مراتب الصبر كثيرة، نذكر هنا بعض المراتب التي تطابق الحديث النبويّ الشريف، عن أمير المؤمنين (ع) قال: «قال رسول الله (ص): الصبر ثلاثة: صبرٌ عند المصيبة، وصبرٌ على الطاعة، وصبرٌ عن المعصية، فمن صبر على المصيبة حتى يردّها بحسن عزائها، كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض. ومَن صبر على الطاعة، كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش. ومَن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش».
ونعلم من هذا الحديث الشريف ثلاث درجات للصبر، وهي مبادئ الصبر:
المرتبة الأولى: الصبر على البليّات والمصائب
وذلك بأن يكون الإنسان في هذا النوع من الواردات متملّكاً نفسه، فلا يجزع ولا يشكو عند الخلق. أمّا الجزع والشكاية عند الخالق فهي ليست نقصاً. وإن كانت عيباً عند أهل المعرفة، لأنّه تجلّد وتصلّب، وفي مذهب العشق والمحبّة يعتبر التجلّد عيباً كبيراً، لأنّ المطلوب هو فقط إظهار العجز والفقر، والتجلّد هو الغرور وإظهار الوجود، وهذا عند أهل المعرفة من أكبر الجنايات. وللصبر في المصيبات ثلاثمائة درجة من الثواب ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض.
المرتبة الثانية: الصبر على الطاعة
وذلك بأن يكون الإنسان في طاعة الحقّ تعالى متمالكاً لنفسه، فلا تأخذ النفس الأمّارة بالسوء الزمام من يد الإنسان ويطلق لها العنان. وإطلاق العنان بشكلٍ عام يكون في مقامين، والصبر في أحدهما أصعب كثيراً منه في الآخر:
المقام الأوّل: وهو الذي يكون الصبر فيه سهلاً، وهو الصبر عن إطلاق العنان للنفس في ترك الطاعات. والصبر في هذه المرحلة عبارة عن مقاومة النفس الأمّارة والشيطان، والإتيان بالوظائف الإلهيّة بحدودها الشرعية وآدابها القلبية، وهذا من المصاعب.
المقام الثاني: والصبر فيه يكون أصعب، وهو منع إطلاق العنان للنفس بعد الإتيان بالعمل والطاعات، وهو حبس النفس بعد القيام بآداب العمل وشرائطه الظاهرة والباطنة لكي لا تُبتلى بالعجب والكبر وغيرهما. وربّما يدعو الشيطان والنفس الأمّارة الإنسان إلى الأعمال الصالحة، والأخلاق الحميدة والتبعية للشريعة المطهّرة لسنواتٍ طويلة رجاء أن يُبتلى بالإعجاب وحبّ النفس فيسقط رغم جميع مشقّاته ورياضاته.
المرتبة الثالثة: الصبر عن المعصية
بمعنى أنّ الإنسان يصبر في مجاهدة نفسه وجنود إبليس، وبواسطة الاستقامة والمثابرة يتغلّب عليهم. ولهذه الدرجة مقاماتٌ وحقائق ولطائف كثيرة، والصبر في كلّ درجةٍ منها أصعب وأدقّ من الصبر على الطاعات. بل إنّ الموفّق في الصبر في هذه المرتبة يسهل عليه الصبر على الطاعات.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق