• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قيم الكمال والأخلاق في شخصية الإمام الكاظم (ع)

عمار كاظم

قيم الكمال والأخلاق في شخصية الإمام الكاظم (ع)
الإمام موسى بن جعفر (ع) كان يكنى بـ(أبو الحسن الأول، الماضي)، ولُقب بـ(الصابر، الكاظم، الزاهد)، وولد (ع) ضحوة يوم الأحد في السابع من صفر المظفر سنة 128 من الهجرة، ومكان ولادته (ع) في قرية يقال لها (الأبواء) تقع بين مكة والمدينة المنورة. كما وتوفي (ع) آخر ليلة الجمعة في الرابع والعشرين من شهر رجب الأصب سنة 183 من الهجرة. وعاش في ظلّ أبيه الصادق (ع)، عقدين من عمره المبارك، وتفيّأ بظلال علوم والده الكريم ومدرسته الربّانية التي استقطبت بأشعتها النافذة العالم الإسلامي بل الإنساني أجمع. تدرّج الإمام موسى بن جعفر في طفولة زاكية مميزة، فتربّى في حجر الإسلام، ورضع من ثدي الإيمان، وتغذى من عطف أبيه الإمام الصادق، حيث أغدق عليه أشعة من روحه الطاهرة وأرشده إلى عادات الأئمة الشريفة وسلوكهم النيّر، فالتقت في سنّه المبكر جميع عناصر التربية الإسلامية السليمة، حتى أحرز في صغره جميع أنواع التهذيب والكمال والأخلاق الحميدة، ومن شبّ على شيء شاب عليه. هذه الطفولة المميزة استقبلها الإمام موسى بن جعفر (ع)، وهو ناعم البال بحفاوة وتكريم خاص، فأبوه أغدق عليه عطفاً مستفيضاً، وحمل له من الحب ما لا يحمله لغيره، حيث قدّمه على بقية ولده، فاندفع قائلاً: "الحمد لله الذي جعلك خلفاً من الآباء، وسروراً من الأبناء، وعوضاً عن الأصدقاء...". كما كان (ع) عظيم الفضل، رابط الجأش، واسع العطاء، وكان يضرب المثل بصرار موسى، وكان أهله يقولون عجباً لمن جاءته صرة موسى فشكا القلة. كما كان (ع) أجل ولد أبي عبد الله قدراً وأعظمهم محلاً وأبعدهم في الناس صيتاً ولم يرَ في زمانه أسخى منه ولا أكرم نفساً وعشرة وكان أعبد أهل زمانه وأورعهم وأجلهم وأفقههم. لقد جسّد الإمام الكاظم (ع) دور الإمامة بأجمل صورها ومعانيها، وكان دائم التوجّه لله سبحانه حتى في أحرج الأوقات التي قضاها في سجون العباسيين حيث كان دعاؤه: "اللهمَّ إنكَ تعلمُ أَني كنتُ أسألُكَ أنْ تفرِّغَنِي لعبادتِكَ وقدْ فعلْتَ فلكَ الحمدُ". كما كان للإمام (ع) مكانة مرموقة على صعيد معالجة قضايا العقيدة والشريعة في عصره. حيث برز في مواجهة الاتجاهات العقائدية المنحرفة والمذاهب الدينية المتطرفة والأحاديث المدسوسة من خلال عقد الحلقات المناظرات الفكرية. إنّ الإمام موسى بن جعفر (ع) من قمم الروح والفكر والجهاد، وصفحات حياته مليئة بالعبر والمظاهر الفذّة التي تمتلك القلوب وتستولي على المشاعر، فلقد أوتي أروع قيم الكمال وأرفع معالي الأخلاق وأجلّ مظاهر العظمة التي طبعت شخصيته الكريمة وميزتها عن سائر من عاصره في العبادة وغزارة العلم والحكمة والبلاغة والحلم والزهد والكرم والشجاعة والتقوى والخلق الرفيع، فكان رمزاً لقيم الفضيلة وشيم المروءة وقدوةً صالحة للإنسانية، ممّا جعله يمتلك أزمّة القلوب ويحظى بمحبة الناس على اختلاف مشاربهم، ويعترف له بالتقدم بالعلم والفضل حتى أعدائه. فقد ورد عن الرشيد أنّه قال للمأمون: يا بُني، هذا وارث علم النبيّين، هذا موسى بن جعفر بن محمّد، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا. عاش الإمام الكاظم (ع) هذه المرحلة، واستطاع أن يملأها علماً وفكراً وروحانيةً، فترك إسهامات علمية واسعة ورصيداً معرفياً لا ينضب، فقد واصل نشاط مدرسة آبائه المعصومين (عليهم ‌السلام)، وكان له دور كبير في رفدها بعلومهم الغرّاء وسننهم السمحاء، مما له الأثر الفاعل في ترسيخ مبادئ العقيدة وتربية نخبة صالحة من أصحابه الرواة الثقات والفقهاء والمؤلفين. وتتأكد الحاجة إلى مثل هذه الجماعة الصالحة في زمان الإمام الكاظم (ع) بسبب سياسة القهر والإقصاء المفروضة عليه من قبل السلطة. كان الإمام الكاظم (ع) يتحرك في المجتمع ضمن مجموعة من القيم يتصف بها ويوصي بها ويدافع عنها، تلك هي قيم النبوة ومُثل الإسلام التي أبعدها الحكام عن واقع الناس، الأمر الذي جعل الإمام (ع) في موقع محبة الناس كلّهم.

ارسال التعليق

Top