• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

شباب يصرخون: خلافاتكم تدمرنا

تحقيق: نور حسن

شباب يصرخون: خلافاتكم تدمرنا
ريح محملة بكل أنواع الخطأ تعصف بالمراهقين، تهدد كيانهم، تشوه أحلامهم، وتهدد استقرار مجتمعاتهم، تصرفات غريبة وسلوك منحرف لم نعهده من قبل، فمن المسؤول عنه؟ وعن تغير أسلوب الحياة؟ أم أن دودة فتكت ببذرة الخير وفجرت وأطلقت العنان ليد الشر لتعبث بأخلاق المراهقين؟ ما دور الأسرة وأهمية التحامها في خلق مجتمع متماسك تسوده الأخلاق الحميدة والسلوكيات المرضية؟ يقضي م. خ، وهو شاب يدرس في المرحلة الثانوية، أغلب أوقاته خارج البيت مع أصدقائه، لعله يجد ما يعوضه عن حنان الأُم وعطف الأب اللذين افتقدهما داخل الأسرة، التقيناه على انفراد فأسر ببعض ما عنده "أخرج للقاء أصدقائي وأقضي أغلب وقتي معهم نتسكع هنا وهناك، أعرف أنني أفتقد للاستقرار والأمان، وأنا أتخوف حتى من بعض تصرفات أصدقائي، لكنهم أصبحوا جزءاً من حياتي". يعترف م. خ، بأنّه يمر بمشكلات كثيرة بسبب أصدقائه، ويشعر بأنّه شخص عدواني وسلوكه غير سليم، "عندما أنظر إلى أقراني وأراهم سعداء ينعمون بالاستقرار العائلي، يصيبني حزن عميق وأتأثر كثيراً، سامح الله أبي وأمي فهما السبب، افترقا منذ سنوات وكنت وإخوتي ضحية خلافاتهما، أرجوكم لا تسألوني أكثر مما سألتموني فأنا ضائع ولا أجد من يقف إلى جانبي!" ولم يتمالك الشاب نفسه فبكى بحرقة وشعر بغصة في حلقه فتوقف عن الكلام. تدمير المستقبل العلمي: هدية. ع، ألمها ومعاناتها لا تقلان عن ألم ومعاناة ذلك الشاب، فقد تأثر مستقبلها كله بسبب الطلاق الذي وقع بين والديها وهي لا تزال طفلة في الثالثة من عمرها "زوجة أبي كانت قاسية جدّاً وحرمتني من متابعة تعليمي، فبعدما نجحت في الصف التاسع، قالت لوالدي إنها تحتاج إليَّ كي أساعدها في رعاية إخوتي الثلاثة الذين أنجبتهم من أبي، كنت مراهقة ولم أعرف ما معنى ترك المدرسة (تبكي بحرقة)، واليوم أصبحت زميلاتي اللاتي كن معي في الجامعة، وأنا أتحرق لمواصلة دراستي". عرفت مدرسة المرحلة الثانوية، نائلة محمد، خلال فترة التدرس طالبات عانين الكثير من طلاق الوالدين "كان لدي طالبة في المرحلة الثانوية متميزة بين زميلاتها، لاحظت تغيراً مفاجئاً في تصرفاتها، صارت تسرح بخيالها كثيراً، غابت عنها ابتسامتها المعهودة، وقلت مشاركتها في أنشطة الصف، تعاملت معها برقة وطلبت منها أن تحضر إلى غرفة المعلمات، ثمّ استفسرت عن أسباب تدني مستواها وتحصيلها، فقالت: "لم تعد لدي الرغبة في التعلم بسبب ظروفي العائلية، فالخلاف بين والديَّ بات طعامي وشرابي، وقد مللت من هذه الخلافات، التي وصلت إلى تهديد والدي بطرد والدتي من المنزل، ووالدتي بدورها تهدد بترك الأولاد والذهاب إلى بيت أهلها، وفي كثير من الأحيان أخشى ألا أجدها عندما أعود إلى البيت". قصة تلك الطالبة وغيرها تجعلنا ندرك أنّ الخلافات الأسرية والعنف الأسري يؤثران على توازن العائلة، خلل في التوازن يكون ضحيته الأبناء الذين يتأثر مستواهم الدراسي ويشعرون بعدم الاستقرار النفسي، مما يهدد مستقبلهم وتطلعاتهم. صراعات أسرية: يؤدي غياب العاطفة بين الوالدين إلى طغيان الأب وفرض سلطته المطلقة على الأُم والأبناء فينشأ الصراع وتسود قلة الاحترام، مما يجعل المراهق في دوامة من القلق فيبحث عن مخرج من الضيق وعدم الاستقرار. "الأبناء الذين يعيشون في أسرة يسود بين أفرادها النفور والكراهية تكون نشأتهم غير طبيعية، ويتمثل ذلك في الانحراف والتمرد وإدمان الموبقات والمخدرات وقد تمتد إليهم أيدي المجرمين فيجعلونهم وسيلة لنشر السموم أو سرقة الآخرين وتصبح حياتهم مهيئة للانحراف، ويتحول هؤلاء في المستقبل إلى طاقة معطلة أو مدمرة، ويرتد هذا على المجتمع بخسارة فادحة تعوق نموه".  التسلط: عماد حرب، طالب في السنة الجامعية الأولى في الجامعة الأمريكية "العلاقات القائمة في بيئة التسلّط قوامها التباين بين الأطراف، مما يقضي على العلاقات الندّية الطبيعية السويّة التي تكوّن أجواء الإبداع والانجاز والإنتاج في الأسرة والمجتمع، فحينما لا يجد المراهق ضمانات تحفظ له حقوقه، يعمد إلى أساليب غير مشروعة وغير قانونية وغير أخلاقية، ومن ثمّ يعاقبه المجتمع على خطيئة أكبر من أن يتحمّلها وحده". ضعف الوازع الديني: وقالت معاذة الراوي، طالبة مقبلة على التخرج "لا شك في أن ضعف الوازع الديني وانعدام الأخلاق داخل البيت من جانب الوالدين، كلاهما أو أحدهما، يؤدي إلى سلوك منحرف لدى الأبناء، فإذا كان الإيمان ضعيفاً، يصبح الوقوع في الخطايا والآثام سهلاً". البذرة الصالحة: هند أحمد ترى أن ما قالته زميلتها معاذة بخصوص الوازع الديني صحيح، ولكنها أحبت أن تسرد قصة معروفة لتؤكد كلامها هناك "شاب سارق قررت المحكمة قطع يده! وقبيل ذلك نادى الشاب على القاضي وقال: اقطعوا يدّ أمي لأنني وأنا صغير سرقت بيضة فتهلل وجهها وضحكت لي؟ تلك القصة تبين لنا كيف لا تستوي السنبلة على عودها إلا إذا كانت بذرتها صالحة وتربيتها صالحة، فمن حق البذرة ألا توضع إلا في أرض طيبة". فقر العاطفة: كما أن من الأولاد من لا يحسن التعامل مع والديه فإنّ من الوالدين من هو كذلك، فبعضهم يقسوا على أولاده فيضربهم ضرباً مبرحاً لأدنى هفوة ويبالغ في عتابهم وتوبيخهم عند كل صغيرة وكبيرة، أو يقتّر عليهم مع قدرته ويسره مما يجعلهم يشعرون بالنقص والحاجة، وربّما قادهم ذلك إلى البحث عن المال، إما بسرقة أو بسؤال الناس أو الارتماء في أحضان رفاق السوء". هذا ما حدثنا به الطالب الجامعي عبدالله محمد. الخلافات العائلية: "قد يفتقد أفراد الأسرة الواحدة للأمن ويتعرضون لأمراض نفسية وعصبية بسبب المشكلات المستمرة أو بسبب انفصال الزوجين، فالخلافات الدائمة بين الوالدين تخلق جواً من التوتر النفسي وتعرض الأبناء للفشل الدراسي والانحراف، فطيش الآباء يدفع ثمنه الأبناء". هكذا تحدثت الطالبة أمينة محمدي عن نتائج العنف الأسري. الحد من الانحراف: أحلام التميمي، طالبة في بداية رحلتها الجامعية "الشباب زهرة المجتمع وعنوان المستقبل بسواعدهم يسمو المجتمع وتبنى الحضارة فيجب أن يكون المراهقون محط الأنظار والاهتمام لأن فترة المراهقة فترة حرجة يحتاجون فيها إلى عناية خاصة حتى تمر بهم بسلام ولا يتأثرون بالأجواء المحيطة فتعصف بكل الجهود التي بذلت في تربيتهم والأخلاق التي غرست فيهم وعلى الجميع؛ الأسرة، المدرسة، أولياء الأمور، أن يكونوا على مستوى المسؤولية لمنع انحراف المراهقين".   - أسرة مستقرة، مجتمع آمن: ترى مسؤولة الدعم الاجتماعي في الشرطة المجتمعية سميرة الشاعر، أن هناك أموراً كثيرة تؤثر على سلوك المراهقين، "الأسرة ومشكلاتها ليست السبب الوحيد في انحراف المراهقين، بل إنّ الأسرة كثيراً ما تكون ضحية لخطر يهددها ويهدد استقرارها، لأن رفاق السوء يصطادون الشباب ويوقعونهم في شراكهم". وتشير الشاعر إلى أنّ هذا لا يعني أنّ التفكك الأسري ليس له تأثير على انحراف الشباب المراهقين، بل هو أحد أكثر الأسباب أهمية "ومن هنا فإنّه لابدّ من الوقاية من حالات التفكك الأسري وأخذها بعين الاعتبار من أجل حماية فئة المراهقين. فالأب والأُم عنصرا الأمان والاستقرار والخيط الذي يجمع حبات الخرز المتماسك. لذا كان على أفراد الأسرة والأقارب والمجتمع التدخل المبكر لحل الخلافات الأسرية اليوم قبل الغد، فهي بمثابة النار في الهشيم، ويجب تقديم الدعم النفسي والاجتماعي وتنمية الوعي بدور الأسرة في الوقاية من الجريمة، وتنفيذ برامج التوعية الأسرية والاجتماعية والتنسيق والتعاون مع مؤسسات الضبط الاجتماعي والجهات المختصة".

ارسال التعليق

Top