة تنقاد فيها سائر القوى البهيمية والسبعية، وبالجملة القوى المائلة إلى هوسات الدنيا وزخارفها الفانية الداثرة، ويصير الإنسان عابداً لله كأنّه يراه فإن لم يكن يراه فإنّ الله يراه، ولم يجد في باطنه وسره ما لا ينقاد إلى أمره ونهيه أو يسخط من قضائه وقدره.

المرتبة الرابعة: التسليم بأنّ الله له حقيقة الملك الذي لا استقلال دونه لشيء من الأشياء لا ذاتاً ولا صفةً، ولا فعلاً على ما يليق بكبريائه جلّت كبريائه. فالإنسان – وهو في المرتبة السابقة من التسليم – ربما أخذته العناية الربّانية فأشهدت له أنّ الملك لله وحده لا يملك شيء سواه لنفسه شيئاً إلا به لا رب سواه، وهذه إفاضة إلهية لا تأثير لإرادة الإنسان فيها، ولعل قوله تعالى: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة/ 128)، إشارة إلى هذه المرتبة من الإسلام.

 

التسليم والطاعة لأمر رسول الله وخلفائه:

كما يكون الإسلام الحقيقي أيضاً بالانقياد والتسليم التام لأمر رسول الله (ص) وحكمه في الأمور كافة، سواء كان ذلك في موارد الخصومة والنزاع والاختلاف، أو في الأمور العامة من الحرب والقتال والصلح ومقاطعة الكفار وغير ذلك.

ومن الطاعة للرسول الطاعة لخلفائه وهم الأئمة المعصومون المنصبون من قبله ولاة على هذه الأُمّة ولهم ما لرسول الله من منصب الولاية والطاعة.

 

كيفية التسليم:

أما كيفية التسليم في هذه الأمور فهي تكون باعتماد الخطوات التالية:

1-  التحاكم إليهم لا إلى غيرهم، فإذا وقع النزاع أو الخصام فالتحاكم ينبغي أن يكون لرسول الله (ص) والأئمة (عليهم السلام) من بعده ثمّ للفقهاء المنصبين من قبل الأئمة، لا إلى حكام الجور ودول الكفر، وذلك لعدم إمكان الجمع بين الكفر بالطاغوت والتحاكم إليه، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا) (النساء/ 60).

2-  أن لا يشعروا بأي انزعاج أو حرج في نفوسهم تجاه أحكام الرسول (ص) وأقضيته العادلة التي هي – في الحقيقة – نفس الأوامر الإلهية، ولا يسيئوا الظن بهذه الأحكام.

3-  أن يطبقوا تلك الأحكام – في مرحلة تنفيذها – تطبيقاً كاملاً ويسلموا أمام الحقّ تسليماً مطلقاً، فقد روي عن الإمام الصادق (ع) في تفسير هذه الآية أنّه قال: "لو أن قوماً عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان ثمّ قالوا لشيءٍ صنعه الله أو صنعه رسوله (ص): لِمَ صنع هكذا وكذا، ولو صنع خلاف الذي صنع، أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين، ثمّ تلا هذه الآية (الحاضرة) ثمّ قال (ع): عليكم بالتسليم".►

 

المصدر: كتاب منازل الآيات/ سلسلة الدروس الثقافية (24)

ارسال التعليق

Top