• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مسؤولياتنا اليوم كشبّان مسلمين/ ج (4)

أسرة

مسؤولياتنا اليوم كشبّان مسلمين/ ج (4)
 11- المسؤولية السياسية والإعلامية: في الحديث الشريف: "مَن أصبحَ ولم يهتمّ بأمورِ المسلمين فليس بمُسلِم". هذه دعوة واسعة، مفتوحة للإهتمام بأمور وشؤون المسلمين أينما كانوا.. الاهتمام هنا لا يقف عند حدِّ التألّم لما يتألّمون له والفرح بما يفرحون، بل يشمل كلّ ما من شأنه أن يجعل حياتهم المادِّية والمعنوية كأفضل ما يكون: "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عُضوٌ تداعى له سائِرُ الجسد بالسّهر والحُمّى". هذا البناء العضوي لمجتمع المسلمين في (التوادد) و(التراحم) و(التعاطف) و(الشكوى) لا يبيح لليد أن تقول: "أنا بخير ولا يهمّني إن تألّم باقي الجسد، ولا يرتضي للعين أن تقول: ما دخلي أنا في الأمر تلك القدم هي التي تشتكي، إنّه ترابط حميم متداخل يؤثِّر في بعضه البعض ويتأثّر ببعضه البعض. وعلى ضوء ذلك، فإن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا ينحصر في الدعوة إلى الإصلاحات الأخلاقيّة ومحاربة المنكرات الاجتماعيّة فقط، بل يمثِّل مسؤوليّتنا كمسلمين في أن يكون لنا (موقف) من الصلاح كلّه والفساد كلّه.. بأن نغيِّر الفاسد بمختلف أساليب التغيير وضمن الإمكانات المتاحة، وأن نعزِّز الصالح ونقوِّيه ونثبِّت أركانه. يُقال أنّ أباً أشرفَ على الوفاة، فاجتمع حوله أبناؤه السبعة، فأمرهم بإحضار عصاً لكلٍّ منهم، فلمّا اجتمعت، طلب منهم أن يكسروها مجتمعة فلم يقدروا، فقال لهم: فرِّقوها وليتناول كلّ واحد منكم عصاه ليكسرها، فكسروها بدون عناء كبير. وعند ذلك قال لهم: اعلموا أنّ مثلكم مثل هذه العصيّ، فما دمتم مجتمعين ومؤتلفين ويعضد بعضكم بعضاً، فلن ينال منكم أعداؤكم غرضاً، أمّا إذا اختلفتم وتفرّقتم، فإنّه يضعف أمركم ويصيبكم ما أصاب العصي، ثمّ أنشد قائلاً: كونوا جميعاً يا بَنيَّ إذا اعترى **** خطبٌ ولا تتفرّقوا آحادا تأبى العصيُّ إذا اجتمعنَ تكسّراً **** وإذا افترقنَ تكسّرت أفرادا وقيلَ إنّ امرأة حمقاء في الجاهلية كانت تغزلُ غزلاً ولا تتعبُ في نسجه وترتيبه، حتى إذا اكتمل عادت ونقضتهُ (حلّته) من جديد، فضربَ اللهُ بها مثلاً للعمل يوشك أن يكتمل فيهدمه الذين بنوه. قال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) (النحل/ 92). كان الشّاب (أحمد بن طولون) يحملُ عوداً يعزف عليه ومعه مغنِّية، فجاءهُ شخص، فعنّفهُ على استهتاره، فنُقل الخبرُ إلى أبيه (ابن طولون)، وكان وقتها حاكماً على مصر، فبعثَ وراء المعنِّف وسأله، ما الذي حملكَ على تعنيفه وهو ابن مَن تعرف؟! قال: ولايتي عليه! قال: كيف؟ قال: ألم يقل الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة/ 71)، أي بعضهم مسؤول عن البعض الآخر. فقال ابن طولون: إذهب وأمر بالمعروف وأنا معك! من هنا يمكن أن نطرح على أنفسنا هذا السؤال: قل لي أيّ موقف وقفت، أقل لك مَن أنت.. فالشّاب الذي لا موقف له هو ريشة في مهبِّ الرِّيح لا يملك قياده بل الريح هي التي تقوده وقد تؤدي به إلى المهالك والمزالق والإنحرافات. ترى لو فكّر هذا الشاب المضحِّي بحياته في سبيل إنقاذ شعبه أو أمّته من ظلم الحاكم الظالم بطريقة ذاتيّة آنيّة ضيِّقة، وقال: ما لي وللنّاس، لما كسر شعبٌ قيوده، ولما هُزمت قوّةٌ من قوى الظلام، ولما تغيّر واقع مُزر. ولو أنّك سكتَّ عن صرخة الحقّ وخنقتها في حنجرتك وتراجعت عن الدِّفاع عن المظلوم، فإنّك سوف تساعد الظلم بطريقٍ غير مباشر، وقد قيل: "الساكِتُ عن الحقِّ شيطانٌ أخرَس". إنّ ما يصطلح عليه بـ(الشارع السياسي) يُشكِّل جمهور الشباب جانباً كبيراً منه، والمسؤولية السياسية تتطلّب أن يكون للشاب رأي في كلِّ ما يجري. وكم غيّرت مشاركة الشبان في التظاهرات والإعتصامات والإضرابات، والحركة على مسرح الأحداث هنا وهناك. إنّ صوتك مسؤوليّتك.. ألا ترى لو أنّك أعطيته للباطل أو للظّلم كيف سيقوى ويشتدّ ساعده؟ فلِمَ لا تعطيه للعدلِ وللحقِّ وللحرِّيّة؟ ألستَ أنت المسلم المسؤول عن مخاصمة الظالم ونصرة المظلوم: "كُونا للظّالِم خَصماً وللمَظلُومِ عَوْناً"[1]. وقد تبدو مقاطعة سلع وبضائع العدو المحتل غير مؤثِّرة كثيراً على اقتصاد سوقه، لكنّها في حساب الموقف كبيرة جدّاً.. إنّها تُمثِّل (ثقافة الحضور)، فمقاطعة هنا ومقاطعة هناك، تجعل الرّقعة تتّسع والتأثير يكبر والعدوّ يصرخ متألِّماً. ولذا، فإنّ الطريق إلى تحمّل المسؤوليّة السياسية، يمرّ من عدّة قنوات: إحداها (الوعي) واليقظة السياسية لما يجري هنا وهناك من مخطّطات وشعارات ومؤامرات وتحرّكات ليس على الساحة المحلِّيّة فقط بل الدوليّة أيضاً. ثمّ (الحضور السياسي) بأن يكون للشباب رأيهم في قضايا أمّتهم الحاضرة والمستقبلة، لسبب بسيط أنّهم جزء لا يتجزأ من هذه الأُمّة. يقول أحد الكتاب السياسيِّين: "إن استقالة المواطن العربي من الشأن العام، بلاء حلّ بالأُمّة وأسهم في انتكاستها وتدهور أوضاعها"[2]. المسؤوليّة السياسية تستدعي أيضاً أن نعمل كشباب على تنقية العمل السياسي من الدّجل والكذب والتلاعب بالشعارات والمواقف الفضفاضة أو النِّفاقيّة أو الإرتهان السياسي للأجنبي وخيانة الأُمّة، أي أن نعمل على أن تكون للسياسة أخلاقها، فلا نعتمد الحرام والطرق الملتوية وصولاً إلى غاياتنا السياسية النّبيلة. إنّ مشاركة في التظاهرات والإعتصامات، ورفع المذكّرات والمناشدات والمقاطعة الإقتصادية للجهات المُسيئة للإسلام، والكتابة عبرَ الإنترنيت نقداً وتسديداً، وتقديم المداخلات والأسئلة عبرَ البرامج التي تبثّها الفضائيّات والكتابة إلى الصحافة.. كلّها عوامل ترشيد للحركة السياسية التي تهتمّ للرأي العام وبصفة خاصّة الشبابي منه. إنّها لا شكّ مسؤوليّة معقّدة وتضامنيّة، تتحمّلها أكثر من جهة وطرف، لكنّ ابتعاد الشبان عنها، لهذا السبب أو ذاك، ربّما يزيدها تعقيداً؛ لأنّهم إذ ذاك يتركون ملاحة السفينة – التي نقف على ظهرها جميعاً – إلى ربابنة يخونون ركّابها ويعرِّضونهم إلى أكثر من حالة غرق. أمّا من الناحية الإعلاميّة، فإن مقولة أنّ هناك إعلاماً شابّاً لا تقوم على أساس، فحتّى ما يُطرح في وسائل الإعلام من قضايا الشباب لا يمسّ حياة الشباب بالصميم، فهو إمّا أن يكون منافيّاً لأخلاقيّة الشاب المسلم ومخالفاً لعادات مجتمعه وتقاليده وقيمه، وإمّا أن يكون وعظاً وإرشاداً قد يدفع إلى الملل والسّام، وبالتالي فالبرامج الشبابيّة التي تبثّها القنوات الفضائيّة تُمثِّل حالة انفصال بين المادّة المقدّمة وبين المتلقِّي الشاب، فلا يرى فيها نفسه. ربّما تدغدغ الغرائز في الأغاني والموضات وبرامج السيارات والرياضة العنيفة ومسلسلات الإبتذال، لكنّه لا يجد فيها موقعه في مجتمعه ولا اهتماماً بمشاكله ولا طرحاً جادّاً لإنقاذه من محنه الكثيرة، ولا ثقافة جادّة تغني شخصيّته. إنّ مسؤوليّة الشاب الإعلامية تتركّز في نقد هذا الإعلام وعدم التعاطي مع موادِّه على أنّها مقدّسة لا يطالها النقد، بل والكتابة إلى الصحف والمجلات عن شكواهم من الإعلام التغريبي والبرامج الشبابية التي لا تخاطب في الشبان سوى غرائزهم، والمطالبة بالتوازن إن لم يكن من الممكن وضع حدّ لها، بسبب السيطرة المبرمجة على هذه الأجهزة. إنّ غياب النقد الشبابي لهذا الإعلام الهابط، سوف يرفع من مكانته ويوسِّع من قنواته، كما أنّ الإقبال على البرامج النظيفة التي راحت تتنفّس في هذه القناة أو تلك، أو هذا الموقع على الشبكة العنكبوتيّة (الإنترنيت) أو ذاك سوف يفتح للشّابِّ نوافذ للمعرفة جادّة وجديدة. إنّ المشكلة ليست في الشابِّ نفسه، بل بمَن يتولّى أمره الإعلامي، وإلا فكما نعلم أنّ الشاب لو يجد القناة الجادّة النظيفة الواعية لدورها، العارفة بأساليب مخاطبته، لأقبل عليها وترك وراء ظهره كلّ هذا الطعام الإعلامي الفاسد.   12- المسؤوليّة الوطنيّة: "حبّ الوطن من الإيمان". الحبّ مسؤوليّة.. كما أنّ الإيمان مسؤوليّة. فالعلاقة مع الوطن، الذي يولد فيه الإنسان، ينمو ويترعرع ويشبّ، ليست علاقة عاطفيّة مجرّدة، بحيث يتعلّق بأهله ولغته ومعالمه ومناخه وتربته وعاداته وتقاليده، إنّما هي علاقة مسؤولة من جهتين: مسؤوليّة الوطن إزاء أبنائه ومسؤوليّة أبنائه إزاءه. إنّه أسرتنا الكبيرة، فهل نهمل التعاون والتحابب وحلّ المشاكل في أسرتنا الصغيرة؟ ألا نشعر بأنّنا جزء منها، يصيبنا ما أصابها ويسرّنا ما يسرّها. كذلك هو الوطن.. إنّه الأسرة الأكبر، التي تستدعي حرصاً أكبر في بنائه وحمايته من الظلم والإستغلال والحرمان والأميّة والجهل والتخلّف، كما تتطلّب حمايته من الأمراض والأوبئة الماديّة والمعنويّة، وقد يستدعي الأمر حمل الصلاح لدفع الأخطار التي تهدِّده وتهدِّد أبناءه واقتصاده وأمنه والتضحية من أجل استقلاله وحرِّيّته وكرامته، فكما أن البيت الصغير مسؤولية أهله في الدِّفاع عن أرواحهم وممتلكاتهم وسمعتهم، فكذلك بيتنا الكبير (الوطن). إنّ الملاحظ اليوم لدى قطاع من الشباب، فقدانهم للحسّ الوطني، وهو ما تتحمّل التربية والثقافة مسؤوليّته. ونعني بالحسّ الوطني معرفة موقع الوطن وتأريخه ومعرفة رجالاته الوطنِّين الذين ضحّوا من أجله بالشيء الكثير، ومبدعيه في الفكر والثقافة والفنّ والسياسة، وأن نربط ماضيه بحاضره ومستقبله. ومن متطلّبات هذا الحسّ أن تأخذنا الغيرة على تردِّي أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية، والعمل على إحياء الكثير من عاداته الخيِّرة وتقاليده الصالحة، التي شكّلت ملامحه الأساسيّة، والتي عمل الأعداء على طمسها أو مسخها واستبدالها بعادات التغريب وتقاليده. والمسؤوليّة الوطنيّة بعد ذلك متشعِّبة، تحتاج إلى كلِّ طاقة من الطاقات الحيويّة والشبابية في الصدارة منها، لتنهض من أجل تطوير أوضاعه وإصلاح الفاسد منها وخدمته في المجالات العلميّة والصِّناعيّة والفكريّة والعملية. وهي تتطلّب أن نحسن إلى بيئته في مائها وشجرها وحيواناتها وثرواتها الطبيعية، بالإضافة إلى أن نكون رسله وسفراءه حيثما انتقلنا أو حللنا. يقول علي (ع): "وللبلاد حقوق عليكم، فإنّكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم".   13- المسؤوليّة التأريخيّة: صفحات التأريخ بخيرها وشرّها انطوت.. إنّه مسؤوليّة الماضين لا نحاسَب على سلبياته ولا نكافأ على إيجابيّاته: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (البقرة/ 134). فكيف يكون الموقف من التأريخ؟ هل ندير الظهر لتأريخنا وتراثنا، وفيهما من الغنى ما يثري حاضرنا لمجرّد أنّ التأريخ مضى وانقضى؟ إنّ دروس التاريخ وعبره كثيرة، يمكن أن نستلهم منها أفكاراً وخبرات وتجارب جديدة، فلقد ثبت بالتجربة أنّ الذين أمعنوا النظر في التأريخ، وتعمّقوا في دلالات أحداثه كانوا أقوياء في نظرتهم للواقع وللمستقبل. إنّ المسؤولية التأريخيّة تتطلّب أن نقرأ تأريخنا وتأريخ العالم بنظرة موضوعية غير انحيازية ولا متعصِّبة ولا متطرِّفة بين رفض لكلِّ ما فيه وبين قبول لكل ما فيه. إنّه نتاج بشر مثلنا، وقد يكون فيه الصحيح وقد يكون فيه السّقيم، وقد يكون فيه الموضوع الدّخيل الذي ليس منه، الأمر الذي يستدعي عدم النظر إلى التأريخ على أنّه قرآن مُنزَل أو تراث مُقدّس لا يمكن مناقشته ونقده، فكلّ ما في التأريخ خاضع للنّظر والبحث والمناقشة والنقد والتأمّل. ربّما يقول بعض الشباب: نحن أبناء اليوم، فما لنا وللماضي. ونحن هنا لا ندعو إلى الاستغراق في الماضي، ولكنّنا نأخذ من ماضينا لحاضرنا ممّا ينفع ويغني، وتلك دعوة القرآن إلينا: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ) (يوسف/ 109)، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) (الفجر/ 6)، (قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا) (النمل/ 69)، فأحوال الماضين وعلمهم وتجاربهم ليست كلّها باطلة أو ساقطة من التداول. ولذا فإنّ المسؤوليّة التأريخيّة تحتاج أن ننظر في الأحداث والأفكار أكثر ممّا ننظر في الرموز والأشخاص، فهؤلاء قد غادروا مسرح التأريخ، ولم يبق منهم سوى أفكارهم، التي هي نتاج بحث وتأمّل وتجربة، وأعمالهم التي يمكن أن نغتني ببعضها ونطوِّر بعضها الآخر. ...........................................................................................
  [1]- كانت الصّحف الإغترابيّة في كندا قد صدرت قبل تحرير جنوب لبنان من الاحتلال، فتعذّر نشر وقائعه، فما كان من بعض الشباب الجامعيِّين هناك إلا أن يتولّوا سدّ هذه الثغرة الإعلاميّة باللّجوء إلى شبكات الإنترنيت لنشر الخبر وتعميمه، بل والقيام بتظاهرة إعلاميّة طافت شوارع مونتريال لتعبِّر عن الابتهاج بالحدث وتعريف الناس به. [2]- انظر (مجلّة المجلّة)، (أسباب استقالة المواطن العربي من الشأن العام)، فهمي هويدي، 23/10/2000.

ارسال التعليق

Top