• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

شذى وأريج الصلاة

عمار كاظم

شذى وأريج الصلاة

إنّ أسمى هدفٍ يطمح إليه الإسلام هو تربية الناس العظماء ذوي الفضل، وبناء الفرد والمجتمع على صعيدي الجسم والروح، وفي كلا الجانبين المادّي والمعنوي، وبسط جناحي تسامي الإنسان وتكامله. ومن هنا، تكتسب العبادات، وعلى رأسها "الصلاة"، هذا القدر من الأهمية، وتُسّمى "الصلاة" عمود الدين. فالصلاة حينما تؤدّى بانتباه وبحضورِ قلبٍ لا يقتصر تأثيرها على ما تغرسه في قلب المصلّي وروحه، وإنّما يتّسع مداها ليملأ الأجواء المحيطة به نوراً وشذىً يسري أريجه إلى رحاب البيت والأسرة. وإلى محلّ العمل ومجلس الأصدقاء، وإلى كلّ ربوع مدينته، بل، وكلّ آفاق الحياة. كلّما ازداد المصلّي ذكراً وخشوعاً، تتبدّد من حوله ظلمات الأنانيّة والأحقاد، والاستبداد، ويضمحلّ الشحّ والبخل، ويرتفع العدوان والحسد، ويسطع نور الفلاح على جبين الحياة .كلّ الوقائع المريرة في حياة الإنسان تعود جذورها إلى الغفلة عن ذكر الله والانغلاق في حدود المصالح الذاتيّة. والصلاة تطلق الإنسان من أسوار هذه الظلمات، وتحرّره من أغلال الشهوة والغضب، وتسمو به نحو الحقيقة المتعالية والخير الأشمل. إنّ الصلاة في مضمار البحث الدائم (الأبديّ) والذي لا مفر منه والمأمور به الإنسان بل المجبول عليه هي أعظم الفرائض وأكثرها تأثيراً، ولعلّ البعض عرّف هذه الخصوصية فقط في ميدان السعي الفرديّ نحو الكمال، ولم يسمع بدورها في ميدان الجهاد الجمعيّ والاجتماعيّ في مواجهة القوى الدنيويّة المناهضة. لذا، ينبغي أن نعرف أنّ المروءة والثبات، في المواجهات المختلفة، مرتبطان بكون القلوب والإرادات مليئة بالصفاء والتوكّل والثقة بالنفس والأمل بحسن العاقبة. الحمد لله الذي جعل الأفئدة النيّرة الطاهرة ترنو إلى الصلاة وإلى إشاعتها وإقامتها، وبثّ فيها لهفة المجاهدة والسعي الحثيث في هذا السبيل. والصلاة هي المظهر الكامل للعبادة والمناجاة والدعاء والمحبة والإيمان بالمحبوب الفطريّ لعالم الوجود إشعاعٌ أكثر إشراقاً، وحضورٌ أكثر جلاءً في ذهن مجتمعنا الإسلاميّ وسلوكه. لا ينبغي الشكّ في أنّ هذا هو طريق النجاح والتوفيق في جميع المهامّ الفردية والاجتماعية، وهو الطريق نحو السعادة والفلاح. يقول تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون/ 1-2). ما أكثر الأفراد والجماعات الذين بلغوا قمم التسامي والكمال بمعرفتهم لأهمية ومكانة الذكر والخشوع والإنابة، التي تعدّ الصلاة مظهرها الكامل، وإرفاقها بالعمل والإبداع الدنيويّ؛ وما أكثر قصيري النظر الذين حرموا أنفسهم من السعادة الكاملة بالغفلة عن هذا السر العظيم في الوجود، سواء من خلال الانغماس في العمل المادّي أو في أوقات الفراغ والكسل، وأينما حلّوا هووا بأنفسهم في مستنقع الحرمان والإخفاق بشكل أو بآخر. فالناس الذين جعلوا مساعيهم وجهودهم في ميدان الحياة الإنسانية مشفوعة بذكر الله، والأنس به، وعشقه، يدركون المعنى الحقيقي للسعادة، وتنالها أجسادهم وأرواحهم. فصلاة بلا ذكر ولا حضور، هي بدن بلا روح، وإن كان إطلاق لفظ الصلاة عليها ليس على سبيل المجاز؛ إلّا أنّه لا يترتّب عليه أثر الصلاة وخاصيّتها. وقد ورد في الآثار حديثٌ عن هذه الحقيقة بعنوان "قبول الصلاة" وهكذا، ورد أنّه "ليس لك من صلاتك إلّا ما أقبلت عليه". إنّ هذه الصلاة موهبة ليس لها بديل ومنبع فيض لا يزول، حيث نصنع بها الإنسان الصالح من أنفسنا أوّلاً ومَن نحبّ ثانياً، وهي بوابة مفتوحة إلى ساحة واسعة يسودها الصفاء، وإنّها لحسرة أن يقضي الإنسان عمره بجوار هذه الجنّة ولا يزورها ولا يدعو أحبّاءه إليها، فقد أبلغ الوحي النبيّ العظيم (ص) (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (طه/132).. الصلاة الزاخرة بالخشوع وحضور القلب أوّل ما تخلق في قلب المصلّي جنّة حقيقية يسري مداها تدريجيّاً إلى أجواء الحياة، وتهب المرء الصلاح والفلاح. وانطلاقاً من هذه الرؤية، أضحت الصلاة في كلّ الأديان الإلهيّة من أكثر آداب التديّن أصالة، ومن أبرز علامات الإيمان وأوضحها وأشملها، والصلاة الإسلامية هي أكمل الصلوات وأجملها.

ارسال التعليق

Top