• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

عيد العودة إلى الله تعالى

عمار كاظم

عيد العودة إلى الله تعالى

مع إطلالة العيد، من المهم للمسلمين، أن يكونوا كالبنيان المرصوص، وأن يستمعوا إلى وصايا نبيّهم (صلى الله عليه وآله وسلم) في أن يمثّلوا الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، ليشكلوا موقعاً أساسياً للوحدة، وموضعاً بارزاً للتضامن والوئام، يقول تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (المطففين/  26). أيّ إنّ المسلمون يعيشون الفرحة يوم العيد إذا ما توحّدوا، وتآلفوا، عندها نحقّق شيئاً من معنى العيد في وحدتنا وتضامننا وتكافلنا ووعينا، ومواجهتنا للباطل وأهله.

العيد مناسبة لإصلاح ذات البين بين الإنسان وربّه، بالعودة إليه، وإصلاح ذات البين مع الناس، مع أهله وجيرانه والمحيط من حوله، وإصلاح ذات البين بين الناس إذا رأى التخاصم بينهم. إنّ العيد يعني في جوهره العودة الفعلية إلى الله تعالى، والتعرّف إلى مواطن قدرته ورحمته وحكمته وكماله، عندما يمتلك المؤمن كلّ الغنى وكلّ الحرّية وكلّ السعادة في دُنياه وآخرته، فما ينعكس على شخصيته توازناً واستقامةً وحضوراً قوياً متجذّراً، لا يسقط أمام أيّ اهتزاز من هنا وهناك. العيد هو الانتصار الحقيقي والمدوّي على الشيطان، وتمثّلنا لأوامر الرحمن، ولن يتحقّق هذا الانتصار إلّا بوجود عباد الرحمن المخلصين الواعين المقيمن لحدوده، والمراعين والمحافظين على حُرماته، وهنا يأخذ العيد بُعداً زمنياً ممتدّاً على مساحة العمر، فلا يعدّ مجرّد محطّة عابرة، «فكلّ يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد»، حيث يتحوّل الزمن كلّه إلى عيد في التزام الإنسان بخطّ الاستقامة والهداية، ومقارعته لخطّ الباطل، ومحاربته للشيطان وانعتاقه من إغوائه.

علينا أن نعيش معنى العيد في انفتاحنا على حقيقة مفاهيمنا وقيمنا الروحية والأخلاقية، الداعية إلى العدل والرحمة والمحبّة والتسامح، والتخلّص من أوزار العصبيات والمزاجيات، فيرحم الكبير الصغير، والقوي الضعيف، وتحترم حقوق الجميع وكراماتهم. وهنا معاني العيد، عبر تأكيد حقوق الناس واحترامها، واحترام كلّ سلوك إنساني يُعبِّر عن أصالة الهوية والانتماء. وعلينا أن نعكس إحياءنا ليوم العيد، في أن نعمّم كلّ المشاعر الطيِّبة، لتنسحب على كلّ ساحات الحياة، حيث يشعر الجميع بأنّ أنفُسهم وأعراضهم وأموالهم في مأمن من التعدّي، وأنّ حدود الله في كلّ ذلك محترمة، ويلتزم بها الجميع، ويعملون وفقها، وعلى نهجها.

لابدّ في هذه المناسبة، من أن يستثمر الجميع أجواء الحجّ والعيد، ويحقّقوا معنى التقرب الحقيقي إلى الله تعالى، بالالتزام الجادّ بما عليهم من مسؤوليات تحفظ الناس والحياة من أيّ شكل من أشكال الإساءة والفساد؛ إنّه عيد التضحية في سبيل رفع منسوب المحبّة ورفع مستوى الروح والفكر والوعي. كي نشعر بفرحة العيد، علينا تنقية قلوبنا، وفتح مداركنا على الحقّ، لنتعرّف أين نحن من توحيد الله وطاعته، وأين نحن من العودة الطوعية المخلصة إليه، والتي تفترض إنساناً مؤمناً بحقّ، يسعى إلى تكريس لغة الحوار والتواصل، وتأكيد روح التضامن والتكافل في المجتمع، إنساناً لا يعرف حقداً ولا غلاً ولا حسداً، بل يحمل مشاعر الرحمة والمحبّة، ويتحرّك بين الناس بكلّ ما يصلحهم وينفعهم ويغنيهم. فالعيد هو أن تعود أيّامك ولياليك، وأنت لم تعصِ الله في شيء، وهكذا ينبغي أن تكون أعيادنا، والتي هي مواسم فرح، باعتبار أنّها مرتبطة بفترات عبادية زمانية كشهر رمضان، ومكانية كالحجّ، وقد تكون غير ذلك، كالأعياد الباقية، كيوم الجمعة ونحو ذلك، وهي أيّام فرح وسرور، ولكنّه الفرح والسرور الذي يرتبط برضا الله تعالى، ولا يرتبط بما يكون إلى زوال من متاع الدُّنيا وزخارفها، وبعيداً من تحصيل رضا الله. وسُمِّي العيد عيداً من العود والتجدّد، أي ما يعود بعد ذهابه، فكأنّ الأيّام تروح وتجيء، وبالتالي فهي تعود.

ارسال التعليق

Top