• ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ديمومة النهضة الحسينية وخلودها

عمار كاظم

ديمومة النهضة الحسينية وخلودها
رغم كلّ التطورات الزمنية منذ أربعة عشر قرناً إلى هذا اليوم فإن بعض الجوانب العقائدية أخذت تتسع بمرور الزمن، ولم يطرأ عليها أي تغيير في عملية الديمومة والتنوع، وعلى كل الأصعدة الاجتماعية والثقافية والسياسية يصحبها بذل في النفس والنفيس، تلك هي "القضية الحسينية "وقد تميزت عن كل القضايا المأساوية التي عرفتها الإنسانية في حياة مسيرتها الإسلامية. ولا نعجب لهذه الظاهرة الحسينية ديمومتها طيلة عمرها مع حرص الكثير من التيارات المضادة على محاولات تعسفية على الأقل لتخفيف مظاهرها إن لم يكن اجتثاثها، لما فيها من مظاهر الإثارة الملتهبة على الظلم والظالمين، والمجابهة الفريدة للحاكمين الذي ليس للشعوب الحرة في واقعهم أي اعتبار وحساب، فهم أداة – في عرفهم – لتوطيد السلطة في أيدي طبقة مستغلة ترى لنفسها الفوقية على الناس من غير اعتبار واقعي. وهذا ما يحصل في كلّ زمن في غالب المجتمعات البشرية في العالم المترامي الأطراف وخاصة في البلاد غير المتحضرة، ومن هنا نستطيع أن نضع الإشارة على بداية الطريق في تلمس الخصوصية الحسينية التي استمرت تلهب المشاعر، وتثير العواطف بكل مواصفاتها، لأنّها تحمل في طياتها طاقة التحدي للظالم في عوالمها التاريخية، والمجابهة الجريئة لإيقاف العسف السلطوي للحاكم المستبد، والمارق عن القيم الإنسانية ذات الجذور العميقة التي تؤشر إلى عهود الأنبياء والأوصياء من لحظة إراقة الدم بين قابيل وهابيل، ولتراكم الأسباب في وضوح الانحراف، والإمام الحسين حين عزم على نهضته الإصلاحية ضد حاكم نزق مستهتر بقيم الإسلام، ومعاد لشرعة الله أعلن أهدافه الأساسية منها علناً وبكلّ وضوح، فقد ذكرها برسالته لأخيه محمد بن الحنفية – رضوان الله عليه – جاء فيها: "إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد (ص)، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي محمد (ص)، وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليَّ أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقِّ، وهو خير الحاكمين". هذه الفقرة الصغيرة في كلماتها، الكبيرة بمضمونها تضمنت نقاطاً مركزية بنى عليها الإمام الحسين (ع) موقفه المضاد من الحكم المنحرف عن خط الإسلام، ثمّ المجابهة الدموية له في سبيل دعوته الحقة. انّه عليه السلام بهذه الرسالة القصيرة ذات الوضوح الكامل بالموقف المسؤول أبلغ المسلمين عامة، والبقية الباقية من الصحابة المنتجبين – رضوان الله عليهم – وبحزم وتصميم إعلانه معارضته للحكم الأموي، ولم يكن مبعثه طلب الجاه والسلطان فهو في غنى عنها، ولا العمل الكيفي المبتني على الظلم والإفساد، ولا الدافع الشخصي وحبّ الوصول للسلطة. انّما هو تقويم مسيرة الإسلام وإصلاحها حين انحرفت بتسلم حكام الجور وطلاب الدنيا قيادتها، ومن هنا وبحكم الواجب الشرعي الذي يلزم المسلم المسؤول عن دين محمد (ص) أن يآمر بالمعروف وينهى عن المنكر. كما وضح الخط الذي يلزم حاكم المسلمين اتباعه خلال مسيرة حكمه هو "خط" جده رسول الله، وأبيه عليّ بن أبي طالب – عليهما أفضل الصلاة والسلام – وهو خط الإسلام السوي الذي رسمه محمد (ص) لأُمّته، وسار عليّ (ع) في نهجه، صراطاً مستقيماً لا لبس ولا غموض فيه. وحين تجلى له أن صرف إعلان المعارضة لن يحقق الحقّ، قرر اسنادها بالمجابهة بكلِّ احتمالاتها، ومنها "المجابهة الدموية" فالجهاد في سبيل الله يعرفه أبوه الإمام عليّ (ع) بقوله: "الجهاد عماد الدين ومنهاج السعداء". وليس الجهاد في منطق الإمام الحسين (ع) حديثياً صرفاً، بل منطق يعتمد قوة "السيف"، فالمجابهة المفرغة من أدواتها المعركية لا تعطي مفعولاً حاسماً، وإن كان هذا الأسلوب هو الأخير في مراحل الدعوة الموجهة، ولهذا نرى الإمام الحسين (ع) بعد يأسه من إصلاح الحاكم المنحرف عن خط جده محمد وأبيه عليّ – خط الإسلام القويم – صمم على مجابهته فكتب من مكة كتاباً موجزاً إلى أخيه محمد بن الحنفية، وعموم بني هاشم الذين هم بالمدينة، جاء فيه: "أما بعد، فانّ من لحق بي منكم استشهد، ومن لم يلحق بي لم يبلغ الفتح والسلام". والنتيجة الحاسمة من الناحية العسكرية، فقد انتصر المعسكر الأموي، وكان كما تنبأ الإمام الحسين (ع) "من لحق بيّ استشهد". ومن الناحية المعنوية فقد انتصر الحسين (ع) في نهضته التي هزت العالم الإسلامي، واقضت مضجع الحكم الأموي حتى قوّضته بشعار "يا لثارات الحسين"، وإن كان بعد زمان، واستمرت تقوّض الحكومات الظالمة واحدة تلو الأخرى.

ارسال التعليق

Top