المتتبع لحياة الإمام الحسين (عليه السلام)، يدرك بعمق أنّ دوره ومنهجه في الحياة الإسلامية قد بدأ مبكراً، فقد ساهم في حركة الإسلام الصاعدة وهو مازال في دور الصبا، فقد كان دوره جليّاً في إمامة أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ شارك في حروبه الثلاثة: الجمل وصفين والنهروان جنباً لجنب مع أبيه وأخيه والمخلصين من البررة من الصحابة والتابعين.
أمّا في إمامة أخيه الحسن (عليه السلام)، فقد عاش جندياً مطيعاً لأخيه (عليه السلام) يرى ما يرى، ويسلك ما يسلك، فعايش معه أحداث إمامته، بما فيها الوثيقة... بكلّ وقائعها وظروفها، ثم رحل إلى المدينة المنوّرة مع أخيه، وبقية أهل البيت (عليهم السلام)، ليمارسوا دورهم الرسالي في حفظ الرسالة من تيار التحريف، حيث انصبت مهمّتهم الرسالية على التوجيه الفكري والخلقي، وتقويم سلوك الناس، وتبيان المسؤولية الشرعية.
كان الإمام الحسين (عليه السلام) يعيش الرسالة كإمامٍ لها وكمسلمٍ أيضاً، ويعتبر أنّ الرسالة تمثّل رضا الله سبحانه وتعالى، وأنّ رضا الله فوق كلّ شيء، لذلك كان يعيش أزمةً نفسيةً ليست شخصية، بل رسالية، ولذا عبّر عنها بقوله: «ليرغب المؤمن في لقاء ربّه حقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادةً، والحياة مع الظالمين إلّا برماً». فهو لا يريد أن يعبِّر عن حالة يأس، ولكنّه يريد أن يعبِّر عن حالة رفض، وأنّ الموت في خطِّ الجهاد يعتبر سعادةً، لأنّ الإنسان يؤكِّد رسالته ويؤكِّد انتماءه وموقفه وعبوديته لربِّه، أمّا الحياة مع الظالمين دون أن يواجههم، ودون أن يقوم بأيّ عمل، فإنّها تمثّل الحياة التي يبرم بها الإنسان، بمعنى أنّه لا يشعر فيها بالحيويّة ولا بالحياة. لذلك، كان الإمام الحسين (عليه السلام) يركّز على هذا الجوّ، من خلال تصوير المسألة في جانبها النفسي، إضافةً إلى الجانب الموضوعي: «ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه»، ثم يقول: «ليرغب المؤمن في لقاء ربّه حقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادةً، والحياة مع الظالمين إلّا برماً».
کشفت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) عن المضامين الربّانية للجهاد وحددت مواضعه، فالجهاد إنّما يشرع لإعلاء كلمة الدين ورفع الظلم عن المستضعفين وإحقاق الحقّ وردّ كيد الأعداء، فقد نهض الإمام الحسين (عليه السلام) وأنصاره ليدفع البلاء عن الإسلام وليقوّم إعوجاجاً خطيراً في جسدها، وليديم نعمة الإسلام على أُمّة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) التي كاد المستكبرون أن يمحقوا بركاتها ويطفئوا أنوارها، فشاء الله أن يتخذ الإمام الحسين (عليه السلام) وأنصاره قبس نور يستضيء بهديه المهتدون ويُفرج به عن المؤمنين كربتهم، وسفينة نجاة على اختلاف الليالي وتقادم الأزمان.
لقد جسّد الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضته أروع معاني الإباء والتحدّي والتضحية والشجاعة، بل راح (عليه السلام) يؤلب الجماهير على الثورة، فكان رسالة مفتوحة لكلّ الأجيال في كلّ العصور والدهور وفي كلّ موقع ومكان. لقد ترك الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضته الباب مفتوحاً أمام مَن يحبّ مناصرته أو لا يحبّ، فلم يكره أحداً ولم يرغمه على الانخراط في جماعته، والانضواء تحت رايته.
ففي ليلة عاشوراء، يقف في أصحابه:
«ألا وأنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، وأنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ، ليس عليكم مني ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً خيراً، وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم، فإنّ القوم إنّما يطلبونني، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري». ويجيبه أصحابه وإخوته وأبناؤه بإعلان النصرة الصادقة له عن طواعية ورغبة، وشوق إلى الشهادة عظيم.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق