منى عبدالأمير
◄الإنسان في مختلف مستوياته ومراتبه العلمية والاجتماعية بحاجة إلى تربية واصلاح، وبعبارة أدق بحاجة إلى من يذكره ويوجه أفكاره وعواطفه وممارساته، وهو بحاجة إلى من يقوّم له شخصيته باستمرار، لأنّه يحمل في جوانحه الاستعدادات المختلفة للخير والشر، وللفضيلة والرذيلة، ويتأثر بالعوامل الخارجية كالمغريات والمثيرات، إضافة إلى دور الشيطان في الوسوسة والاغراء.
والتربية والاصلاح مسؤولية كبيرة لأنها ليست مجرد ألفاظ تُردد أو كلام يقال، وليست مجرد أمر ونهي، وانما هي عملية تغيير للمحتوى الداخلي للإنسان، وهي صياغة جديدة لكل كيانه، ولهذا فلابدّ أن يتصرف المربي أو المصلح بصفات وخصائص تؤهله لخوض غمار المسؤولية في جميع المراحل وفي جميع الظروف والأحوال، ومن هذه الخصائص أن يتصف المربي بالرفق مع من يرد تربيتهم واصلاحهم.
والرفق صفة ضرورية ينبغي التحلي بها والتمرين على ممارستها، لأنّ الإنسان يأنس بآرائه وأفكاره ومواقفه حتى تصبح جزءاً من كيانه، فيرى فيها كرامته وكبريائه، ولا يتنازل أو يتراجع عنها، لأنّه يرى في ذلك تنازلاً عن كرامته، ولهذا فالرفق هو أحد السبل والوسائل التي تجعل الإنسان يتنازل عن آرائه ومواقفه الخاطئة ويسعى لتبديلها طبقاً لارشادات وتوجيهات المربي أو المصلح أو الناصح.
قال الإمام علي (ع): "الرفق ييسّر الصعاب ويسهل شديد الأسباب"
"من استعمل الرفق لأن له الشديد".
وجعل الإمام زين العابدين (ع) الرفق من حقوق المستنصح فقال: "وحق المستنصح: أن تؤدي إليه النصيحة، وليكن مذهبك الرحمة والرفق به".
ومن مظاهر أو مصاديق الرفق ابداء النصيحة بمرونة ويسر وبصورة شقية وجذابة، سواء في طرح الأفكار والمفاهيم أو في الدعوة إلى تغيير السلوك والممارسات العملية.
قال رسول الله (ص): "يسروا ولا تعسروا، وسكّنوا ولا تنفّروا".
وإذا كان تذكير الناس بالله وبالرقابة الغيبية يدفعهم لعمل الصالحات والاقلاع عن السيئات بالتخويف والترهيب فينبغي أن يكون الحديث بيسر ورفق.
قال رسول الله (ص): "إذا حدثتم الناس عن ربّهم، فلا تحدثوهم بما يفزعهم ويشق عليهم".
فينبغي التحدّث عن لطف الله ورأفته ورحمته وغفرانه أكثر من الحديث عن عقوبته وغضبه، لكي لا يدب اليأس والقنوط في نفوس المذنبين والمنحرفين.
ومن الأفضل أن تكون النصيحة للمذنبين والمخطئين بصورة سرية فانّها ستكون أكثر تأثيراً وايقاعاً على عقله وقلبه وارادته، ومن خلال السرية يتحدث الناصح والمنصوح بحرية ويبحثان عن العوامل والأسباب وراء ارتكاب الذنب والخطأ، وعن العلاج الحقيقي، والموعظة بصورة سرية أكثر قبولاً من قبل الشخص المراد تربيته واصلاحه.
قا الإمام الحسن العسكري (ع): "من وعظ أخاه سراً فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه".
وفي الارشاد والتوجيه الجماعي، وفي ابداء النصيحة الجماعية ينبغي عدم تشخيص المذنبين والمخطئين أمام الآخرين أو عدم ذكر أسمائهم، أو توجيه الأنظار لهم، فقد كان رسول الله (ص) إذا أراد أن يوضح أخطاء البعض يقول: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا".
ومن الرفق عدم تحميل الناس فوق طاقتهم، فليس التربية والاصلاح بالتوجيه والارشاد في جميع الظروف والأحوال، ليس باحتراف الكلام التوجيهي والارشادي، بل ينبغي مداراة أحوال الناس والتعايش معهم بالمشاركة في أحاديثهم مع تحيِّن الفرص المناسبة للتوجيه والارشاد، وقد كان رسول الله (ص) كذلك.
عن زيد بن ثابت قال: كنا إذا جلسنا إليه (ص) إن أخذنا في حديث في ذكر الآخرة أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الدنيا أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا.
ومن مصاديق الرفق البشاشة وطلاقة الوجه ولين الكلام، وهذه الخصائص تساهم في جذب المراد تربيتهم واصلاحهم، وعلى امتلاك عواطفهم ومشاعرهم وتوجيهها توجيهاً سليماً، لأنّ الناس غالباً ما يتأثرون بالأشخاص قبل التأثر بالمفاهيم والأفكار والقيم النظرية.
قال الإمام عليّ (ع): "عليك بالبشاشة فانّها حبالة المودة".
وقال (ع): "طلاقة الوجه بالبشر والعطية وفعل البرّ وبذل التحية داعٍ إلى محبة البرية".
وقال أيضاً: "عوِّد لسانك لين الكلام وبذل السلام يكثر محبوك ويقل مبغضوك".
ومن مصاديق أو مظاهر الرفق مداراة المستويات العقلية والعلمية للمراد تربيتهم واصلاحهم.
قال رسول الله (ص): "انا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم".
وقال (ص): "أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض".
ومن مصاديق المداراة:
1- التحدث بلغة مفهومة وتجنب استخدام العبارات الغامضة.
2- اختصار الكلام وعدم الاطالة المؤدية إلى الملل.
3- مراعاة الضعف البشري.
4- عدم ترتيب الأثر في بعض حالات التمرد على التربية.►
ارسال التعليق