• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

معالجة الغضب باقتلاع جذوره

مركز نون للتأليف والترجمة

معالجة الغضب باقتلاع جذوره
 ◄من أهمّ سبل معالجة الغضب هي اقتلاع جذوره بإزالة الأسباب المثيرة له. وهي أمور عديدة...

ومن تلك الأسباب حبّ الذات، ويتفرّع عنه حبّ المال والجاه والشرف والنفوذ والتسلّط. وهذه كلّها تتسبّب في إشعار نار الغضب، إذ إنّ من كانت فيه هذه الأنواع من الحبّ، يهتم بهذه الأمور كثيراً، ويكون لها في قلبه مكان رفيع. فإذا اتّفق أن واجه بعض الصعوبات في واحدة منها، أو أحسّ بأنّ هناك من يُنافسه فيها، تنتابه حال من الغضب والهيجان دون سبب ظاهر، فلا يعود يملك نفسه، ويستولي عليه الطمع وسائر الرذائل الناجمة عن حبّ الذات والجاه وتُمسك بزمامه، وتحيد بأعماله عن جادّة العقل والشرع. ولكن إذا لم يكن شديد التعلّق والاهتمام بهذه الأمور، فإنّ هدوء النفس والطمأنينة الحاصلة من ترك حبّ الجاه والمقام وسائر تفرّعاته، تمنع النفس من أن تخطو خطوات تُخالف العدالة والرويّة. إنّ الإنسان البسيط غير المتكلّف يتحمّل المنغّصات ولا تتقطع حبال صبره، فلا يستولي عليه الغضب المفرط في غير وقته. أمّا إذا اقتلع جذور حبّ الدنيا من قلبه اقتلاعاً. فإنّ جميع المفاسد تهجر قلبه وتحلّ محلّها الفضائل الأخلاقية السامية.

ومن الأسباب الأخرى لإثارة الغضب هو أنّ الإنسان قد يظنّ الغضب، وما يصدر عنه من سائر الأعمال القبيحة والرذائل السافلة، كمالاً، وذلك لجهله وقلّة معرفته. فيحسب الغضب من الفضائل ويراه بعض الجهّال فتوّة وشجاعة وجرأة، فيتباهى ويطري على نفسه في أنّه فعل كذا وكذا، فيحسب هذه الصفة الرذيلة المهلكة شجاعة، هذه الشجاعة التي تكون من أعظم صفات المؤمنين، والصفات الحسنة. فلابدّ وأن نعرف بأنّ الشجاعة غير الغضب، وأنّ أسبابها ومبادئها وآثارها وخواصّها تختلف عن أسباب الغضب ومبادئه وآثاره وخواصّه. مبدأ الشجاعة هو قوة النفس والطمأنينة والاعتدال والإيمان وقلّة المبالاة بزخارف الدنيا وتقلّباتها. أمّا الغضب فناشىء عن ضعف النفس وتزلزلها، وقلّة الإيمان، وعدم الاعتدال في المزاج وفي الروح، وحبّ الدنيا والاهتمام بها، والتخوّف من فقدان اللذائذ البشرية. لذلك تجد هذه الرذيلة مستحكمة في المرضى أكثر مما هي في الأصحّاء، وفي الصغار أكثر مما هي في الكبار، وفي الشيوخ أكثر مما هي في الشبّان. فالشجاعة عكس الغضب تماماً. ومن كانت فيه رذائل أخلاقيّة كان أسرع إلى الغضب ممن فيهم فضائل أخلاقيّة، إذ يكون البخيل أسرع في الغضب من غيره إذا تعرّض ماله وثروته للخطر...

فعلى الإنسان الواعي أن لا يخلط بين هذا الخُلق الذي يتّصف به الأنبياء والأولياء والمؤمنون، ويُعدّ من الكمالات النفسيّة. والخُلق الآخر الذي هو من النقائص والصفات الشيطانية ومن وسوسة الخنّاس. إلّا أنّ حجاب الجهل وعدم المعرفة وحبّ الدنيا وحبّ الذات، يُعمي عين الإنسان ويصمّ أذنه ويُلقيه في المسكنة والعذاب.►

 

المصدر: كتاب... وذكرى للمؤمنين/ سلسلة الدروس الثقافية (31)

ارسال التعليق

Top