• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

دلائل حب الإنسان لله تعالی

دلائل حب الإنسان لله تعالی

◄إذا أردنا أن نختبر أنفسنا فی معرفة مدی حبّنا لله عزّوجلّ، فثمة دلائل وإشارات وأسئلة، تتبیّن من خلال طرحها بصراحة الإجابة عنها بصدق علی مستوی هذا الحبّ، ومن ذلك

- استصغار الطاعة واستعظام الذنب:

سأل أعرابيّ الإمام عليّ (ع) عن درجات المُحبِّین، فقال (ع):«أدنی درجاتهم مَن استصغرَ طاعته واستعظمَ ذنبه، وهو يظنّ أن لیس في الدّارینِ مأخوذٌ غیره. فغشي علی الأعرابيّ (غاب عن الوعي)، فلمّا أفاق، قال: هل درجة أعلی منها؟ قال: نعم، سبعون درجة»!!

إنّ (استصغار الطّاعة) و(استعظام الذّنب) کفیلان بإصلاح حال المُحبّ ورفع درجته عند الله. بل أنّ بعض المُحبِّین یطلبون إلی الله تعالی أن یُنسیهم حسناتهم وأعمالهم الصالحه، حتی لا یشعروا بحالة المنّ ویسألوه أن یضع سیِّئاتهم ومنکراتهم دائماً تحت أعینهم حتی یتوبوا ویستغفروا ویستدرکوا.

واستصغار الطاعة لیس حالة تواضعیة فقط. بل إنّ الإنسان المُطیع لو قارنَ نفسه بأهل الطاعة من الأنبیاء والأوصیاء والأولیاء والعلماء، لرأی أنّ أعماله فی قِبال أعمالهم قطرات في بحر. کما أنّ استعظام الذنب لیس مبالغة أو تضخیماً للجرم، بل لأنّ المُحبّ الحقیقي لا ینظر إلی مَن عصی فیستعظم جرمه وجرأته ووقاحته وتعدِّیه، وهذا المنحني التربوي یساعد علی الارتقاء في درجات الحُبّ.

- عدم اجتماع حُبیّن متنقاضین فی القلب:

قال رسول الله (ص):«حُبُّ الدُّنیا وحُبّ اللهِ لا یجتمعان فی قلبٍ أبداً».

هذا أیضاً مجسّ آخر للاختبار، فحبّ الدّنیا المُراد منه الاستغراق والانشغال فیها وبها لدرجة نسیان الله والآخرة، والانصراف عن ذکر الله، والابتعاد عن المسؤولیات الشرعیة المُترتِّبه بذمة کلّ إنسان مکلّف، أمّا طلب الدنیا للآخرة فهو من الآخرة، وقد میّز المُحبّون بین الاثنین.

 یدخل الإمام عليّ (ع) علی صاحبه (عاصم بن زیاد) فیری سعة داره، فیقول له: ما تفعل بهذه الدار وأنتَ إلی سعتها في الآخرة أحوج؟ ثمّ یستدرك (ع) فیقول: ونعم، إذا قریتَ بها الضیف، ووصلتَ بها الرحم، وأخرجتَ منها الحقوق، فقد طلبتَ بها الآخرة.

وجاء رجل إلی الإمام الصادق (ع) وقال له بأنّه یحبّ الدنیا، فقال له: کیف؟ فقال: أحبّ أن یوسّع الله عليَّ فأحجَ وأتصدّق وأصل إخواني وأرحامي، فقال له: هذا لیس طلباً للدنیا بل هو طلب للآخرة.

فالتناقض بین حبّ الله وحبّ الدنیا هو الناتج عن الحبّ الدنیوي الذي یجرّ إلی الأخطاء والخطایا والاستكبار والاغترار والتعالي  والتفاخر، وإلّا فالمُحبّون لله یرفعون قوله تعالی: (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص/ 77)، شعوراً للتوازن في حیاتهم.

- تحبیب الله تعالی إلی خلقه:

 أوحی الله تعالی إلی نبیّه موسی (ع) :«أحببني وحبِّبني إلی خلقي. فقال موسی (ع): یاربِّ إنّك لتعلم أنّه لیس أحد أحبّ إليّ منك، فكيفَ لي بقلوبِ العباد؟ فأوحی الله تعالی إلیه: ذَکِّرهُم نِعمَتي و آلائِي، فإنّهم لا یذکرونِ مِني إلّا الخیر»!

وأوحی سبحانه إلی نبیِّه داود (ع): «أحبِّني وحبِّبني إلی خلقي. قال یا ربّ! نعم أنا أحبّك، فكیفَ أحبِّبك إلی خلقك؟ قال: اذکر أیاديَّ ونعمتي عندهم، فإنّك إذا ذکرتَ لهم ذلك أحبّوني».(وأیادی الله: جوده وکرمه وإحسانه وتفضّله وعفوه وصفحه).

إنّ مهمّة المُحبّ مشترکة: (حبّ) + (تحبیب)، لأنّه یحبّ لغیره ما یحبّ لنفسه، فهو یرید للآخرین أن یتذوقوا حلاوة حبّ الله، کما تذوّقه هو، أمّا مساحة الجنّة -التي عرضها السماوات والأرض- فتسعهما بل تسع کلّ المحبّین، لو أنّ أهل الأرض کلّهم جمیعاً کانوا من المحبِّین المُطیعین له، لما کانت هناك أزمة سكن في الجنّة.

- حبّ ذکر الله تعالی علی کلِّ حال:

في الخبر عن رسول الله (ص): «علامة حبّ الله تعالی حبّ ذکر الله» لساناً وقلباً وعملاً وفي المواطن والمواقف کلّها: رخائها وشدّتها، ذلك أنّ من طبیعة المُحبّ أنّه یحلو له أن یتغنّی باسم محبوبه، وأن یذکره ویتذکّره في کلِّ حین، حتی لیشغل المحبوب أحیاناً محبّه فلا یری الحسن والمحاسن إلّا فیه... وهذا في حُبِّ الإنسان للإنسان، والذین آمنوا أشدُّ حُبّاً لله.

- قیام اللّیل:

فیما أوحی الله تعالی لموسی (ع): «کذبُ مَن زعم َ أنّه یحبّني، فإذا جنّه اللیل نامَ عنِّي، ألیسَ کلّ مُحبّ یحبّ خلوة حبیبه؟! ها أنا ذا ابن عمران مُطّلع علی أحبّائي إذا جنّهم اللّیل حوّلتُ أبصارهم من قلوبهم، ومثلتُ عقوبتي بین أعینهم، یُخاطبونني عن المشاهدة، ویُكلِّموني عن الحضور».

اللّیالي لخلوات المُحبِّین، واللّیل عند مَن أحبّ الله وأحبّه الله، أطیبُ وأخصبّ أوقات اللقاء، لأنّه أطرَد للرِّیاء، وأبعَد عن صخب النُهار، وأفتح لأساریر القلب، وأرقی في الدرجة.

یقول تعالی مخاطباً حبیبه النبيّ (ص): (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا) (المزمل/ 6-7).

لیلُ المُحبِّین -ولعلّك جرّبتَ ذلك في لیالي شهر رمضان ولیالي القدر- حافل بفرحة اللقاء بالله ومناجاته واحتضانه لمحبوبه في کلِّ آلامه وآماله. ►

ارسال التعليق

Top