◄طبعاً، من حق كلّ فنان التعبير عن رأيه وموقفه من القضايا الراهنة، ومن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية وسواها، بل من واجب كلّ فنان إعلان موقف مما يجري في وطنه ومجتمعه، وما يتعرض له أهله وناسه، خصوصاً إذا اتفقنا أنّ الفن هو مرآة تعكس آمالنا وآلامنا، وأنّ الفنان الحقيقي ضميرٌ للمجتمع والناس.
تلك شبه مسلّمات تتفق عليها الأغلبية، ولا تعارضها سوى قلة تَعتبر الفن مجرد لهو وتسلية، وعملية ترفيه عن المتلقي الذي لا يريد، في رأي تلك القلة، سوى "الترويح" عن نفسه، من خلال فنون استهلاكية وشعبوية، لا تُسمن ولا تُغني من جوع. ولأنّ الفن الحقيقي سلاح خطير في يد المجتمع والناس، نلاحظ كيف يتعرض معظم المبدعين الملتزمين قضايا شعوبهم للقمع والمنع والترويع والاعتقال، وأحياناً للقتل أو النفي القسري إلى بلاد الله الواسعة، التي لا تضيق إلا بفعل الطغيان والاستبداد.
في كلّ مرّة يبدي فيها فنانٌ ما رأياً سياسياً تقوم الدنيا ولا تقعد، وتشتعل مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض. ويذهب البعض، للأسف، إلى حد استخدام السباب والشتائم في التعبير عن آرائه مواقفه، في وقت تحتاج مجتمعاتنا إلى كثير من الحُبّ والروية في مواجهة الكم الكبير من الضغائن والأحقاد، الذي يتعاظم ضخه عبر أدوات ومنابر كثيرة.
قد نفهم أن يعمد بعض العامة من الناس إلى استخدام عبارات ومفردات سوقية، نتيجة لقلة الوعي والمعرفة، وتعاظُم الغرائز والعصبيات في زمن التشظي والانشطارات المجتمعية القاتلة. لكن، أن يلجأ بعض الفنانين إلى اللغة نفسها، فهذا ما لا نفهمه ولا نقبله، بل نرفضه وندينه، لأنّ الفنان الحقيقي (ونكرر صفة الحقيقي، بسبب امتلاء الوسط الفني بمنتحلي الصفة ممن يقدمون السفاهة والتفاهة تحت مسمى الفن) يمثل قدوة وقيمة معنويتين ورمزيتين لكثير من الناس، وعليه التماهي مع الصورة الإيجابية التي يمثلها، بلد توسيع الهوة بين ما يمثله وما يعيشه في الواقع.
قلنا إن من حق كلّ فنان، باعتباره إنساناً ومواطناً قبل أي صفة أخرى، التعبير عن آرائه في مختلف القضايا والأحداث. هذا حقٌّ تكفله البداهة والقوانين والشرائع. لكن ما ينبغي أن يميز الفنان المبدع عن سواه، هو الأسلوب الذي يعبّر من خلاله عن نفسه وعن مواقفه، واللغة التي يستخدمها، لأنّه متى عبّر بالسباب والشتائم وبلغة بذيئة وسفيهة، أعطانا الحقّ في الشك في إبداعه وفنه وثقافته ومستوى وعيه.
الفنان الحقيقي (مرة أخرى: الحقيقي) هو مَن يسعى إلى الارتقاء بالوعي الفردي والجمعي عبر تقديم فن راقٍ ممتع معبّر عن أحلام الناس وتطلعاتهم، بدل الانخراط في سجالات مُتدنية المستوى، لا تخدم قضيةً ولا إنساناً. الأكيد أنّ الأفضل للفنان الذي يريد التعبير عن مواقفه وآرائه اختيار لغة تشبهه وتشبه فنه، لأنّ "الكلام صفة المتكلم" كما نردد منذ نعومة وعينا. ►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق