ونحن في هذه الرحلة التي قطعناها في شهر رمضان، بين صيام وقيام ودُّعاء وابتهال وحساب للنفس، في كلّ ما عاشه الإنسان في تاريخه، مما عصى الله تعالى فيه أو أطاعه، وفي كلّ عزم على تجديد إسلامه والتزامه وتقواه في ما يستقبله من حياته، لابدّ لنا أن نقف لدراسة ما حصلنا عليه في هذا الشهر، وقد جاء في حديث الإمام عليّ (عليه السلام): «إنّما هو عيد لمن قبل الله صيامه وقيامه ـ فهو عيد القيام بالمسؤولية، ونحن نحتفل بيوم العيد لأنّنا أطعنا الله في هذا الشهر ـ وكلّ يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد»، حيث يستطيع الإنسان المؤمن أن يجعل كلّ أيام السنة أعياداً.
وهذا هو ما يُعبّر عنه بالجهاد، لأنّ الجهاد لا يقتصر على جهاد الأعداء، بل يمتد إلى جهاد النفس وتوجيهها إلى ما أراده الله منها في العبادة وفي الطاعة، وقد وردت الأحاديث المتنوعة في الكتاب والسنّة في هذا المجال، مما لابدّ لنا أن نعيشه في كلّ حياتنا، لأنّ المسألة هي أنّنا راحلون إلى الله: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) (الانشقاق/ 6)، نحن الكادحون والعمّال الذين أراد الله لنا أن نحوّل كلّ العمر إلى ورشة عمل، وذلك بالقيام بما أمرنا الله به، والاجتناب عما نهانا عنه. هذه هي المهمة التي أوكلها الله إلينا في كلّ جوانب حياتنا، وقد ورد أن «الدُّنيا مزرعة الآخرة»، إنّك في الدُّنيا تزرع ما شئت مما تريد أن تجنيه للآخرة، فإن زرعت خيراً حصدت خيراً، وإن زرعت شراً حصدت شراً، وهذا هو قوله تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة/ 7-8).
وهذا ما يحتاج الإنسان إلى أن يتعمّق في التفكير فيه، لأنّ المشكلة في حياتنا الاجتماعية أنّنا مشغولون بالآخرين ولسنا مشغولين بأنفسنا، نحن نتحدث عن الآخرين: فلان يدخل الجنّة وفلان يدخل النار وما إلى ذلك، أما هل إن الله راضٍ عنا أو أنّه ليس راضياً، فكم مرة نفكر بها في اليوم؟
في العشر الأواخر من شهر رمضان نقرأ: «اللهمّ إنّي أسألك إن كنت رضيت عني في هذا الشهر أن تزيدني في ما بقي من عمري رضى، وإن كنت لم ترض عني في هذا الشهر فمن الآن فارضَ عني»، فعلى الإنسان أن يفكر هل أن الله راضٍ عنه أو أنّه ليس راضياً، وذلك بدراسة كلّ أعماله وأقواله، ومحاولة تصحيح ما فسد من عمله والاستزادة مما صلح منه.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق