• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

عوامل رُقي الفن

د. محمد مجد

عوامل رُقي الفن
◄إنّ أي إبداع فني يتحتم توفر مستلزمات خاصة نتطرق هنا إلى ذكر بعض منها. إنّ كلَّ من يسعه أن يبدع فنياً في المجالات المتنوعة ينتمي إلى زمرة المبدعين الفنيين. فكيف يمكننا توفير الأرضية لارتقاء وتسامي المبدعين الفنيين؟:

    1- أهم ما يستلزمه الإبداع الفني هو المتمتع بموهبة فنية واضحة. ولهذا يتعذر حمل من لا يتمتع بأيّة موهبة في مضمار الرسم والتصوير على رسم لوحة ما، أي أنّ المفتقر لموهبة الرسم لا يمكنه أبداً أن يغدو رساماً بارعاً بل كحد أقصى يمكن ترقيته إلى مستوى "رسام هاوي".

    ولهذا نوصي بالامتناع عن صرف نفقات إضافية بهدف ترقية مستوى إبداع الأطفال الذين يفتقدون أية موهبة خاصة على أمل توصلهم إلى مستوى الإبداع الفني. فصرف هذه المبالغ الطائلة لن يحوّل أحداً إلى أمثال رافائيل حيث يتحتم وجود موهبة خاصة يمكن تنميتها وتكريس الأموال لترقيتها.

    2- تحصيل العلم والفن في سياق تنمية الموهبة الفنية المحرزة.

    3- تمتع الفنان بذكاء حاد. فلو اعتبرنا الأشخاص العاديين المتمكنين من نيل شهادة الثانوية ذوي حاصل ذكاء يناهز المائة، في هذه الحالة يكون حاصل الذكاء المتوقع تمتع المبدع الفني به هو (120).

    نستنتج من هذا أنّه لا يمكن تنمية الموهبة الفنية الكامنة في شخص ذي حاصل ذكاء متدني.

    4- حيازة القوة التخيلية، تعتبر من المستلزمات الضرورية الأخرى في مجال الإبداع الفني وتنمية القابليات الفنية. فكما يسود في كلِّ قطعة من السجاد لون عام، فالتخيل (Fantasy) كذا أمر لا يتجرد عنه أي من مجالات الإبداع الفني الأساسية أو مستوياتها. ويعم هذا المبدأ كافة الفروع الفنية أيضاً.

    5- الخبرات الشخصية: لتبلور الإبداع الفني يكون الإنسان بحاجة إلى الخبرات الشخصية أيضاً بالخبرات الشخصية في الحياة تضفي ثراء وعمقاً على الإبداع الفني وجاذبية على أي مأثور مبتدع. والخبرات المهنية ليست ما يكتسبها الإنسان خلال (24) ساعة بل تستحصل بالممارسة والتدرب على مرّ سنين طوال حتى يطرق الحظ يوماً باب الفنان.

    يبدو أنّ العباقرة والرواد من الفنانين مثل مايكل أنجلو وليوناردو دافنشي يعتبرون استثناء من هذه القاعدة العامة، فكلّ لمسة تركتها أناملهم في مكان ما صار إبداعاً يحظى بالاهتمام. بينما يجهد الأشخاص العاديون كثيراً حتى يتمكنوا من رسم لوحة لشخص ما تليق بأن تسمى إبداعاً فنياً.

    وكلّ عملية يتم خلالها تحول أمور ذهنية إلى أمور موضوعية تثمر عن إبداع. والإبداع هو أهم ظاهرة من ظواهر الكون. وهذا ما يزهدنا في مشقة التدريب كثمن يستلزم دفعه لأي إبداع.

    6- الحلم والصبر أداة أخرى يفترض تزود طالب الفن بها، فالمأثورات المنجزة بسرعة وبطلب من الآخرين تتصف بالسوقية وتفقد القيمة الفنية، لأنّ الإبداع الفني يسترعي التحلي بالصبر والحلم.

    وكجملة عرضية أقول بادئاً، أنّ النساء وإن كن في مجال الإبداع الفني لم يحرزن قصب السبق من الرجال، إلّا أنهن يتفوقن عليهم في التمتع بالصبر والحلم. وعلى صعيد الخبرات الشخصية تشير الأبحاث حول اللاشعور بأنّ النساء وبالنظر لاختزانهن جميع الذكريات وأدق التفاصيل في اللاشعور فإنّهنّ يحرزن خبرات شخصية أكبر وبالتالي مواهب فنية أكثر ثراء على هذا الصعيد مقارنة مع الرجال.

    وعن التخيل وقوة المخيلة فإنّها أقوى أساساً لدى النساء من الرجال. فالمرأة في الحقيقة مخلوق خيالي. والتخيل بحد ذاته آلية دفاعية تلجأ إليه النساء أكثر من الرجال. ونطاق تخيل النساء واسع جدّاً، والملفت للنظر أنّ احتواء أذهانهنّ الزاخرة بالتخيل على أدق التفاصيل أمر في غنى عن التوجيه والتعلم. ويوفر لهنّ هذا التخيل بسعة نطاقه ودقة تفاصيله جميع المستلزمات الضرورية للإبداع الفني وهذا ما يجعلهنّ يتقدمن على الرجال في هذا المضمار أيضاً.

    7- الدقة في شتى الجوانب الظاهرية والخفية من الحياة تمثل السمة التالية التي يتحتم توفرها للإبداع الفني.

    8- التركيز الزائد وهو ما يتمكن منه غير المعانين من الاضطراب والكآبة أو أن تكون الفرصة مسنوحة أمامهم للتخلص منها إن كانوا مصابين بهما على نطاق ضيق.

    9- حيازة لا شعور واسع النطاق. فاللاشعور يتمثل بمكتبة تزداد قدرتها على توجيه الفناين كلما ازدادت امكاناتها وأصالتها.

     10- التفكير التجريدي المرموق: وهو ما يعد حاجة أساسية في الفن المتسامي حالياً.

    11- توفر الظروف الاجتماعية الملائمة لنمو ورقي مستوى الفن والفنانين. إنّ توفر هذه الظروف ضرورة أخرى من الضروريات اللازمة للإبداع الفني ولرقي مستواه.

    فقد ينعم فنان ما بالنضوج والتكامل عند ممارسة عمله ولكنه يواجه الاستخفاف بإبداعه في بيئته الاجتماعية أو العراقيل التي تحول دون تناميه وبلوغه الذروة. والفنان متى ما تعذر عليه الإعراب عن مواهبه في بيئة مناسبة فستتلاشى تدريجياً موهبته الإبداعية الفنية.

    والمجتمع المشجع يدفع الفنانين نحو التسامي والرقي، والمجتمع غير المكترث للفن أو المؤذي يطمر الفن ومواهبه الإبداعية.

    إنّ تثمين الفن له أثر فريد ومنقطع النظير في تنامي الفن ورقيه ولهذه نجد أنّ عدد الفنانين في بعض البلدان أو بعض محافظات البلد الواحد يفوق عددهم في سائر البلدان أو المحافظات الأخرى.

    وبغض النظر عن المجتمع الأكبر فإنّ دور المجتمع الصغير (الأسرة) أيضاً يحظى بقيمة بليغة في حياة الفنانين والمبدعين.

    12- الخذلان وتثبيط العزم، يعتبر الخذلان انطلاقة الإبداع الفني، فجميع الفنانين أحرزوا النجاح بعد فترة من الخذلان. ويشير تاريخ الآداب والفنون إلى حقيقة لا تنكر وهي أنّ خبرات الحب الفاشلة هي الحافز الأساس في نجاح الفنانين، فقد سبق الذكر بأنّ كلّ إحباط أو حرمان يستتبع تحرير طاقة هائلة يمكن اختزانها والتنفيس عنها على أفضل وأجمل وجه ممكن في إطار إبداع فني.

    إنّ الطاقة المتحررة إثر فشل خبرة حب أو إحباط مالي (الفقر) يعتبر ينبوعاً أزلياً يأخذ بيد الفنانين إلى الأبد لإنتاج الإبداعات الفنية.

    13- الرياضيات: وهي خلافاً للتصور السائد يعتبر عاملاً آخر من العوامل المساعدة على إحراز النجاح في مجال الفن، فالأشخاص الانضباطيون المنهجيون الذين ننعتهم بالشخصيات الرياضية أكثر إحرازاً للإبداع الفني من سواهم من الأشخاص غير الانضباطيين.

    إذاً النجاح الباهر حليف هواة الفن من الوسواسيين إذ تخلد إبدااتهم الفنية لسنين مديدة حتى بعد رحيلهم عن الدنيا مما يخلد ذكرهم إلى الأبد.

 ولكن مما يؤسف له هو انعدام الرغبة الشديدة نحو الفن لدى الوسواسيين، وكذلك عزوف الشخصية الفنية عن الوسواس لأنّ شخصية الفنانين هي أساساً أكثر ميلاً نحو الهستيريا. كان جميع مشاهير الفنانين من أمثال مايكل أنجلو وليوناردو دافنشي ينتمون إلى زمرة الشخصيات الرياضية أي أنهم منهجيون، انضباطيون وينعمون كذلك بقدرة إدراك رياضية عليا.

    14- الإمكانات المالية: وهي عامل مهم من عوامل الإبداع الفني وإشاعته، فاحتواء النظام الغذائي اليومي على البروتين والذي يتطلب دفع مبالغ باهضة أمر ضروري للإبداع الفني. إن تناول اللحوم، البيض والمشتقات اللبنية يعين الفنانين على التفكير، التخيل، التدرب وبالتالي إبداع أيّة مأثرة فنية خالدة. فليس ثمة أحد من المعانين من المجاعة قد برز كفنان أحرز النجاح في هذا المضمار بل ظهرت جميع المآثر الفنية الكبرى في أجواء زاخرة بالثراء الفردي أو في المدن المرفهة أو البلدان الكبرى.

    15- التوازن العاطفي والمنطقي: وهذه من المستلزمات والشروط الأخرى لإحراز النجاح. ولهذا نجد أنّ العاطفيين بشدة أو المنطقيين تماماً ممن تجردوا عن عواطفهم هم أقل نيلاً للنجاح من الأشخاص المتزنين الذين يمدون جسور الارتباط في أدمغتهم بين عواطفهم ومنطقهم مما يوفر لهم فرصاً أكبر وأقرب إلى النجاح بسبب مساهمة أغلبية مراكز الدماغ في الإبداع الفني.►

 

   المصدر: كتاب الإنسان بمظهريه (دراسة مقارنة بين مختلف جوانب حياة المرأة والرجل)

ارسال التعليق

Top