• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قراءة العمل الفني

ناديا يوسف

قراءة العمل الفني

◄ العمل الفني واحد، لكنه يتجلى بألف معنى في نفس كل مَن يراه، خصوصاً وأنّ درجة التفاعل تختلف باختلاف الاهتمام والثقافة البصرية عند الناس. أما الاختلاف فيبدو أكثر وضوحاً أمام أعمال الفن الحديث التي تبدو مثيرة للجدل، بدءاً بالتجريد وانتهاءً بأحدث المدارس الفنية التي يحتار في تصنيفها النقاد قبل الناس. ويبدو الحديث عن أفكار الأعمال الفنية الحديثة أكثر من واقعها، فهي تقود إلى نقاشات واحتمالات تكاد لا تنتهي، بينما يبدو العمل في كثير من الأحيان، أقل مستوى مما دار حوله من نقاش.

 

- قراءة فنية:

"الحديث عن تفاعل الجمهور يحتاج إلى صفحات".. هذا ما يقوله الفنان السوري محمد ديوب، موضحاً من وحي معارضه، أنّ لكلِّ مناسبة جمهورها، ولافتاً إلى أننا يمكننا تقسيم الجمهور من خلال تفاعله إلى مستويات، منهم المتحمس، ومنهم من يتفاعل مع اللوحة، من خلال المضمون من دون أن يهتم بالشكل المجرد، وهؤلاء هم الأغلبية. ويضيف: "منهم المثقفون نصياً، إلا أنّه تنقصهم الثقافة البصرية، فيبحثون عن الدلالات الأدبية وراء العمل أو المفهوم، ومنهم من يطالبك بوضوح بأن تتبنى أفكاره، وربما يتوصل إلى نتيجة من خلال محاورتك بالمطالبة بأن تترجم أفكاره على قماش اللوحة".

ويسترسل ديوب في التصنيف موضحاً: "هناك مَن يقرأ اللوحة بمفهومه الخاص، ويحملها أفكاراً لم يقصد الفنان أن يقحمها في العمل، ومنهم الفئة التي تسأل أن تفسر لها العمل وتأتي إلى المعارض كمناسبة، وليس بقصد الحضور المجرد لرؤية العمل الفني، وهي من أكثر الفئات المتعبة للفنان، وخاصة بالنسبة لطبيعة أعمالي".

وعن أعماله قال ديوب: "أرسمها بعفوية من دون مشروع مسبق، وبشكل مجرد من دون دخول في متاهات المفهوم، بل أستحضره عبر العفوية والتفاعل المباشر مع العمل، محاولاً أن يكون العمل أكثر مصداقية"، ويضيف: "لا أنكر أنّ أغلب الجمهور الذي يحضر، وخصوصاً إلى المعارض الشخصية، يكون متفاعلاً مع العمل الفني حتى وإن شابه بعض الغموض". وينوه: "يبقى الفنانون، والمثقفون بصرياً، من أكثر المتحمسين إلى أن أقدم مادة تشكيلية بالمجرد، وهم لا يحملون اللوحة معاني وأعباء إضافية". وينتقل ديوب إلى الحديث عن تفاعله مع أعمال غيره، قائلاً: "كل ما أشاهده من أعمال فنية.. لفنانين أعرفهم، بمعنى أنني متابع لتجاربهم، أما الذين أشاهد أعمالهم للمرّة الأولى فأعتبر أعمالهم بمنتهى الأهمية، لكونها تغني رؤيتي البصرية.. سواءً كان العمل موفقاً أو أقل توفيقاً"، ويوضح: "لا أعتبر أنّ هناك عملاً ناجحاً أو فاشلاً في التشكيل، لأنني من أنصار التجريب، ولا يمكنني أن أطلق أحكاماً أو تفسيراً، من خلال تحكيم بصري هذا لكوني فناناً، ولكن الوضع ربما يكون مختلفاً قليلاً عندما أراه كناقد". ويضيف: "هنا يمكنني أن أتحدث عن لحظتين لدى قراءتي العمل الفني: الأولى المشاهدة الأولية للعمل ومحاكمة الصدمة البصرية. أما اللحظة الثانية والتي أعود فيها مرّة أخرى إلى العمل، فربما تأتي بعد الافتتاح بزمن، حيث أعود إليه مرّة أخرى لأراه بتفصيل أكثر.. لا أنكر أن للمشاهدة الأولى أو ما أسميه الصدمة الأولى، القرار الأهم للحكم على العمل الفني". وأخيراً.. يتطرق ديوب إلى ما يعرف بما بعد الحداثة، مؤكداً: "أنا لا أعترف بمصطلح ما بعد الحداثة لأني أجده غير مناسب أو غير موجود أصلاً، فأسميه أعمال الحداثة، لأنّ كلَّ ما نقدّمه الآن من تجريب بالتشكيل هو حداثة، لكوننا نقدمه حديثاً، أما ما سيقدم من عمل تحت مسمى ما بعد الحداثة فهذا.. منطقياً يتوجب أن يكون مستقبلياً". ويختم قائلاً: ما يطلق الآن على ما يسمى بعد الحداثة، هو تجريب حديث، ومن هنا يكون تفاعلي معه بما يحمله من قيمة تشكيلية، وليس بما يحمله من غرابة فقط".

 

- رمز وغموض:

في مستهل حديثه يؤكد عزت غطاس (مستشار قانوني) بقوله: "أنا أتجه إلى الفن الكلاسيكي أكثر من الفن الحديث، لأنّه يظهر جمالية التكوين بشكل مباشر، أكثر مما يقدر عليه الفن الحديث الذي يغلفه شيء من الرموز أو الغموض". ويوضح قائلاً "أعتقد أنّ الكثير من الأعمال الفنية الحديثة سواء لوحات أو منحوتات لا تحمل مادة ثرية أو فكراً، إنما تتسم بالبساطة المتناهية، أو تنتج عن خليط من الألوان التي قد تعطي أكثر من معنى، ولا أرى في هذا فناً أكثر منه لغزاً أو "فوازير" أو مسابقة تتطلب مني أن أصل إلى الحل لمعرفة ما المقصود".

 

- غياب المعاني:

"تعجبني بالدرجة الأولى الأعمال التي تعكس معاناة إنسانية ما".. هذا ما يؤكده ناصر بن عيسى، مدير مدرسة ويضيف: "اللوحات التي تبرز معاناة شخص أو شعب، تؤثر كثيراً في نفسي وأقف أمامها متأملاً، لتقودني للتفكير بأنّ هناك أناساً تعاني وتحتاج إلى من يساعدها". ويتابع قائلاً: "أما اللوحات التي تصور الطبيعة وجمالها والتراث فهي تمنح النفس الكثير من الراحة والشعور بجمال الطبيعة من حوله، وهو ما يترك انعكاسات نفسية جيِّدة على الإنسان".

وعن تفاعله مع الأساليب الحديثة في الفن، يؤكد: "هناك أعمال فنية من لوحات أو حتى مجسمات لا تحمل شيئاً واضحاً، أو معنى محدداً، وقد يحمل الفنان من خلالها رسالة ما، كما يقول، أو يترك للمطلع تفسيرها كما يريد. ويضيف: "هذا النوع من الأعمال الفنية لا يجذبني، لأنني أحب العمل الفني الواضح والمعبر، بصورة مفهومة، وليست مبهمة". ويختم قائلاً: "نسمع ونرى لوحات فنية تباع بالملايين، ولكنها تمثل أشياء غير واضحة المعنى، مما يجعلني أشعر أن قيمتها استمدت من كونها تعود لزمن ما، هو أكثر من طبيعة العمل الفني ذاته". ►

ارسال التعليق

Top