• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الهجرة النبوية والنهضة الحسينية

الشيخ محمد علي التسخيري

الهجرة النبوية والنهضة الحسينية
  ◄خطوات المعصومين.. متحدة الجوهر بلا شك، لأنّها تُعبِّر عن واقع واحد، ومترابطة لأنها تُشكِّل حلقات ومراحل لمسيرة واحدة، إلى هدف معيّن. كل هذا مما لاريب فيه للناظر الواعي الدقيق.. ولكن الذي يؤكِّد هذا التناسق والإتحاد، وجود إتحاد حتى في الشكل، والمعالم، والحوادث الخارجية، بين بعض هذه الخطوات، مما لا يدع مجالاً حتى للناظر السطحي، لكي يُشكِّك في وحدة المنطلق، والمسير، والهدف. هذا أوّلاً. وأمّا ثانياً – وهو الأهم – فإنّ نقاط الشبه الظاهرية الحاصلة بين هاتين الخطوتين، أو هذه الخطوات تسهل علينا تشكيل الصورة الحقيقية لجوهر العملية بتقديمها مظهرين حيين متشابهين، أو مظاهر متناسقة لها. ونحن إزاء هاتين الخطوتين الرائعتين من خطوات القادة العظام (الهجرة النبوية والنهضة الحسينية) نلمح هذا التشابه في الظاهر، فضلاً عن وحدة الجوهر التي أكّدتها الروايات الكثيرة المتواترة والتعبيرات الشريفة التي يكاد يكون أروعها ما ورد عن النبي الكريم (ص) من قوله (ص): "حسين منِّي وأنا من حسين"[1]. فلنحاول إستجلاء بعض هذه النقاط بما يتناسب والمجال الممنوح في هذا الموضوع:   -         العقائدية والتضحوية: وتكاد هذه النقطة تُشكِّل الظاهرة المشتركة الواضحة في كل خطوات الأنبياء والأوصياء والمصلحين وباقي العقائديين.. فهي روح كل دعوة عقائدية، ووقودها المحرِّك، وضمانة وصولها إلى الهدف. والقرآن الكريم يعرض لنا صوراً شتى للعقائدية الصامدة التي لا تأخذها في الحق لومة لائم، ولا يمنعها عن الإمتداد إلى عروق الأُمّة وجورها تهديد أو وعيد، فهي مطمئنة إلى النصر، واثقة بعون السماء راضية برضا الله، كما يعرض لنا صنوفاً من الحرمان والتشريد والقتل والعذاب الشديد الذي لاقاه الأنبياء والأولياء على مدى التاريخ. والتاريخ يُقدِّم لنا صوراً من العقائدية الصامدة، والإطمئنان إلى النصر، والرِّضا بقضاء الله تعالى، في كل ما لابس قضيتي الهجرة الشريفة، والنهضة المباركة، كما يُقدِّم لنا أنماطاً رائعة من التضحية – وإن اختلفت درجاتها – في كلتا الخطوتين. فالنبي العظيم (ص) يُضحِّي بترك أهله، ووطنه وترك ابن عمّه العظيم على فراشه – بكل ما في ذلك من خطر جسيم – ليخرج من مكة مترقباً متحملاً الآلام والمصاعب والمشاق.. والحسين الشهيد أيضاً يُضحِّي بكل ما لديه من غالٍ ورخيص في سبيل قضيته وبشكل لم يسبق له مثيل في دنيا التضحيات. وتتجلى صور العقائدية المضحية في أقوال النبي الأكرم (ص)، التي كان يؤكِّد فيها إنتصاره وعون الله له خلال مراحل الهجرة المختلفة، تماماً كما تتجلى في الكلمات الرائعة التي كانت تنطلق من شفاه حسين الشهادة في أحرج اللحظات، إذ كان نشيده "رضاً بقضائك لا معبود سواك".. وفي لحظة يفقد فيها أصغر ما لديه من ولد، يقول: "أللهمّ إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى". ونحن ندعو القُرّاء الكرام هذا ليستجلوا مواطن هذا المعنى الرائع في كل خطوة من خطوات الهجرة والنهضة عندما يدرسونهما بإمعان.   -         الهزيمة المنتصرة: والخطوتان كلتاهما كانتا تبدوان للناظر القصير النظر هزيمتين سواء في ذلك فرار المسلمين مكة ولجوؤهم إلى المدينة، أو قتل الحسين وولده وصحبه، ولكن التاريخ بعد ذلك أثبت لهما ما لم يكن بحسبان أولئك الناظرين السطحيين؛ فقد كانت الهجرة الشريفة فاتحة عهد جديد من عهود الإسلام، نقلت الدعوة الإسلامية من مرحلة تربية الفرد المسلم أو المجموعة المسلمة الصغيرة إلى مرحلة بناء المجتمع المسلم، والتخطيط لنشر الإسلام في ربوع الجزيرة العربية، ومن ثمّ الإنفتاح على أرجاء العالم كله، مما مهّد السبيل للقضاء على الجاهلية بمستواها العربي والعالمي بعد ذلك، وشلَّ قواها عن التحرُّك. وكذلك كانت نهضة الحسين (ع) بداية عهد جديد وفرقاناً بين عصرين وحالتين متناقضتين للأُمّة تجاه رسالتها: إذ أنها أعادت للأُمّة حسّها العميق بمسؤوليتها تجاه رسالتها، ومصيرها بعد أن عمل الأمويون – جهدهم – في سبيل إماتة ذلك الحس وإفناء ذلك الوجود المحاسب للأُمّة أمام الحكم. إنّ الأُمّة قبل النهضة كادت تموت إنسانياً وإسلامياً على يد معاوية ويزيد، ولكن النهضة بعثت في عروقها الدماء بما قدّمته من عقائدية فذّة وتضحوية لا مثيل لها.. إهتزّ لها ضميرها وشبّت نيران الوعي فيها.. وكانت النتيجة تلك الثورات الصامدة وأنماط الرفض العميم للأمويين ومخططاتهم الجاهلية الجهنمية في القضاء على منابع الوعي.. وتحطّمت دولة بني أُمية ومن بعدهم هوت دولة بني مروان. وبقيت الهجرة النبوية نبراساً للتحرُّك في سبيل بناء المجتمع الإسلامي وبقيت النهضة الحسينية نبراساً كذلك في سبيل إعادة بنائه من جديد.   -         موقف الجاهلية هو نفسه تجاه الخطوتين وفي كل عصر: أمّا لماذا كان موقف الجاهلية كذلك؛ فهو نابع من وحدة العوامل المحرِّكة، وقصر النظر على المصالح الدنيوية الضيقة، والعمى عمّا دونها. إنّنا لو درسنا دوافع الجاهلية في وقوفها بوجه الرسول الأكرم (ص)، لما استطعنا أن نتعدّى دافع المصالح الرخيصة في أغلب الأحيان، والعناد والتعصُّب في أحيان أخرى. وهذه الدوافع نفسها تتجلى تماماً في التصرُّفات الطاغية تجاه مدرسة الإمام أمير المؤمنين وأولاده (ع). إنّ الجاهلية الأولى عملت ما شاءت لها قوتها أن تعمل في سبيل إضطهاد الشخصية المسلمة وإفناء الروح الإسلامية التي كانت تصحب الأجسام المعذبة تحت هجير الشمس، ولكنها لم تجد للقضاء عليها سبيلاً، إذ انتهت عملية التعذيب بالهجرة، لينفتح الدرب للزحف الإسلامي الصاعد، وهكذا الجاهلية المستأخرة عملت ما شاءت لها ظروفها أن تعمل في تشريد المؤمنين الواعين وقتلهم والتضييق على أتباعهم، كل ذلك لتقضي على الشخصية الإسلامية الصافية، التي كان يمثلها الوعاة من أتباع الإمام (ع)، ولكنها لم تجد للقضاء عليها سبيلاً، إذ ما أن بلغ السيل الزبى، واشتدّ أوار النار وقتل الحسين (ع) وأصحابه في تلك الصور الفجيعة التي بقيت تلطخ تاريخ هذه الجاهلية بالعار والخزي حتى تعاظمت حركة الوعي، ودخلت الأُمّة الإسلامية مرحلة تضحوية رائعة، وتفجّرت في أعماقها أشواق الرجوع إلى الواقع الذي أراده الإسلام لها. ونحن إذا كنّا نؤكِّد على أنّ الجاهلية كانت تحارب الروح والشخصية الإسلامية، التي تقترن مع الأجساد المعذبة، فإنّا نقصد تمامأً ما نقول وآية ذلك: إنّ الجاهليين سواء كانوا هنا أو هناك ما كنوا ليمنعوا محمداً (ص) أو الحسين (ع) من أي مقام باذخ أو لذّة دنيوية رخيصة يطلبانهما، أنّى ذلك؟ وهم أنفسهم جاؤوا إليه (ص) بكل النعم التي بلغها تصورهم وتطلبها واقعهم آنذاك وقدموها إليه (ص)، أي جاءوا إليه لكي يضحي بشخصيته، وروحه لينعم جسده، وكذلك هؤلاء فما كانوا بمعترضين للحسين (ع) أو مانعيه شيئاً من نعيم الدنيا، لو باعهم شخصيته، ولكنه سار على درب جدّه العظيم وتأسّى به (ص)، إذ يقول لأبي طالب (ع): "يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته"[2]. ليقول أبو عبدالله الحسين (ع) قولته المشهورة: "والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد". ويقول (ع) متحدِّثاً عن الخيار المعطى له: "قدر ركز بين إثنتين: بين السلة والذلة وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية، ونفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام"، ويقول (ع): "إنِّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً.. فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومَن ردَّ عليَّ أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين". وأخيراً، فلنستمع إلى سبط رسول الله يؤكِّد ذلك الترابط بين موقفه وموقف جدّه رسول الله (ص) وذلك في وصيته لأخته الحوراء زينب (ع)، إذ يقول لها ليلة قتله: "يا أختاه، إتّقي الله وتعزي بعزاء الله واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون، وأنّ كل شيء هالك إلا وجهه تعالى... ولي ولكل مسلم برسول الله (ص) أسوة"[3]. مع موقفنا المعاصر ونحن إذ نحاول تلمس مساقط تلك الإشعاعات الرائعة في حنايا بعض المسلمين اليوم، وواقعهم المعاصر، ليأخذنا الخجل، ويتصبب الجبين عرقاً لما نراه من فراغ موحش وبُعد عن المعاني الإسلامية الرفيعة التي تمنحهم إياها هذه الذكريات. إنّ تلك الصور التضحوية والمواقف العقائدية الصلدة، والتخطيط الدقيق الذي يتجاوز حدوده القائمة.. إنّها كلها تكاد تُشكِّل ضروباً من الخيال في ذهنية هؤلاء المسلمين.. فهم يتصوّرون أنّهم اليوم لا يقدرون مطلقاً على التأسي بها وخلق نماذج ولو مصغرة لها، وبالتالي فهم يعيشون التحلل من التبعات.. ويغفون على أصداء تلك الأمجاد.. مكتفين بالقضايا الشرطية وجمل التمني والترجي – كما يقال – فهو يردد دائماً: "لو كنا معهم ويا ليتنا عشنا في خضم مواقعهم ومواقفهم.. لكنا ولكنا كذا وكذا!!"، وعندما يجابه هؤلاء المسلمون بهذا التساؤل: أليست الجاهلية الفكرية والعملية اليوم تمتلك قوى أعتى وأشرس، وجبهات أكثر، ومخططات جهنيمة أبعد أُفقاً.. ومظاهر أخطبوطية أكثر إمتداداً؟ ألسنا نمتلك قوى جبارة يمكن تسخيرها؟ وأليست سوح الجهاد اليوم تدعو بأعلى ما لديها من صوت إلى الإعداد والإستعداد لصالح القضية؟ وقبل كل شيء أليست هذه الآيات البيِّنات والنذر الإجتماعية تدعونا إلى محاسبة أنفسنا والبدء بها.. وتتبع مظان إنحرافها.. والتخطيط لإصلاحها؟ أليست، أليست؟ عندما يجابهون هذه التساؤلات لا يحارون جواباً!! إنّ على المسلمين جميعاً أن يعوا اليوم أنّ الغد المشرق هو للإسلام لا غير، وأنّ طريقهم إلى هذا الغد المشرق هو الطريق العقائدي التضحوي الواعي. *  *  * يوم ثورة الحسين (ع).. يوم الشهيد العالمي نشرت بعض وسائل الإعلام كلمة حول ما أسمته بـ"مظاهرة بإستشهاد الحسين (ع)" جاء فيها: "فلماذا الوقوف عند شهيد واحد وإهالة النسيان على مواكب الشهداء الآخرين؟". وكذلك: "ووفق هدي ديننا الحنيف لا نطالب بإقامة إحتفالات مماثلة لشهداء الإسلام.. فهذه المظاهر بدعة". وكذلك: "لماذا كل ذلك؟ أمن أجل الإسلام؟ لا. فالإسلام لا يقر التفرُّق ولا يُحمِّل الأجيال اللاحقة تبعة الأجيال السابقة". و"إنّه من مصلحة الإسلام والوطن الكف عن هذه المظاهر الإستفزازية" وغير ذلك، ونحن نواجه نظر كاتب المقال للنقاط التالية: 1- الإهتمام الشديد للنبي (ص) بقضية الإمام الحسين (ع): يقول أبو المؤيد الموفق الخوارزمي الحنفي المتوفى سنة 568 في كتابه المعروف (مقتل الإمام السبط الشهيد) ج1 ص163 من رواية: "ولمّا أتى على الحسين من ولادته سنة كاملة، هبط على رسول الله (ص) إثنا عشر ملكاً محمرة وجوههم قد نشروا أجنحتهم وهم يقولون يا محمد سينزل بولدك الحسين ما نزل بهابيل من قابيل وسيعطي مثل أجر هابيل، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل قال ولم يبق في السماء ملك إلا نزل على النبي يعزيه بالحسين ويخبره بثواب ما يعطى ويعرض عليه تربته والنبي يقول أللهم اخذل مَن خذله واقتل مَن قتله ولا تمتعه بما طلبه. ولما أتت على الحسين من مولده سنتان.. وأخرج الحافظ الكبير أبوالقاسم الطبراني في (المعجم) وقال حدّثنا علي بن سعيد الرازي إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة المروزي عن علي بن الحسين بن واقد، قال حدّثنا أبو غالب عن أبي أمامة قال رسول الله (ص) لنسائه: لا تُبكوا هذا الصبي. يعني حسيناً. قال وكان يوم أُم سلمة فنزل جبرائيل فدخل على رسول الله (ص)، فقال النبي (ص) لأُم سلمة: لا تدعي أحداً أن يدخل، فجاء الحسين فلمّا نظر إلى النبي (ص) في البيت أراد أن يدخل فأخذته أُم سلمة فاحتضنته وجعلت تناغيه وتسكيته، فلمّا اشتدّ في البكاء خلّت عنه حتى جلس في حجر النبي (ص)، فقال جبرائيل للنبي (ص): أنّ أُمّتك ستقتل إبنك هذا، فقال النبي: يقتلونه وهم مؤمنون بي؟ فقال: نعم، يقتلونه. فتناول جبريل تربة، فقال: مكان كذا وكذا، فخرج رسول الله (ص) وقد احتضن حسيناً كاسف البال مهموماً، فظنّت أُم سلمة أنّه غضب من دخول الصبي عليه، فقالت: يا نبي الله جعلت لك الفداء إنّك قلت لنا لا تُبكوا هذا الصبي وأمرتني أن لا أدع أن يدخل عليك فجاء فخليت عنه. فلم يرد عليها، فخرج إلى أصحابه وهم جلوس، فقال: إنّ أُمّتي يقتلون هذا. وفي القوم أبوبكر وعمر وكانا أجرأ القوم عليه، فقالا: يا نبي الله يقتلونه وهم مؤمنون؟ قال: نعم، وهذه تربته فأراهم إيّاها". وهناك سند آخر ومتنه يعرض نفس المضمون بشكل موجز. وهناك أحاديث أخرى أخرجها الطبراني في المعجم الكبير، والحافظ أبوالقاسم ابن عساكر الدمشقي في تأريخ الشام، والحافظ الكنجي، ونجده في ذخائر العقبى، طرح التثريب للحافظ العراقي، مجمع الزوائد، المواهب اللدنية، الخصائص الكبرى للحافظ السيوطي، الصراط السوي للشيخاني المدني، جوهرة الكلام، ومسند الإمام أحمد، ودلائل الحافظ أبي نعيم، ودلائل النبوة للبيهقي، والصواعق لإبن حجر. وكلها تُحدِّثنا عن مآتم للنبي (ص) في بيوت أُمّهات المؤمنين يذكره فيها جبرائيل بما يجري على ولده وبكائه وحزنه عليه وللتفصيل يراجع كتاب (سيرتنا وسنتنا) للعلامة المرحوم الأميني، فإن فيه ما لا يدع مجالاً للريب والشك في تعظيم النبي (ص) ليوم الحسين (ع) وبكائه عليه وشمه لتربته مما يشكل سنّة نبوية لتعظيمه (لكم في رسول الله أسوة حسنة). فهل كان تعظيمنا للحسين (ع) في ثورته الخالدة بدعة بعد كل هذه الأحاديث التي لو لوحظت بمجموعها كانت مستفيضة وخصوصاً إذا جمعت مع أحاديث أهل البيت (ع) – أحد الثقلين – في هذا الصدد؟ أليس القول بإبتداع البكاء على الحسين (ع) تجنياً على الإسلام والحقيقة التي تؤكِّدها هذه الروايات؟ 2- إنّ الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة كآية التطهير وحديث الثقلين تؤكد عصمة أهل البيت (ع) وأحدهما لحسين (ع)، كما تؤكِّد إمامته.. فالحسين (ع) إمام معصوم – في رأي أكبر فرقة إسلامية على الأقل – وغيرها وقتل الإمام (ع) لا تعدله أي مصيبة. 3- لا نستطيع أن نجد مصيبة مروعة للقلوب تعدل المصيبة التي أصابت أهل البيت (ع) في عاشوراء على يد الطغمة الأموية، حيث قتل أعاظمهم وسبيت نساؤهم وجرت حوادث يعجز القلم عن وصف أثرها الدامي. 4- كما أنّنا لو درسنا تأريخ ثورة الحسين (ع) لوجدناه مدرسة إسلامية كاملة تربي الشخصية الإسلامية المضحية المؤمنة الراضية برضا ربّها المطمئنة إلى نصره إلى غير ذلك.. فالتذكير بهذه الثورة ودروسها تذكير بالإسلام وإحياء لمبادئه الحيّة في النفوس. 5- إنّ إحياء ذكرى عظماء الأُمّة أمر طبيعي مغروز في أعماق كل أُمّة – وهل هناك أُمّة لا تحيي ذكرى عظمائها ؟ - أليست الأُمّة تحتفل بذكرى البعثة الشريفة، أو الإسراء والهجرة؟ ولا نجد في نص إسلامي واحد ما يقف أمام هذا الأمر الطبيعي عند الإنسانية.. نعم، يجب أن نستعيد ذكرى تلك المثل العالية لكي تتأمّلها نفوسنا وتعي أهداف عقولنا فتتعلق بها مجتمعاتنا وتمشي أجيالنا على طريق هداها ونركب سفنها، وقد قال (ص): "أهل بيتي كسفينة نوح". 6- على إنّنا يجب أن لا ننسى أنّ أعداء الحسين (ع) اليوم موجودون في هذه الأُمة، نعم خطهم وأهدافهم موجودة. فأعداء الحسين (ع) يتمثلون في كل ظالم جبّار لا يقيم للإسلام وقيمه وزناً، ولا للأُمّة الإسلامية أهميّة. وأعداء الحسين (ع) يتمثلون في كل متميع مستسلم لقوى الكفر والإلحاد والمبادئ المتفرغة.. وأعداء الحسين (ع) يتمثلون في كل بائع ضمير. في حين تتجلى روح الحسين (ع) – إذا أحييت – وتنكشف عن الإسلام المجسد الذي يطلبه الحسين (ع) من الناس.. وعن إيمان عميق بالأهداف والتضحية بكل غال ورخيص في سبيلها.. وعن تطبيق لكل تشريعات الإسلام الحنيف. هذا هو الواقع الذي يستهدف من إحياء ثورة الحسين (ع)، فهل في هذا هدم للدين أو إعلاء له؟ وهل هو في مصلحة الإسلام والوطن أو ضدّها؟ يا أيها الباحثون عن الحقيقة – كما يزعمون – . 7- على أنّنا نعتقد أنّ التساؤل الآتي في بعض وسائل الإعلام بصيغة "أهي خطة مرسومة أم عاطفة ينقصها إتزان المسؤولية يؤدي إلى إتهام صريح لأكبر طائفة إسلامية على الإطلاق وعدم حسن ظن بها – والمسلم يُؤمر بحسن الظن – وعدم التأكد من الموقف". ثمّ أنّنا نتساءل ما هو المقصود بطرح هذا السؤال الآن بعد أن كانت هذه المجالس تمتلك جذوراً تمتد إلى حياة الرسول (ص) بمعنى من المعاني.. وهل هي أمر أقيم في هذا العام حتى شكل خطة مرسومة؟ أم أنّ هذه الحملة الإعلامية تخفي وراءها فرقة وتمزيقاً نعيذ المسلم أن يكون جسراً لأهداف الغير وهو يعلن في نفس الوقت أنّه يحاربها؟ 8- افترض المتشدِّق أنّ تعظيم الإمام الحسين (ع) يُشكِّل تحيُّزاً وإهانة – والعياذ بالله – لشهداء الإسلام الآخرين.. وهذا توجيه ظالم يتبرّأ منه كل مسلم.. فهلا حضر مجلساً من مجالس الحسين (ع) ليسمع بملء أذنيه ما يقوله خطباء هذه المجالس عن التأريخ الإسلامي المشرق والشهداء الأوائل بالخصوص. إنّ قضية الحسين (ع) تُشكِّل باعثاً على دراسة حياة كل الشهداء في سبيل الحق والعقيدة، بل تُشكِّل – كما سبق – باعثاً على تربية الشخصية الإسلامية الحيّة في النفوس تماماً، كما تركت بنفسها في ظرفها أكبر الآثار على الحياة الإسلامية. إنّنا لا ندري ماذا نقول إزاء هذا الإستنتاج الذي يستبطن السخف من قبل هؤلاء الإعلاميين؟ 9- افترضوا – كما يبدو من إستدلالهم بالآية الكريمة (تلك أُمّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم) – إنّ إحياء ذكرى الحسين (ع) يعني إتهاماً للأجيال اللاحقة وتحميلها ذنب الأجيال السابقة، ولعله كما يقول المسيحيون في مسألة الخطيئة. ولعمري لا ندري ما الدافع لهذه الحملة الإعلامية على هذا التحميل على المعتقدات والأعمال.. أللهمّ إلا إذا استندت في نظرته لما يقوله المستشرقون أعداء الإسلام. والحقيقة هي أنّ إحياء تلك الذكرى تُشكِّل إتهاماً لكل مَن رضي بخط يزيد ومنهجه، ورفض خط الحسين (ع) ومنهجه؛ فيزيد لا يُمثِّل إلا الجاهلية الرَّعناء والحسين (ع) لا يُمثِّل إلا الإسلام والإسلام لا غير.. ولا نتصوّر في المسلمين اليوم فرداً واعياً يدّعي أنّه يُؤيِّد الخط الأوّل.. وإذا وجد، فإنّنا نتهمه بملء أفواهنا.. ولابدّ أن يتهم. فهل ترون يا سادة ذلك إستفزازاً؟ إذن اعتبروا كل أمر بالمعروف ونهي عن المنكر كذلك. 10- على أنّنا نذكر القائمين على هذه القنوات وفيهم مَن نأمل فيه الإستجابة للواقع: إنّ مثل هذه القضايا المصيرية لا يمكن أن تطرح عبر مقال عاجل في مجلة أو وسيلة إعلامية.. بعد أن كانت مداراً للتأكيد في كتب مجلدات، وماذا يتوقع الكاتب منها غير ما لا يخدم مصلحة الإسلام والوطن. فهل يظن أنّ المسلمين يتنازلون عن واقع ثابت له جذوره الأصيلة بمقال على صفحات مجلة أو وسيلة إعلامية مملوءة بالدس والتخرُّص؟ أللهمّ إنّه ظن خاطئ.► المصدر: مجلة رسالة التقريب/ العدد 71/ محرم وصفر 1430هـ/ 2009م    
[1]- ينابيع المودة، ص164. [2]- حياة محمد(ص)، ص109. [3]- بحار الأنوار، ج10، ص192.

ارسال التعليق

Top