الأديان والرسالات السماوية كلها مُجمعة على كلمة واحدةٍ، هي شعار السعادة البشرية:
"عامِل الناس بما تُحبّ أن يُعاملوك"!
تقول (البوذية): "البغضاء لا تتلاشى بالبغضاء أبداً، إنّما تتلاشى بالحبّ، هذا هوَ الدستور الخالد"[1].
تقول (المسيحيّة): "وصيّة جديدة أنا أعطيكم، أن تحبّوا بعضكم بعضاً"!
وتقول (الكونفوشيوسيّة)[2]: "سُئِل كونفوشيوس: هل ثمة كلمة واحدة تجمع أسس الخصال الحميدة؟ فأجاب: أليست (المُبادلة) هي تلك الكلمة، فما لا تستسيغونه لا تقدِّموه للآخرين"!
وتقولُ (الهندوسية): "الدين الحقيقي هو أن تحبّ كما يحبّ الله الأشياءَ جميعاً كبيرة أو صغيرة"!
وتقول (الموسويّة): "لا تعملوا بالآخرين ما هو مكروهٌ لكم، هذا هو الناموسُ برمّتهِ، وكلُّ ما عداهُ شُروح"!
ويقول (الإسلام): "لا يؤمن أحدكم حتى يُحبّ لأخيه كما يُحبُّ لنفسه"!
وورد أيضاً: "أحبِب لأخيك ما تُحبّ لنفسك.. واكره لما ما تكره لها"!
ينبغي التأكّد والإلتفات هنا أنّ هذه المعادلة قائمة على غير قاعدة (المعاملة بالمثل) التي غالباً ما تستعمل في المعاملات (القصاصية) – من القصاص – يقول تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (البقرة/ 194).
هي معادلة قائمة على قاعدة: "المعاملة بالحبّ والحُسنى".
إذ ليس هناك عاقلٌ على وجه الأرض يحبّ أن يُعامل بشرٍّ أو بسوءٍ أو بكراهية بما في ذلك المُسيئون من الناس!
نقطة الإنطلاق أنت، حدِّد ما تحبّ أن تعامل به، عندها يسهل عليك أن تتعامل مع الآخرين على ضوء (محبوباتك)، لأنّ الآخرين – كما أنت – يحبّون أن يعاملهم الناس بالرِّقّة واللطف والإحترام والمعروف، فالإنسان – كما قيل – عبدُ الإحسان.
لنُترجم هذه القاعدة أو المعادلة إلى لغة ثانية، لغة متحرِّكة أو حركيّة.
أنتَ – مثلاً – تحبُّ أن يردّ الآخر (الآخرون) على تحيّتك بمثلها أو بأحسن منها، حفاوةً ولطفاً، ومشفوعةً بابتسامةٍ عذبةٍ وكلمات تقديرٍ عاطرة، وأن يُصافحوك بحرارة، أن يسألوك عن أحوالك ليطمئنّوا عليك..
جرِّب ذلك معهم..
النتيجة معروفة سلفاً، إنّهم سيتلقّون ذلك على أنّه علامةُ حبّ ودليلُ اهتمام وشارةُ تقدير، وإذا كان قد رانَ أو خطرَ على أذهانهم تصورٌ سلبي عنك لسببٍ أو لآخر، فإنّه سيزول ما واظبتَ على هذا الحبّ وذاك الاهتمام، نقول ذلك عن تجربةٍ اجتماعيةٍ واسعة، لا شخصية محدودة.
وبلغةِ الكسب: هنا ماذا تربحُ أنت؟
لقد ضمنتَ لنفسك تعاملاً إيجابياً مع الآخر – كقاعدة لها استثناءات – وبالمفاهيم الأمنيّة: أمِنت جانب الآخر، ومتى ما أمِنَ الآخرُ جانبك وأمِنت جانب الآخر، عُشتما في رَخاء وإخاء وسلام.
هذا المردود الإيجابي من التعامل بالحُسنى وعِرفانِ الجميل، وردّه والتنافس فيه، أكبرُ من كبير.
ترويض الآخر، استقطابه، استمالته، اجتذابه، كسبُ ودّه، كل ذلك يميّ عبر هذه القناة الخضراء.
لا يشغلنّك الذين يردّون الإحسان بالإساءة، إنّهم على كثرتهم قلّة، وهم مرضى نفسانيون، أصحابُ عُقدة، أنت (الثابت) وهم (المتغيِّر)، أنتَ القاعدة وهم الشاذّون إنسانياً.
في خيارات الطُّرق، قد نختار الأقل مُشاة؛ لكنّه الأكثر نجاة[3].
أكثر المشاكل، أغلب الصعوبات، معظم الحساسيات، تنجمُ عن تجاهل أو تغافل هذه القاعدة الذهبية، أو السير خارج خطّ سيرها!
[1] - هذه الأقوال من الديانات عن كتاب (حكمة الأديان الحيّة) لـ(جوزيف كاير).
[2] - كونفوشيوس هو حكيم الصين الكبير، وقيل إنّه أحيا مفاهيم وقيم الديانة (الطاوية).
[3] - هذه العبارة استوحيناها من قولٍ للإمام علي (ع): "لا تستوحشوا من طريق الحقِّ لقلّة سالكيه، فإنِّي قد رأيتُ الناس قد اجتمعوا على مائدةٍ شبعها حقير وأمدُها قصير".
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق