◄الإسلام دين العقل والعلم والمعرفة، وإنّ أوّل آية نزلت على النبيّ محمّد (ص) هي آية العلم والقراءة والكتابة، قال تعالى في أوّل خطاب له للنبيّ محمّد (ص): (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق/ 1-5).
إنّ الإيمان بالله يجب أن يقوم على أساس القناعة العقلية، والدليل والبرهان، مهما يكن بسيطاً.. وبالشكل الذي يرسخ في أعماق النفس، رسوخاً يقينياً، لا شكّ فيه ولا ريب، ولا يصح تقليد الآخرين في الإيمان بالله، وما يتفرع عنه من الإيمان بالنبوّة وبعالم الآخرة.. فإذا حصل للشخص الذي يبحث عن الإسلام: الإيمان بالله الواحد الأحد وبنبوّة محمّد (ص) وبما جاء به عن تصديق ويقين، فقد صار مسلماً..
الإقرار بالشهادتين:
وبعد أن ينهي الشخص مرحلة القناعة العقلية والإيمان بالله سبحانه، وبنبوّة محمّد (ص) وأراد اعتناق الإسلام، فعليه أن يقر بالشهادتين[1]، وهما: «أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله».
فالشهادة الأُولى تعني: الإقرار بوجود الله الخالق الواحد الأحد، المتصف بكلّ صفات الكمال، من العلم والقدرة والإرادة والحكمة والاختيار.. المنزه عن الظلم والشرّ، وصفات المخلوقين، بيده الخير، إنّه على كلّ شيء قدير، وهو مالك الخلق ومدبره وفق العدل والحكمة والعلم ومصلحة العباد.
وهو الأوّل والآخر، عالم الغيب والشهادة، لا يخفى عليه شيء في السماء ولا في الأرض.
والشهادة الثانية تعني: أنّ محمّداً (ص) عبد الله، ورسوله، جاء بالهدى ودين الحقّ.. أوحى الله سبحانه إليه، كما أوحى إلى غيره من الأنبياء والمرسلين (ع) وبعثه بالقرآن مبشراً وهادياً للحقّ، ومنقذاً للبشرية، ورسالته خاتمة الرسالات، فلا نبيّ بعده..
وبعد أن ينطق بهاتين الشهادتين يصير مسلماً، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، وعُدَّ واحداً من أُمّة محمّد (ص).
ما معنى الإسلام؟
تعني كلمة الإسلام في اللغة العربية، الخضوع والاستسلام.. وسُمّي هذا الدِّين بالإسلام، لأنّ المؤمن به يخضع لإرادة الخالق، وأنّ أوّل مَن أطلق هذا الاسم على المؤمنين بالله، هو أبو الأنبياء، إبراهيم (ع) وهو أحد الأنبياء العظماء، قال تعالى: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) (الحجّ/ 78).
وتحدّث القرآن عن هذه التسمية في روايته لإيمان إبراهيم (ع) فقال: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة/ 131).
فالإسلام في حقيقته هو اسم لكلّ دين جاء به الأنبياء (ع). غير أنّ هذا الاسم صار اسماً خاصّاً بالدِّين الذي أتى به النبيّ محمّد (ص) من عند الله سبحانه.
الإسلام والإيمان:
وينبغي أن نوضح هنا أنّ هناك فارقاً بين الإسلام والإيمان.. فالمسلم هو كل مَن شهد الشهادتين، وإن لم يعمل بالإسلام، غير إنّه إنسان فاسق يستحق العقاب على المعاصي.. أمّا الإيمان فيعني التصديق الحقّ بالإسلام، والعمل بما جاء به محمّد (ص) من أداء الواجبات وترك المحرمات.. وهو أعلى درجة من الإسلام الظاهري.. والإيمان درجات تحصل وفق مستوى اليقين والمعرفة بالله والعمل بما جاء به النبيّ محمّد (ص).
مم تتكوّن الرسالة الإسلامية؟
تتكوّن الرسالة الإسلامية من العناصر الآتية:
1- العقيدة.
2- الشريعة والقانون ونظام الحياة.
3- الأخلاق والآداب والوصايا والتعاليم.
وفيما يلي نوضح كلاً من هذه المفردات:
1- العقيدة:
وتُسمّى أُصول الدِّين، ذلك لأنّ الدِّين بكامله يبتني عليها..
والإيمان بهذه العقيدة، كما تقدّم، يجب أن يقوم على أساس اليقين العقلي للشخص ذاته، والإيمان الصادق، ولا يصحّ الإيمان بالعقيدة عن طريق التقليد ومتابعة الآخرين في أُصول الدِّين كما في قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة/ 285).
كما جاء في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا) (النِّساء/ 136).
وإذاً فأُصول الدِّين هي:
أ- الإيمان بالله.
ب- الإيمان بالنبوّة.
ج- الإيمان بالإمامة[2].
د- الإيمان بالعالم الآخر.
الشرح:
الإيمان بالله:
إنّ الإيمان بالله هو الأصل الأوّل الذي تبتني عليه العقيدة بكامل تفاصيلها، فالمسلم يؤمن بوجود الله عن دليل ويقين، وإنّه الخالق المتصف بكلّ صفات الكمال، فهو حيّ قيوم، قديم أزلي، قادر عالم مريد مختار مدرك سميع بصير متكلّم صادق حكيم، لطيف بالعباد، عادل رحيم منزه عن مشابهة الخلق، ليس كمثله شيء، فهو واحد أحد، متفرد في ذاته وصفاته وأفعاله.. وكلّ فعله في هذا العالم خير، ولا يفعل إلّا لحكمة وغاية ومصلحة للخلق.
العدل الإلهي:
(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران/ 18).
ومن صفات الله سبحانه (العدل)، والإيمان بعدل الله سبحانه هو أصل من أُصول الاعتقاد، فيجب الاعتقاد بأنّ الله عادل، لا يظلم أحداً من البشر، ويجازي كلّ إنسان بعمله.. ومن عدله أنّه خلق الإنسان حراً مختاراً.. فهو الذي يختار طريقه.. لذا يجازى على هذا الاختيار، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرّ.. ومن عدله سبحانه: أن لا يكلّف أحداً من الخلق فوق طاقته وقدرته، فلو أجبر الله الخلق على أفعال الشرّ، أو سلب منهم الإرادة والقدرة على الاختيار.. أو كلّفهم فوق طاقتهم.. أو ساوى بين المحسن والمسيء في الجزاء لكان ذلك ظلماً..
ولا يظلم إلّا المحتاج إلى الظلم، أو الجاهل به، أو العابث.. والله منزه عن ذلك كلّه.. ولإيضاح هذه المفاهيم فلنقرأ النصوص القرآنية الآتية:
قال الله تعالى: (بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (القيامة/ 14-15).
(وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)[3] (البلد/ 10).
(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (الإنسان/ 3).
(وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) (إبراهيم/ 22).
(ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ) (البقرة/ 281).
(لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة/ 286).
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة/ 7-8).
(وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (الكهف/ 49).
(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة/ 286).
(يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة/ 185).
(إِنّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (النِّساء/ 28).
النبوّة:
وهي الإيمان بأنّ الله سبحانه أرسل الأنبياء والمرسلين لإنقاذ البشرية وهدايتها إلى الخير، وتعريفها بخالقها، وبعالم الآخرة.. وهذا الاعتقاد يعني تصديقهم جميعاً، دون تفريق بينهم، وأنّ محمّداً خاتم الأنبياء والمرسلين.. وقد بلّغ الله سبحانه رسالاته إلى الأنبياء عن طريق الوحي.. والوحي يهبط على الأنبياء (ع) عن طريق ملك الوحي جبريل (ع).
والوحي يشبه ما يستمع إليه الإنسان من كلام في عالم الرؤيا.. فهو عندما يتحدّث مع شخص، أو يستمع إليه وهو نائم، يتذكر الكلام والمشهد الذي رآه في المنام كاملاً بعد أن يستيقظ.. غير أنّ الأنبياء يتلقّون الكلام الإلهيّ وهم بكامل الوعي واليقظة الروحية، وفي غيبوبة عن العالم الحسي، وفي لحظات اتصال بعالم الغيب.
والقرآن يوضح طريقة الوحي إلى الأنبياء بقوله: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الشورى/ 51).
وهكذا تحدّد هذه الآية ثلاثة طُرُق لتكليم الله سبحانه للبشر، وهي:
1- الوحي، ويقصد به القرآن هنا الإلقاء في نفس والإلهام أو الرؤية الصادقة في المنام.
2- عن طريق الملك جبريل (ع).
3- عن طريق التكليم من وراء حجاب، ويقصد به: «إنّ كلام الله سبحانه يسمع، ويحدث من حيث لا يُرى»[4].
والأنبياء هم أُناس من صفوة البشرية.. متصفون بالكمال البشري في العقل والوعي والسلوك والتكوين النفسي.. منزهون عن الشرور والمعاصي والآثام، قد اختارهم الله سبحانه لحمل الرسالة إلى البشرية، لذا فهم القدوة في الاستقامة، والعمل بالشريعة التي يبلغونها.
الإمامة:
الإمامة: عرّف العلماء الإمامة بأنّها: «رئاسة عامّة في أُمور الدِّين والدُّنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبيّ (ص)»[5].. وواضح لدينا أنّ النبيّ (ص) يتلقّى الوحي عن الله تعالى ويبلّغه للناس، وتلك هي النبوّة.. ويقوم النبيّ (ص) بمهمّة الإمامة أيضاً.. فهو وَلي الأمر وإمام الأُمّة وحاكمها وقائدها، وذلك يعني أنّ شخص النبيّ (ص) يقوم بمهمّتين: مهمّة النبوّة ومهمّة الإمامة.
ويأتي دور الإمامة (النيابة عن النبيّ (ص) بعد حياته (ص) مباشرة).. إذ يتولى إمامة المسلمين شخص مؤهّل للإمامة.. وهي واجبة عقلاً وشرعاً.. وإذاً فالإمام هو خليفة النبيّ (ص) من بعده، وله مواصفات بدرجة خاصّة من العلم والتقوى والشجاعة والزُّهد والطاعة المطلقة لله تعالى (المعبّر عنها بالعصمة) وغير ذلك من الصفات.
وللمسلمين رأيان في الشخص الذي يجب أن يخلف الرسول (ص) فالشيعة الإمامية.. وهم أتباع أهل البيت (ع) يرون أنّ الرسول (ص) قد نص على خلافة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في خطبة الوداع، في غدير خم، حين أخذ بيد عليّ (ع) فرفعها أمام عشرات الآلاف من المسلمين العائدين من الحجّ، وهو يخطب، فقال في خطبته الخالدة: «أيّها الناس: الله مولاي، وأنا مولاكم، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللّهمّ والي من والاه، وعادي من عاداه، وأنصر من نصره، وأخذل من خذله، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، ثمّ قال: اللّهمّ أشهد»[6].
ورأي آخر عند فريق من المسلمين يقول: إنّ هذا الخطاب قد صدر من الرسول (ص) حقّاً، غير أنّه يفسّره تفسيراً آخر، ويؤمن بأن اختيار الخليفة من بعد الرسول (ص) يأتي عن طريق الشورى. والامام هو وَلي أمر المسلمين وقائدهم ورئيس دولتهم وهو الذي يدير شؤون الأُمّة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقضائية وفق أحكام الشريعة الإسلامية.. إلخ. وهو الذي يبيّن للمسلمين أحكام الإسلام ومفاهيم العقيدة، ويحفظ كتاب الله وسنّة رسوله الكريم (ص) من التحريف والضياع، ويربّي الأُمّة على كتاب الله وسنّة رسوله (ص).
عالم الآخرة:
والمرتكز الأساس الآخر في العقيدة الإلهيّة التي بشّر بها الأنبياء جميعاً هو الإيمان بعالم الآخرة، ويعني الإيمان بإحياء الإنسان بعد الموت، والبعث والنشور للحساب والجزاء، ليُجازى كلّ امرئ بما عمل من خير أو شرّ، وأنّ المصير سيكون إلى مستقرين: هما الجنّة والنعيم، أو جهنم والعذاب.
كما ويتحدّث القرآن أيضاً عن نهاية الكون والحياة، واستئناف عوالم جديدة، ومسألة نهاية الكون والحياة على هذه الأرض، وبداية الحياة الأُخرى للإنسان مسألة أشغلت العقل الإنساني، وجادل بها الإنسان كثيراً.. جادل الأنبياء والمرسلين وكانت هي العقدة الأساسية في الفهم الرافض للإيمان بالله.
وبعد تقدّم علوم الفلك والفيزياء وعلم الاستنساخ أصبح إيضاح هذه المسألة أمراً ميسراً، رغم صعوبته وتعقيده.. فلكي نفهم هذه المسألة علينا أن نفكّر في هذا العالم والإنسان بصورة علمية، فإنّ علم الفيزياء والفلك يؤكّدان لنا أنّ هذا العالم المادي لم يكن موجوداً، فتشكّل ووجد، ولكلّ كوكب في هذا الوجود تاريخ ولادة وتكوّن ونشأة، وتؤكّد أبحاث الفيزياء أنّ المادة لم تكن موجودة، فتشكّلت ووجدت، فهي حادثة، ولذا فهي تحتاج إلى موجد لها.
وأنّ هذا العالم الذي نشاهده الآن كان أمواجاً من الطاقة، تسبح حرة في الفضاء، وأنّ بعض هذه الطاقة تراكم وانتظم وفق قوانين ودساتير على شكل مادة، لذا يمكن تحليل المادة مرة أُخرى إلى طاقة، كما يمكن تحويل الطاقة إلى مادة، لذا فانحلال الكون وعودته إلى طاقة مرة أُخرى مسألة يقرها علم الفيزياء، كما اكتشف علم الفلك انحلال الكواكب والمجرات، ونهاية العالم والكارثة الكونية التي تدمره، وذلك ما يؤكّده القرآن في العديد من آياته، مثل قوله تعالى: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ) (التكوير/ 1-6).
(إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا) (الواقعة/ 4-6).
(إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) (الزلزلة/ 1-5).
(فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) (القيامة/ 7-10).
وإذا كان علم الفلك والفيزياء قد يسَّرا للعقل البشري فهم الحقيقة التي أخبر بها القرآن من نهاية هذا العالم، فإنّ علم الاستنساخ، وعلوم الحياة قد يسَّرت فهم البعث والنشور. ولفهم هذه الحقيقة علينا أن نبدأ التفكير من أصل الأُصول، وهو الإيمان بوجود خالق لهذا الكون. فإنّ الذي أنشأ الإنسان والروح والحياة أوّل مرّة من العدم، قادر على أن يعيد إليه الحياة مرة أُخرى.
وقد استطاع علم الاستنساخ، وهو في بداية نشأته، وفق قوانين الطبيعة التي أودعها الله سبحانه في هذا العالم، بعد تجربة النعجة (دولي)، استطاع أن ينشئ إنساناً من خلية واحدة، ضمن توفيرالظروف الطبيعية اللازمة للنشأة، وإن كان من شروط هذه النشأة حياة الخلية، وتوفّر الظروف الطبيعية اللازمة لتكوُّن الإنسان من الخلية، فلعلّ تقدّم هذا العلم وعلوم الحياة سيكشف لنا ما هو غامض الآن، من إعادة الحياة للخلية الحيّة المتحجرة، كما كشف لنا في السنوات الأخيرة ما كان يعتبر خيالاً.
إنّ الذي أنشأ هذه العوالم والقوانين الطبيعية للحياة، قادر على أن يعيد الحياة لخلية الإنسان المندثرة في التراب، كما نبتت ونمت بعض البذور التي مرّ عليها آلاف السنين مطمورة في التراب، حين توفّرت لها ظروف الإنبات، كما أفادت دراسات علماء النبات.
وجدير ذكره أنّ أحد أئمّة المسلمين قد سبق في تفسيره لبعث الحياة والنشور التي قرَّبها لنا الآن علم الاستنساخ، قبل ثلاثة عشر قرناً، وهو الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) أحد أسباط النبيّ محمّد (ص) الذي ورث علوم الدِّين من آبائه عن النبيّ محمّد (ص).
ومن المفيد أن ننقل تفسير علماء العقيدة والنص الصادر عن الإمام الصادق (ع) ضمن عرض هذا النص وهو: «إنّ في بدن الإنسان أجزاء أصلية مخلوقة من المني، وتلك الأجزاء باقية في مدّة حياة الشخص، وبعد موته، وتفرق أجزائه، لا تتغير ولا تتبدل، ولا تزيد ولا تنقص، والإنسان المشار إليه (بهذا) و(أنا) عبارة عن تلك الأجزاء الأصلية، ومدار الحشر والثواب على تلك الأجزاء، وهذا القول ذهب إليه بعض متكلمي الإمامية[7]، ربّما يومي إليه بعض الأخبار، وهو ما رواه ثقة الإسلام[8] والصدوق في الكافي والفقيه عن عمار عن الصادق (ع) قال: سُئِل عن الميت يبلى جسده، قال: نعم، حتى لا يبقى لحم ولا عظم إلا طينته التي خلق منها، فإنّها لا تبلى، بل تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها، كما خلق أوّل مرّة»[9].
والتفسير واضح على ضوء مفاهيم علم الاستنساخ، فإنّ الخلية الأساسية التي انطلقت منها نشأة الإنسان تبقى محفوظة في جسده كجزء منه، وحين ينحل بعد الموت تبقى تلك الخلية محافظة على وضعها، وإن اختلطت بتراب الأرض، فهي تحمل القابلية الكاملة لأن تنمو، ويتكوّن منها الإنسان، كما تكوّن منها أوّل مرة، ويوضح القرآن هذه الحقيقة راداً على منكري بعث الحياة بعد الموت بقوله: (قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يس/ 78-79).
2- الشريعة والقانون ونظام الحياة:
وبعد أن اتّضحت أُصول العقيدة لنا بشكل موجز، وعرفنا أنّ الإيمان بها يجب أن يكون عن طريق العقل والبرهان إيماناً يقينياً، وبعد أن عرفنا أنّ الإسلام في حقيقته هو عقيدة وسلوك وعمل.. فلنتعرف عن القسم الثاني من الدِّين الإسلامي، وهو الشريعة والقانون، وما يجب على الفرد المسلم فعله أو تركه، بشكل موجز، كدليل عمل يسترشد به الإنسان، ويكوّن له وضوحاً في الرؤية.
مصادر التشريع:
إنّ الشريعة الإسلامية هي مجموعة من الأحكام والقوانين والنُّظم لتنظيم حياة الإنسان، وعلاقته بربّه ونفسه ومجتمعه، وعالم الطبيعة والأحياء من حوله، وتلك الأحكام والقوانين والنُّظم تؤخذ من مصدرين تشريعيين هما: القرآن والسنّة النبويّة.
أ- القرآن الكريم: وهو الكتاب الإلهيّ الذي أُوحي إلى النبيّ محمّد (ص) خلال ثلاثة وعشرين عاماً، وهو معجزة إلهيّة خالدة، لا يمكن أن يأتي أحد بمثلها، وقد بدأ نزول القرآن في شهر رمضان عام (610م) والنبيّ محمّد (ص) يتعبّد في غار حراء في مكّة المكرمة، وأوّل ما نزل عليه من القرآن هو قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق/ 1-5).
واستمرّ نزول القرآن في مكّة المكرمة ثلاثة عشر عاماً، وبعد أن اشتدّ الصراع بين النبيّ وبين قادة مكّة المشركين والمعادين للدعوة الإسلامية، وقتلوا بعض أصحابه وعذبوهم بمختلف ألوان التعذيب وفرضوا عليه وعلى أصحابه الحصار والمقاطعة الاقتصادية والاجتماعية، وخطّطوا لقتله (ص). هاجر إلى المدينة المنوّرة بعد أن آمن عدد كبير من زعمائها بالإسلام. استقر (ص) هو والمهاجرون هناك وأسّس المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية، وانطلق في دعوته من المدينة المنورة، وفي المدينة استمرّ نزول القرآن حتى وفاة الرسول (ص) فكانت تلك المدّة عشر سنوات.
ويتكوّن القرآن من آيات وسور، والسورة هي مجموعة من الآيات، وتختلف السور في عدد آياتها فبعضها يتكوّن من ثلاث آيات، مثل سورة الكوثر.. وأطولها يتكوّن من مائتين وست وثمانين آية، مثل سورة البقرة.. عدا آية البسملة. وعدد سور القرآن (114) سورة، وعدد آياته (6342) آية، وهو مجزّأ إلى ثلاثين جزءاً.
وقد جمعت آيات وسور القرآن كاملة على عهد النبيّ (ص) ودوّنت، فقد كان للنبيّ (ص) كُتّاب، يسمّون كُتّاب الوحي، يُدوّنون ما ينزل عليه من القرآن، وقد حفظ الكثير من المسلمين القرآن كاملاً عن ظهر قلب، على عهد النبيّ محمّد (ص)، وما زال القرآن محفوظاً من التحريف والنقص والزيادة، وهو الآن بين أيدينا كما هبط على النبيّ محمّد (ص).
والقرآن هو المصدر الأوّل للتشريع والتقنين وتنظيم المجتمع والدولة في حياة المسلمين، ويحوي القرآن حوالي خمسمائة آية تشريعية، فيها الأحكام والقوانين والنُّظم المختلفة، مثل أحكام العبادات والطهارة وقوانين الأُسرة والمجتمع والأحوال الشخصية والمال والتجارة والاقتصاد والقضاء والسياسة والحرب والسلم والصلح والمعاهدات، وما يحرّم فعله من السلوك المحرّم، أو تناوله من الأطعمة والمشروبات المحرّمة والمباحة وغيرها.
وتشكّل هذه الآيات الأُسس القانونية والتشريعية لبناء الدولة والمجتمع، وتنظيم سلوك الفرد الشخصي، والعلاقة التعبدية مع الله سبحانه، ومنها استنبط الفقهاء آلاف الأحكام والمواد القانونية لتنظيم حياة الفرد والمجتمع والدولة، ونجد تلك القوانين والأحكام مودعة في كُتُب الفقه والتشريع الإسلامي، مستنبطة من القرآن الكريم، ومن السنّة النبوية.
ب- السنّة النبوية: والمصدر الثاني الذي تؤخذ منه الأحكام والقوانين والنُّظم الإسلامية هي السنّة النبويّة.
والسنّة النبويّة: هي ما صدر عن النبيّ من قول أو فعل أو تقرير[10]، وهي عبارة عن بيان وتفسير وتفصيل للقرآن الكريم، والعلاقة بينها وبين القرآن الكريم، كالعلاقة بين الدستور والقانون، فقد قام النبيّ (ص) ببيان الأحكام والقوانين والنُّظم الإسلامية من خلال الأقوال والخطب والبيانات اللفظية، أو من خلال فعله وممارسته العملي، فقد بيّن ووضّح بقوله وفعله وتقريره الأحكام والقوانين المختلفة في مجال العبادة والأسرة والسياسة والقضاء والحرب والسلم والمعاهدات وإدارة الدولة والاقتصاد والعلاقات الدولية، وما يحل وما يحرم فعله.
وقد حفظ المسلمون أحاديث الرسول (ص) وخطبه وفعله وتقريره، وقاموا بروايتها وتدوينها، ويوجد الآن العديد من كُتُب الحديث والرواية والسيرة النبويّة التي تروي لنا ما صدر عن الرسول (ص) من قول أو فعل أو تقرير، وقد قام العلماء المختصون بتنقيتها وتنقيحها ممّا دُسَّ فيها من قبل بعض الكذابين والمدسوسين، ويُعتبر القرآن الكريم المقياس الصحيح لما يشكّ في نسبته إلى الرسول (ص)، فعندما نشكّ في صحّة ما ينسب إلى الرسول (ص) نطابق معناه مع القرآن الكريم، فإن وافق القرآن فهو صادر عن الرسول (ص) وإن خالفه فهو لم يصدر عن الرسول (ص).
ويجب أن يتّضح لدينا أنّ ما يصدر عن الرسول (ص) هو تلقٍّ وتعليم من الله سبحانه.
قال تعالى واصفاً ما يصدر عن الرسول (ص): (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم/ 2-3).
لذا فما يصدر عن النبيّ (ص) هو مساو في قوّته التشريعية لما جاء في القرآن، فمصدرهما واحد، ذلك لأنّ السنّة النبويّة بيان وتفسير وتفصيل للقرآن.
ومن بعد الرسول (ص) تولّى عدد من الصحابة الفتوى ورواية الحديث عن النبيّ (ص)، وفي هذه الفترة كان الإمام عليّ (ع) وهو من أهل البيت المطهّرين، وهو أعلم الصحابة ومرجع المسلمين، وجاء من بعده الأئمّة الأحد عشر من وُلِده.. تصدوا جميعاً لحفظ دين الإسلام وبيان أحكامه ومفاهيمه على أساس كتاب الله وسنّة نبيّه الكريم محمّد (ص) وتحمّلوا من أجل ذلك الأذى والاضطهاد والقتل، كالإمام عليّ (ع)[11] وولديه الحسن والحسين (ع)[12] والإمام موسى بن جعفر (ع) وغيرهم من الأئمّة من آل الرسول (ص). كلّ ذلك من أجل كتاب الله وسنّة رسول الله (ص).
وحين ندرس ما صدر عنهم (ع) من عقيدة وأحكام ومفاهيم وقيم... إلخ، نجده التعبير الأمين عن كتاب الله وسنّة رسوله الكريم محمّد (ص).
نورد أمثلة من أقوالهم لإيضاح ذلك:
سأل رجل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) عن مسألة فأجابه فيها، فقال الرجل: «أرأيت إن كان كذا وكذا.. ما يكون القول فيها؟.. فقال له: «مَهْ». ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله (ص) لسنا من: ((أرأيت) في شيء)»[13].
وورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) قوله أيضاً: «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث أبيه، وحديث أبيه حديث عليّ بن أبي طالب، وحديث عليّ حديث رسول الله (ص) وحديث رسول الله (ص)، قول الله عزّوجلّ»[14]. ►
[1]- يستحب له الاغتسال غسل التوبة.
[2]- تعتقد الشيعة الإمامية أنّ الإمامة أصل من أُصول الدِّين، في حين يذهب غيرهم إلى أنّها فرع من فروع الدِّين.
[3]- عرّفنا الإنسان بطريق الخير وطريق الشرّ، وأمامه أن يختار الطريق، وهو مسؤول عن اختياره.
[4]- الطبرسي، مجمع البيان، ج9، ص63، تفسير سورة الشورى.
[5]- العلّامة الحلي، الباب الحادي عشر، ص66، انتشارات مصطفوي.
[6]- يراجع الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل، ج1، ص191، ومسند أحمد بن حنبل، ج1، ص118، ص119، ج4، ص281، وسنن ابن ماجه، تاريخ ابن كثير، ج5، ص209-210-213.
[7]- يعني علماء العقيدة من مذهب الشيعة الإمامية.
[8]- يقصد بثقة الإسلام المحدّث الكليني، صاحب كتاب الكافي في الحديث والرواية، والصدوق هو صاحب كتاب: مَن لا يحضره الفقيه وهو كتاب في الحديث والرواية أيضاً.
[9]- يراجع عبدالله شبر، حقّ اليقين في معرفة أُصول الدِّين، ج2، ص47.
[10]- التقرير: هو السكوت عن موقف فردي أو جماعي شاهده الرسول (ص) ولم يستنكره فذلك يدل على إقراره من قبل الرسول (ص).
[11]- ضُرب الإمام عليّ (ع) ليلة التاسع عشر من شهر رمضان سنة 40 للهجرة في مسجد الكوفة وهو ساجد في صلاة الفجر. ضربه عبدالرحمن بن ملجم أحد زعماء الخوارج، وتوفي في اليوم الحادي والعشرين من رمضان.
[12]- قتل الإمام الحسين (ع) في كربلاء هو وثمان وسبعون من أهل بيته وأصحابه في العاشر من المحرم سنة 61 للهجرة. قتله جيش يزيد بن معاوية الأموي.
[13]- الكليني، الكافي، ج1، ص58، وجاء في حاشية الكتاب: لما كان مراده (السائل). أخبرني عن رأيك الذي تختاره بالظنّ والاجتهاد. نهاه (ع) عن الظنّ، وبيّن له أنّهم (ع) لا يقولون شيئاً إلّا بالجزم واليقين وبما وصل إليهم من سيِّد المرسلين (ص).
[14]- يراجع السيِّد محسن الأمين، أعيان الشيعة، ط2، ج3، ص34.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق