• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

واحة تفاؤل في أيام قاحلة

واحة تفاؤل في أيام قاحلة

 

كلما التقيت امرأة نجَت من محاولات التكسير الرجالية، وخرجت من المُعترَك بأقل ما يمكن من الأضرار، أشعر بنوع غامض من السعادة، وكأن انتصارها، صغيراً كان أم كبيراً، هو انتصار لي كرجل، لا يعرف التصفيق بيد واحدة، لا تعانقها يد ناعمة. وعندما شاءت المصادفات السعيدة أن أتعرف إلى حنان، أدركت من خلال الحديث بيننا، أنني إزاء سيدة قست عليها الحياة، لكن الضربات جلت معدنها وأظهرت جوهرها، مثلما تفرك الليفة الخشنة جسد إنسان تراكمت عليه الإفرازات، فتجعله ناعماً وصقيلاً، مثل خدِّ تفاحة في موسمها. كانت ضئيلة القد، عظيمة الإرادة. روت لي جانباً بسيطاً من حياتها، فأحالتني روايتها إلى ملفٍّ سميك من العذابات النسائية في مجتمعاتنا، وإلى صور فتيات قُصم شبابهنّ تحت وطأة زوج جلف، وإلى معاناة بنات دفعن غالياً ثمن سطوة الأب أو الأخ، واعتداده بكلمة لا رجعة فيها. الأب يمنح الكلمة، والابنة تُشحن إلى بيت الطاعة. ولا عزاء للكسيرات سوى الدموع التي تشربها الوسادات في ليالي الأرق والقرف ولا الاحتمال الجبّار. امرأة مكسورة. هكذا كان يُراد لحنان أن تكون، لكنها تمرّدت على اليد التي أمعنت في تهشيمها وخرجت من القُمقم لتتنفس هواء نقياً، واختارت طريقها، مع الاستعداد الكامل لتحمُّل جميع النتائج، ولو كانت مزيداً من المر. ذلك شأنها هي، وعليها أن تتدبّر أمرها معه. ولأنّها داوت جروحها وتسامنت فوق مرارات الماضي، فقد وجدتُها مشرقة، متألقة، تفيض حبوراً وانفعالاً، وكأنها تريد أن تشركني، بل تُشرك كل خلق الله في سعادتها البسيطة الطيبة التي كسبتها بعرق جبينها. أي ثمن دفعت حنان، وأي أقاويل احتملت، وكم ذرفت من الدموع، مقابل هذا السرور المريح؟ وجدتها أمامي امرأة مرتاحة ومليئة بالطموح إلى ما هو أبعد. تريد أن تعيد للدنيا الكثير مما أعطتها إيّاه، على الرغم من أنّ الدنيا لم تُعطها الكثير. وقد تسلل ارتياحها إليَّ، وكان التقاؤنا معاً واحة تفاؤل في أيام قاحلة.

ارسال التعليق

Top