• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

كيف هي علاقتنا بالمال؟

كيف هي علاقتنا بالمال؟

◄حسب نظرية فرويد، فإن علاقتنا بالمال تتشكل في جزء منها اعتماداً على الطريقة التي تربينا عليها. ما عاشه كلّ منا داخل أسرته هو المسؤول غالباً عن العلاقات التي تربطنا بالمال، وعن ما يمثله المال بالنسبة إلينا. مثلاً، إذا كان الطفل ينحدر من أسرة بخيلة يمكنه عندما يكبر أن يتسم بالعيب نفسه فيكون بخيلاً جدّاً ولا يحتمل أن يصرف النقود، وقد يحدث العكس، ويكون هناك رد فعل مناقض لسلوك الأسرة. فإذا تربى الطفل بين والدين حرماه من كلّ شيء بسبب بخلهما، فيمكن لهذا الطفل عندما يكبر أن يتحول إلى مبذّر كبير يصرف نقوده من دون الرجوع إلى المنطق.

من جهة أخرى، فإنّ الخوف من الفقر والحاجة الذي عاشه الطفل الذي رأى والديه يصرفان بإسراف، قد يجعله يتحول إلى شخص بخيل عندما يكبر، حيث يكون هذا البخل بالنسبة إليه وسيلة تعطيه شعوراً وهمياً بالأمان. ولا تتدخل تربية كلّ منا فقط في كيفية استعمالنا المال، بل إنّها تتدخل أيضاً في مفهومنا لقيمة المال في حياتنا.

    

- التعلق بالمال:

يمكن للمرء أن يدمن المخدرات أو الكحول، لكنه يمكن أيضاً أن يدمن جمع المال. هذا النوع من الإدمان أي التعلق بالمال، يمكن أن يُترجم بصورتين، إما أن يصبح الشغل الشاغل للمدمن هو جمع المال، والحرص على عدم إنفاقه إلا للضرورة القصوى، وإما أن يصبح شغله الشاغل هو إنفاق المال بكثرة وتبذيره والتسوق الدائم. وللأسف فإنّ المدمن يكون دائماً عبداً للشيء الذي يدمنه، ولا يمكنه أبداً أن يكون مستقلاً. ومدمن المال يشعر بمتعة كبيرة ولذة وفرحة عارمة، كلما جمع المزيد منه، وكلما أنفق المزيد بطريقة تجعله يفقد القدرة على التمييز، وتحديد ما هو مهم فعلاً وما هو غير مهم. وشأنه شأن أي إدمان آخر، فإنّ الإدمان على المال يظهر لدى الأشخاص الذين يعانون نقصاً في الثقة بالنفس، فهم عاجزون عن أن يجدوا لأنفسهم مكاناً بين الآخرين من دون عداء أو مغالاة. لهذا فإن الشخص المدمن على إنفاق المال مثلاً، ينفقه حتى يشعر بأنّه مهم وقادر على فعل شيء، حتى لو كان ذلك فقط في عيني البائع الذي يشتري منه.

    

- سيكولوجية البخيل والمقتصد:

إنّ الشخص المدمن على المال، لا يمكنه أن يمنع نفسه من التفكير فيه مرات عدة في اليوم. وبمجرد أن يكون مضطراً إلى اتخاذ قرار، له علاقة باستعمال المال، فإن هذا الشخص يفقد قدرته على التحكم في مشاعره واتخاذ القرارات السليمة. يعيش الشخص المهووس بالمال ومعه إرادة وهمية بأن يجعل اللحظة تطول وتدوم، حتى لا تضيع من بين أصابعه المشاعر الإيجابية التي يشعر بها خلال لحظات السعادة. وهذه الاستدامة بالنسبة إليه يمكن أن تنطبق على المال أيضاً. ومن وجهة نظر التحليل السيكولوجي، فإنّ البخيل المهووس يسعى دائماً إلى إبقاء المال عنده أطول وقت ممكن، ولا ينفقه إلا لضرورة قصوى أو لشيء يسعده. البخيل إذن هو شخص عدائي لأنّه يرفض أن يسلم للآخر المال بصفته شيئاً له قيمة، والقيمة في الحقيقة بالنسبة إليه هي قيمة عاطفية في المقام الأوّل، حتى لو كان هو لا يعي ذلك. وأغلب البخلاء في الواقع هم أناس مصابون بمشاكل نفسية. فهم مهووسون بفكرة الحفاظ على المال في حوزتهم، وجمعه. لهذا فهم يشعرون إذا فقدوا جزءاً من مالهم كأنّهم فقدوا جزءاً من ذواتهم.

    

- سيكولوجية المبذرين والمسرفين:

من منا لم يضعف يوماً ويقم بعملية إنفاق غير محسوبة وغير ضرورية، لأنّنا كنا في حالة نفسية سيِّئة، أزمة عاطفية أو تسريح من العمل أو مشكلة عائلية؟ لا علينا فهذا سلوك تعويضي طبيعي يمر به كلّ الناس أحياناً، إلا أنّه غير طبيعي عند المبذرين لأنّهم يمرون به يومياً. هؤلاء الأشخاص ينفقون بجنون ولا يعرفون كيف يتحكمون في رغبتهم في الشراء. وضحايا هذا النوع من الإدمان على المال يعبّرون عن الشعور الكبير بالسعادة والفرح وهم يقومون بالشراء وإنفاق المال، وكأنّهم في حالة سُكر ولا وعي تدفعهم إلى إنفاق مبالغ كبيرة من المال لاقتناء أشياء تعجبهم، لكنها في الحقيقة غير ضرورية وربما لن يستعملوها أبداً. وهذه الحالة تصحبها غالباً حالة أخرى من المشاكل الصحية التي تتمثل في صداع في الرأس ومشاكل في الجهاز الهضمي وأرق، عندما يشعرون بأنّهم لم يعودوا قادرين على الإنفاق، فهم يعيشون تماماً العذاب الذي يعيشه أي مدمن.

لهذا، من المهم أن تبقى متيقظ ومنتبه، وخاصة إذا رأيت مثل هذه السلوكات على شخص قريب منك. التصرف بسرعة يمكّن في كثير من الأحيان من جعل الكثير من مدمني المال يتوقفون عن إدمانهم، بمجرد أن يصبحوا بالفعل واعين بأنّهم مدمنون في علاقتهم مع المال.►

تعليقات

  • هاجر

    جزاك الله خيراً

ارسال التعليق

Top