ثمة اختلافات صغيرة ولا تبدو مهمة، لكنها قد تكون السبب الذي يشعل فتيل المشاكل في بيت الزوجية ويفجر الخلافات بين الزوجين. فكيف يحدث ذلك؟ وما هي هذه التفاصيل؟ هذا ما نستعرضه في هذا التحقيق.
هو يحب السهر وهي تحب النوم باكراً، هو يحب أن ينام في ظلام دامس، بينما هي تحب أن تنام في ضوء خافت، هو يحب الأجواء الباردة وهي تحب الأجواء معتدلة الحرارة. وفوق ذلك كله ذوقه في الطعام لا يشبه ذوقها، فهو لا يطيق "السمك" وهي تضعه على قائمة أطباقها المفضلة. ماذا يحدث بعد أن تهبط مركبة العشاق على أرض الزواج، ويكتشف كل طرف أن شريك عمره لم يكن ملاكاً أو نسخةً طبق الأصل منه، وأن هناك اختلافاً بينه وبين من أحب واختار، من حيث الهوايات، الطعام المفضل، العادات اليومية، وغيرها من أمزجة وسلوكيات؟
ثمة إجابة تقدمها دراسة أميركية، أثبتت أنّ الاختلافات في الطباع بين الأزواج تُعد أحد الأسباب الرئيسية لنجاح الزواج، حيث يؤدي التشابه والتماثل في الصفات الشخصية والحياتية، إلى الشعور بالملل والفتور تجاه الشريك الآخر.
هذه الدراسة، التي أجراها الباحثون في "جامعة كاليفورنيا" في الولايات المتحدة الأميركية، شملت عينة من الأشخاص الذي مرَّ على زواجهم أكثر من 40 عاماً، وهي طرحت على الزواج والزوجة، كل على حده أسئلة خاصة، دار أغلبها حول فترة الزواج، بما تضمنته علاقتهم الزوجية من مواقف صعبة وحزن وسعادة وما إلى ذلك. وفي النهاية، أوضحت نتائج الدراسة أن معظم الأزواج يفضلون الشريك المختلف عنهم في الطباع الشخصية، والذي تختلف نظرته إلى الحياة عمن يشابههم في الصفات. لكن، يا تُرى، هل يتفق الجميع مع نتائج هذه الدراسة، أم لعل لبعض الناس رأياً مختلفاً؟ وكيف نضمن أن لا تتسبب هذه الاختلافات في إيقاع الخلافات بشكل دائم بين الأزواج؟ في هذا التحقيق طُرح الموضوع على مجموعة من الأزواج، الذين تحدثوا عن تجاربهم وآرائهم في هذه المسألة، ومن ثمّ عُرضت النتائج على باقة من التخصصين الذين قدموا قراءتهم ونصائحهم.
- الأطفال هم الحل:
بالنسبة إلى نهى شعبان (ربة منزل، متزوجة منذ 11 عاماً) فإن "من الطبيعي أن يكون لكل زوج شخصيته وطبعه المختلف عن الآخر". وإذ تضرب مثالاً على ما تفضلت به، تقول: "أذكر في بداية زواجنا أنني كنت أنزعج كثيراً من تأني زوجي الزائد على اللزوم حين التحضير للخروج من المنزل، فكان يأخذ وقتاً طويلاً في ارتداء ملابسه واهتمامه بمظهره، في حين كنت أنا أجهز سريعاً، وأظل منتظرة".
وتضيف: "كنت على عكسه، سريعة في قضاء الأمور المتعلقة بالمنزل، بينما كان هو بطيئاً ومتأنياً. ولكن، لأنني أحبه، حاولت التأقلم مع هذا الطبع".
وتردف نهى ضاحكة: "المفارقة أنّه مع مرور الأيام وقدوم العيال انعكست الآية، فصرت أستغرق زمناً أطول لتجهيز أطفالنا للخروج، وصار هو يأخذ دور المنتظر". تؤكد نهى في ختام حديثها أنّه "يجب على كل طرف احترام اختلاف الطرف الآخر، والتأقلم معه وذلك بتقديم التنازلات من قِبَل الطرفين، وبهذه المسألة فقط يمكن تجنب المشاكل والجدال".
- مزاج الأولاد:
متفقة مع الرأي السابق، تؤكد حنان منصور (مسؤولة حضانة، متزوجة منذ 8 أعوام) "أن قدوم الأطفال في حياة الأزواج، هو من أكثر الأمور التي تنجح في علاج مسألة اختلاف طباعهم وأمزجتهم". وتشير إلى أنّه "بعد الإنجاب، تتحد أمزجة الأب والأُم مع مزاج الأولاد، حيث ينسى كل طرف رغباته وعاداته لتصب في ما يحبه أطفالهما. وبذلك تقل المشاكل في ما يتعلق بهذا النوع من الخلاف".
- بيئة مختلفة:
بسبب تفضيله قضاء الوقت في البيت والجلوس أمام التلفزيون، يجد علي الشرفا (موظف، متزوج منذ عام) أن "هذا السلوك البيتوتي" مزعج لزوجته "التي تفضل الخروج والتسوق"، لكنه يشير إلى أنهما وجدا حلاً لهذا الخلاف، يقول: "اتفقنا على أيام معينة للخروج وأخرى للمكوث في البيت، وهكذا أرضى كل منا الآخر".
ويضيف: "كي تستمر الحياة بين الزوجين، لابدّ من أن يقبل كل طرف الآخر بما هو فيه من علل وسلوكيات تزعجه". بدورها، تؤكد زوجته سيرين الشرفا (موظفة) "أن اختلاف السلوكيات والأمزجة بين الزوجين، أمر شائع الحدوث"، لافتة إلى أن "كل واحد منهما جاء من بيئة مختلفة". وتقول: "لكن، بعد فترة وجيزة، يبدأ الطرفان في تكوين مجموعة من الطباع والعادات تناسب كليهما، وذلك بغرض التفاهم والوصول إلى اتفاق يمكّنهما من تسيير حياة الزوجية".
- تنازلات:
لأنّها تحب زوجها وتقدّره، وهو كذلك يبادلها المشاعر نفسها، تقول منار فهمي (ربة منزل، متزوجة منذ 11 عاماً)، إنها اتفقت وزوجها على صيغ كثيرة وقدما تنازلات متبادلة لاحتواء بعض الاختلافات في الطبائع والأمزجة. تضيف: "كنت لا أطيق رائحة السجائر، ولكن من أجل خاطر زوجي المدخن، وجدت نفسي أتعود على الشيشة".
وتتابع: "هو لا يطيق الأكل خارج البيت، بينما أحب أنا التغيير وارتياد المطاعم، لكنه يجاملنا مرة أو مرتين في الأسبوع، فنتناول الطعام معاً في الخارج. وهكذا تعلمنا أن من السهل على الزوجين إيجاد صيغة توافقية للتعامل مع الخلاف إذا توافر الحب، وأن أي مشكلة يمكن حلها بالتفاهم".
- تنوُّع:
من ناحيته، يقول د. زياد الرافعي (أستاذ جامعي، متزوج منذ 10 أعوام): "إنّ الاختلاف في الطباع والسلوكيات بين الأزواج، من الممكن أن يكون مصدراً لبلوغ السعادة، بما يُحدثه من تنوع في الحياة الزوجية"، لافتاً إلى أن "كل طرف يجد ما يكمله في الآخر، شرط أن نقبل الطرف الأخر كما هو ولا نسعى إلى تغييره".
ويمضي بالقول: "محاولة تغيير الشريك هي ما يجلب المشاكل، إضافة إلى السخرية من اهتماماته لأنها تعني له الكثير". ويستطرد قائلاً: "زوجتي تحب التسوق، خصوصاً الملابس والأحذية والأدوات المنزلية، وأنا لا أطيق هذه الفكرة، لكننا نأتي إلى المركز التجاري كعائلة. فأذهب أنا حيث أجد اهتماماتي، وتذهب هي لممارسة هوايتها، ويفضل الأطفال أماكن اللهو، ونعود إلى البيت والجميع سعداء".
- تنازُل:
أما من وجهة نظر محمد المليجي (مشرف في شركة مقاولات، متزوج منذ 9 أعوام)، فإنّ "التنازل هو مفتاح الحل للمشاكل التي تحدث بين الزوجين بسبب الطباع المختلفة".
ويقول محمد: "حتى أكسب رضا زوجتي، لابدّ أن أتنازل عن أمر أحبه، وعندما أقوم بهذا السلوك فإنني، بطريقة غير مباشرة، أنجح في إقناعها بأن تتنازل عن شيء تحبه لأجل إرضائي. وبعد فترة يصبح هذا الأمر سلوكاً معتاداً، فكل طرف منا يسعى إلى إرضاء الآخر". لكن المليجي يؤكد أن "تحقيق ذلك التوافق يحتاج إلى معادلة مهمة، تتمثل في ضرورة تنازلهما معاً حباً واقتناعاً، لا أن يكون التنازل دائماً من طرف واحد لصالح الطرف الآخر".
- اندماج وتأقلُم:
مستنداً إلى خبرة 30 عاماً من الزواج، يؤكد رجا أبو خالد (موظف متقاعد) أنّه "كلما طالت سنوات الزواج، تلاشت معها كل الاختلافات الصغيرة بين الأزواج، واختفت الصعوبات التي يواجهها الشريك في التأقلم". ويكمل قائلاً: "مع مرور الوقت والعشرة الطويلة، وبسبب اندماج الزوجين أحدهما مع الآخر وتأقلم كل منهما مع عادات الآخر، فإنّهما يتشابهان إلى درجة كبيرة في الميول وحب الأمور نفسها أو النفور منها، ويبدوان كأنهما شخص واحد، وهذا ما حدث معي ومع زوجتي". وإذ يتحدث عن نفسه، يقول: "في بداية حياتي الزوجية، كنت عصبياً، أثور لأقل اختلاف بيني وبينها في الرأي، في حين أن زوجتي بطبعها هادئة، فاتفقت معها على ألا تقترب مني في حالة الغضب، وأن تختار الوقت الملائم الذي أكون فيه هادئاً، لتحدثني. وعالجنا هذا الاختلاف في الطبع بهذه الطريقة، فكانت تقترح رأيها المختلف عني بهدوء وأنا أنصت وأطرح وجهة نظري، ومن ثمّ تعلمت أن أضبط أعصابي".
- عامل نجاح:
بناء على ما تقدم، إلى أي مدى يمكن أن يسبب اختلاف طباع الزوجين في إحداث الخلاف بينهما؟ وهل يُشترط أن يكون الأزواج على درجة كبيرة من التماثل في الصفات وحب الأمور نفسها والاتفاق عليها كي تنجح حياتهما معاً؟ وكيف يمكن احتواء الخلافات التي تحدث بين الأزواج؟ مجموعة أسئلة طرقنا بها باب الطب النفسي، حيث يؤكد أخصائي الطب النفسي الدكتور طلعت مطر "أن نجاح الحياة الزوجية بين أي طرفين يتعلق بظروفهما الخاصة، إذ إن لكل زواج سماته وظروفه التي تصنع عوامل نجاحه أو انهياره، حيث إنّ التشابه في شخصيتي الزوجين قد يكون من أهم أسباب نجاح العلاقة في زيجة ما، وفي أخرى قد يبعث الملل والصمت الزوجي". ويقول: "كذلك، فإنّ الاختلاف في طباع الزوجين، قد يكون سبباً في صمود زيجة أو انهيارها". ويلفت د. مطر إلى أن "تماثل أي شخص مع آخر، هو أمر لا يمكن حدوثه بين أغلب الناس، وخاصة بين الزوجين، حيث نشأ كل منهما في بيئة تختلف عن الأخر، كونت سلوكه ومزاجه، إضافة إلى الاختلاف الطبيعي والبديهي في التركيبة النفسية لكل شخص عن الآخر".
ويضيف: "لذا، من النادر أن نجد أزواجاً متماثلين في الطباع والهوايات". ويتابع: "لكن، عند ظهور الاختلافات بين الزوجين، فإنّه يجب عليهما التعامل مع كل اختلاف، على أنّه فرصة لتوطيد العلاقة وإظهار المهارات الزوجية اللازمة لاحتوائها". لكن د. مطر يتابع مؤكداً "أن هذا الأمر لن يتحقق إلا في وجود الحب والاحترام بين الطرفين، ورغبة كل منهما في العيش بسلام مع شريكه". ويشير إلى أن "من أهم القيم التي يجب أن يتحلى بها الطرفان للخروج من مأزق الاختلاف في الطباع: التضحية والتنازل ومراعاة شعور الطرف الآخر واحترام رغباته ورفع شعار: "نتفق على حق كل منا في الاختلاف". وهنا، يمكن أن يتحول عامل الاختلاف إلى متعة تلوّن الحياة الزوجية بألوان مختلفة، وهذا بدوره ينعكس على الأبناء فينشأون في حالة من الأمان والتوازن النفسي".
- أعمق من الاختلافات:
في معظم الحالات التي تظهر فيها الاختلافات بين الزوجين وتتعارض رغباتهما، تتردد تلك العبارة التي باتت تمثل شكوى أبدية تتكرر بين الرجل والمرأة: "إنّها لا تفهمني ولا تفهم رغباتي ومزاجي. إنّه لا يفهمني ولا يفهم طبعي". فما هو السبب وراء تلك الأزمة القائمة بين الأزواج؟ في محاولة لتفسير هذا الأمر، يقول الاستشاري الأسري وخبير التنمية الاجتماعية عبيد عبدالرحمن الجعيدي: "السبب في ما تقدم، هو أنّ الزوجة لا ترى زوجها كما ترى نفسها، فهي ذات شخصية مستقلة تختلف عن زوجها، هي قد تتكلّم كثيراً بينما شريكها قد لا يحب التحدث، وهو يهتم بالتفاصيل بينما هي تعدها من توافه الأمور، وهي تريد فندقاً رومانسياً وهو يبحث عن الأرخص، وهو يميل إلى الجدية وهي إلى الترفيه، ونتيجة لهذه الفروق، يكون الاعتقاد سائداً: أنت لا تفهمني".
ويؤكد عبيد الجعيدي أنّ "هذه الفروق تظهر عند الحوار مع الشريك وعند النظرة العامة إلى بعض الأمور، وعند التعامل مع العواطف والمشاكل وعند اتخاذ القرار". ويشير إلى أنها "تظهر في السيارة وفي الرحلات ومع الأطفال وفي البيت وغرفة النوم". ويؤكد أنّ "القاعدة الذهبية التي يجب على المرأة أن تتخذها عند وجود الاختلافات هي: عاملي الناس كما هم عليه لا ما أنتِ عليه".
وللحديث عن هذه القضية بالتفصيل وطرح الحلول لما تسببه من مشاكل، يلفت الجعيدي إلى أبرز الفروق بين الناس، ويقول: "إنّ من بينهم المنفتح والمستقل". وهو ينصح كل زوجة بالقول: "عاملي المنفتح كما يحب أن يكون هو لا أنت، وعاملي المستقل كما يحب أن يكون هو لا أنت". ويمضي في كلامه قائلاً: "كما أنّ الإنسان إما أن يكون حسياً، أي أنّه يعطي اعتبارات كبيرة لحواسه الخمس، فهو يقدر جدّاً ما يُشاهَد ويُسمع ويُلمس ويُشم ويُتذوق، فهو ينزعج بسبب الشاي إن لم يعد بشكل جيِّد، وعلى الأغلب يكون الحسي مهتماً بالتفاصيل وبالترتيب وبالحاضر أكثر من المستقبل، على العكس من الحدسي الذي يفكر في المستقبل البعيد أكثر من الحاضر. لذلك، فإنّه لا يهتم كثيراً بترتيب ملابسه أو سيارته، والمطلوب في هذه الحالة هو، إن كان شريك حياتي حسياً فأكون حسية مثله، وإن كان حدسياً أكون معه حدسية".
ويواصل الجعيدي حديثه مُعرفاً الطباع الأخرى السائدة لدى البشر، فيقول: "هناك شخصية المفكر أو العاطفي، فقد يكون الشخص مفكراً، يعتز كثيراً بقدراته العقلية ويرى أن تفكيره صائب دائماً، على عكس المشاعري الذي يتأثر كثيراً بالمشاعر الإيجابية أو السلبية حتى، وقد يكون حنوناً جدّاً، وقد يكون غضوباً جدّاً، ويهتم في أحواله الطبيعية بالحفاظ على العلاقات وحذراً جدّاً من كسر أي علاقة. لذا، فإنّه يُكثر من الاعتذار من باب تطييب خاطر الآخر، والقاعدة الذهبية في التعامل هي: كوني مع المفكر مفكّرة ومع المشاعري مشاعرية". "حتى في طبيعة التعامل مع المواقف يختلف البشر بين حاسم وتلقائي" يقول عبيد الجعيدي، ويواصل كلامه موضحاً: "إنّ الشخصية الحاسمة، تهتم جدّاً بالنظام والتقيد به، لذلك ترى الانضباط من عادات صاحب تلك الشخصية لأنّه لا يحب أن يترك الأمور معلّقة، وهذا على عكس شخصية التلقائي، فهذه الشخصية تميل غالباً إلى المرونة والعفوية والتجديد المستمر، وتستمتع جدّاً بالإبداع والترفيه والحياة الخالية من التعقيد".
ويضيف سائلاً المرأة: كيف يجب أن تكوني مع الشخص الحاسم؟ ويجيب: "كوني معه حاسمة، ومع الشخصية التلقائية كما هي تلقائية". ويشدد الجعيدي على "ضرورة المرونة بين الأزواج وأن يلجأ كل طرف منهما إلى التخلي عن بعض عاداته وصفاته، خاصة إذا لم يعد ذلك بالضرر عليه، لأن هذا التغيير قد يكون هو الحل لمشكلة أكبر". ويختم قائلاً: "قد يكون مطلوباً إلى حد ما أن نعالج بعض المواقف بشيء من الحكمة. فالمطلوب أن نكتسب من كل شخصية صفاتها الإيجابية، ونجعل كل الشخصيات المختلفة أدوات جاهزة نستخدمها متى احتجنا إليها".
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق