إذا أراد الإنسان أن يهذب نفسه فلابدّ من أن يلتفت إلى الطرق التي يمكن استخدامها للقيام بهذا الأمر، وهذه الطرق هي:
1- الوقاية: وهي بمعنى التوقي من أول الأمر بالحيطة والحذر، وتجنب ما يؤدي إلى الوقوع في المعاصي والأخلاق السيئة وهي أفضل وأسهل وسيلة لتهذيب النفس، لأنّ النفس قبل إصابتها وتلوثها تكون أكثر استعداداً للتخلق بأخلاق الله وعمل الخير، وتكون أقدر على مواجهة إغراء الدنيا ووسوسة الشيطان، ولذا فإن ترك المعاصي أيسر من الحصول على التوبة.
يقول الامام علي (ع): "ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة، وكم من شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً".
ولذلك فإن عمر الشباب هو عمر مناسب جدّاً لهذا الأمر حيث ينبغي ألا يكون قد حصل التلوث بحب الدنيا في هذا العمر.
2- الترك المباشر: لو فرضنا أنّ الوقاية لم تنجح بشكل كامل وابتلى الإنسان بالمعاصي وسوء الخلق، فإن أفضل وسيلة لعلاج ذلك هو الترك المباشر والدفع للمعاصي، والتوبة مباشرة بتصميم قاطع وإرادة قوية والتغلب على الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء دفعة واحدة، وربما يحصل هذا الأمر نتيجة سماع آية أو حصول حادثة أو غير ذلك.
3- الترك التدريجي: إذا لم نستطع تهذيب أنفسنا دفعة واحدة فيمكن أن نقوم بذلك بشكل تدريجي، بأن نقوم بترك ذنب أو مجموعة ذنوب وبذلك نكون قد بدّلنا نقطة سوداء في قلوبنا إلى نقطة بيضاء، ومن ثم نقوم بترك ذنب آخر وهكذا إلى أن نكون بعد فترة قد ابتعدنا تماماً عن الذنوب وأخرجنا الصفات السيئة من أنفسنا، وسددنا ضربة موجعة للشيطان تضعفه عن محاولة إضلالنا وإسقاطنا في وادي الهلاك.
- الأمور المساعدة على تهذيب النفس:
وأما الأمور التي يمكن لها أن تساعدنا على تهذيبنا لأنفسنا، فهي:
1- التفكّر: إنّ الإنسان إذا انشغل بأموره الدنيوية وغفل عن الآخرة وآثار أعماله فيها، فإنّه لن يندفع لتهذيب نفسه، وهنا ما الحل؟
الحل في التفكر، التفكر في العاقبة، وفي نتائج أعماله في الآخرة، وفيما سيحصل له في عالم القبر ويوم القيامة.
إنّ هذا التفكّر يمنع الإنسان عن ارتكاب ما يؤدي إلى سوء العاقبة.
يقول الإمام علي (ع): "من عمر قلبه بدوام الفكر حسنت أفعاله في السر والجهر".
2- التأديب والمجازاة: يمكن للمرء أن يتوعد نفسه بالعقاب فيما لو ارتكبت المعصية فإن فعلت عاقبها بأحد هذه الأمور: إما بالصوم يوماً، أو بدفع مبلغ مالي، أو بحرمان النفس من وجبة طعام أو مما تشتهيه وهكذا.. وإن أقلعت يكون قد كبح جماحها فلا يتهاون معها ولا ينساق مع العادات السيئة التي تحكمت بها.
يقول الإمام علي (ع): "تولوا من أنفسكم تأديبها واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها".
ويقول (ع): "نعم العون على أسر النفس وكسر عادتها الجوع".
3- الإلتفات إلى قيم الذات وتقوية القيم الإنسانية: إنّ نفس الإنسان جوهرة ثمينة جاءت إلى الوجود من عالم الكمال والجمال، فإذا أدرك الإنسان ذلك فإنّه سوف ينأى بنفسه عن ارتكاب ما لا ينسجم مع مقامه كخليفة لله ومحلٍ لتكريمه لأن تلك النفس خلقت لتترفع عن الدنس والخطايا ولترتقي في عالم القرب إلى الله، وهذا ما يدفع نحو تهذيب النفس، فعلى السالك عندها أن يقوم بأمرين:
أ- أن لا يستجيب لتلك الصفة السيئة في نفسه.
ب- وأن يعمل على تقوية تلك الصفة الحسنة المقابلة لها ويفرض على نفسه العمل بها حتى يعتاد عليها تدريجياً لتتحول إلى ملكة وصفة راسخة في نفسه، وفي ذلك يقول الامام علي (ع): "عوّد نفسك فعل المكارم وتحمَّل أعباء المغارم تشرف نفسك وتعمر آخرتك ويكثر حامدوك".
4- ترك معاشرة أهل السوء: إنّ الإنسان يتأثر بأقرانه سواءً من حيث يشعر أو لا يشعر، ولذا إن كان لابدّ من صحبة فيجب أن يكون الأصحاب من الأخيار الذين يقربون من الجنّة ويُبعدون عن النار، من هنا أكَّدت الروايات كثيراً على اتخاذ الأصحاب من المؤمنين الصالحين وضرورة الابتعاد عن قرناء السوء لما لذلك من أثر طيب على المرء في أخلاقه وأعماله، بل وفي دينه، يقول الامام علي (ع): "احذر مجالسة قرين السوء فإنّه يهلك مقارنه ويردي مصاحبه".
5- الابتعاد عن الموارد التي يحتمل أن يضعف فيها: بما أنّ الإنسان يتأثر بالأمور التي تحيط به، فإنّه من الممكن أن يضعف في بعض المواطن أو الحالات التي تتهيأ فيها أجواء المعصية كمجالس الفسق والفجور ومراكز السوء، والنظر إلى المشاهد المثيرة للغرائز والشهوات، من هنا كان عليه أن يبتعد عن تلك الموارد التي يقوى فيها الشيطان عليه حتى لا يقع في المعصية، يقول الإمام علي (ع): "إذا أبصرت العين الشهوة عمي القلب عن العاقبة".
إنّ الإنسان الذي يعني بتهذيب نفسه لابدّ أن يقدم على كل ما من شأنه أن يوصله إلى هدفه السامي لكي يحثّ السير ويسرع في الوصول قبل فوات الأوان.
ارسال التعليق